سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)
إنّ الحديث عن سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي
البهجة قدس سره ليس بالأمر الهيّن. وسماحته في ما نحن فيه كالقطب من الرحى ينحدر
عنه السيل ولا يرقى إليه الطير. ولكنّنا في هذا المختصر، سنتحدّث عن سماحته ومدرسته
ومنهجه من زاوية حاجتنا نحن الفقراء إليه.
*العرفان موضع اهتمام الناس
بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الفقيه العارف الإمام
الخميني قدس سره انفتحت أمام المسلمين، وخصوصا ًأمام الشباب، عوالم جديدة وآفاق
عديدة، لم تكن معروفة من قبل. من جملتها، كل ما يتعلّق بالعرفان، والسير والسلوك،
والاهتمام العالي والمركّز بالأبعاد الروحيّة، والمعنويّة والأخلاقيّة.
كان هذا الأمر، في الماضي، موضع اهتمام في دائرة محدّدة وضيّقة، كالحوزات الدينيّة
العلميّة وبعض الخواصّ. أمّا بعد انتصار الثورة الإسلامية فقد أصبح أمرا ًعامّاً،
وموضعاً لاهتمام الكثيرين، ومتابعتهم وبشغف وحبّ كبيرَين.
هذا الطلب، استلزم من كلّ الطالبين والعاشقين والوالهين أن يبحثوا عمّا يتصل بهذا
الاتّجاه، سواء ما يرتبط بالجوانب النظريّة أو العمليّة أو الإرشادات. وكذلك البحث
عن الشخصيّات المميّزة من العرفاء، وسيرتهم، وسيرهم، ومؤلّفاتهم، ومناهجهم
وإرشاداتهم. وبالفعل بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، وهذا المستجد الفكريّ والثقافيّ
والروحيّ، طُبعت كتبٌ ومخطوطات، وحَضَرت أسماء كانت غائبة عن الاهتمام العامّ، وحصل
تحوّلٌ مهمٌّ جداً على هذا الصعيد. وأيضاً، قُدِّم أشخاص من الأحياء على أنهم
عرفاء، وأولياء، وقادرون على الأخذ بيد الطالبين، والراغبين، وهدايتهم وإيصالهم إلى
الهدف.
*خطورة بعض المشاكل
مع كلّ الإيجابيات التي تحقّقت، برزت مجموعة من الصعوبات والمشاكل التي يمكن تصنيف
بعضها بالخطير، على سبيل المثال:
أولاً: الكتب التي أُعيد طباعتها أو طُبعت أو قُدِّمت، وحتّى الجديد منها في
الأعمّ الأغلب، كانت لغتها متخصّصة، وأحياناً معقّدة، لا يفهمها إلّا من تفرّغ
سنوات عديدة للدراسة الحوزويّة الدينيّة، ما أدّى إلى حرمان جيل الشباب وعامّة
الناس من الاستفادة.
ثانياً: تعدّد المسالك والاتّجاهات، والآراء، وتعارضها أحياناً، ممّا يضع
الإنسان الطالب في حيرة بدل أن يهتدي.
ثالثاً: دخول أفكار غريبة، في بعض هذه الكتب، عن الإسلام والقرآن والسنّة
وسيرة النبيّ والمعصومين عليهم السلام تأثُّراً بالأفكار الهنديّة واليونانيّة
وغيرها، ممّا جعل التمييز بين هذه الأفكار والأفكار الإسلاميّة الأصيلة صعباً على
جيل الشباب.
رابعاً: (وهو الأهمّ والأخطر) صعوبة التمييز بين الرجال المتصدّين أو
المعروفين في هذا المجال بسبب وجود ادّعاءات، للأسف الشديد، كاذبة ومخادعة.
يوجد تعبير شائع - في إيران وفي غيرها - يصف بعض هؤلاء المدّعين بأنّهم "أصحاب
دكاكين". بطبيعة الحال، عندما يحصل إقبال شعبيّ وعامّ في مجال من المجالات، نجد
قطّاع طرق، ونجد مستغلّين لعواطف الناس وصدقهم أو اندفاعهم، وهو ما يحصل اتّجاه
الإسلام واتّجاه طريق العبودية لله سبحانه وتعالى، وهذا أمر طبيعيّ.
*اختيار الوليّ العارف
في هذا المجال، بالتحديد، الابتلاء شديد. فالمسألة هنا خطيرة جداً، لأنّها لا ترتبط
بتفصيل دنيويّ أو حياتيّ وإنّما ترتبط بديننا، وإيماننا وآخرتنا. في هذا الطريق،
يجب أن أكون محتاطاً، وعلى درجة عالية من الدقّة والحذر في اختيار المرشد والمرجع،
حتّى أكثر من اختيار مرجع التقليد، نتيجة حساسيّة هذا الأمر وخطورته.
وأيضاً، يجب أن يكون المرشد على درجة عالية من الجدّ، والاجتهاد، والتقوى والورع.
كما يقولون، يجب أن يكون سالكاً وواصلاً. حين يتحدّث، لا يكون حديثه فقط من الموقع
النظريّ أو الفكريّ أو العقليّ وإنّما من موقع التجربة والشهود والمشاهدة والحركة
الحقيقيّة.
في مسألة السير والسلوك والعرفان، لا يجوز أن نلقي بأنفسنا إلى أحضان من لا يتمتّع
بهذه المواصفات. ومن كان كذلك، تستطيع أن تسلّم له عقلك، وروحك، ونفسك، وسيرك
ومصيرك، ولا يجوز التساهل والتسامح في هذا الأمر على الإطلاق.
*وليّ الله العارف
أمام هذه الحاجات الروحيّة الشديدة، وأمام هذه المخاطر، والمشاكل، وفي الزمن الذي
يكون فيه المؤمن، القابض على دينه كالقابض على الجمر، تجد نفسك بين يدي نعمة إلهيّة
عظمى تتمثّل بوليّ الله العارف، الكامل، الفقيه، المرجع سماحة آية الله العظمى
الشيخ محمد تقي البهجة قدس سره الذي أجمع الجميع على عظَمة روحه، وشموخ مقامه، وصفائه،
ونقائه، وزُهده، ومعرفته وكراماته الكثيرة والعظيمة...
فإذا كان للعاشق الواله، أو العطشان اللهفان، أو الطالب الحيْران، أن يلوذ في هذا
الزمن الصعب، فبه يلوذ، وإلى هذا الوليّ الناصح يلجأ، وبنوره يهتدي، وخلفه يسلك
مطمئنّ القلب واثقَ الخطى أنّه يمضي في الصراط المستقيم.
*ميّزات مدرسته
ولنهج سماحته مميّزات مهمّة جداً:
1- الأصالة الإسلامية، لا تجد فكراً دخيلاً ولا عبارة دخيلة في كلّ كتبه
وإرشاداته وتوجيهاته. كلّ ما عند سماحته هو من القرآن والسنّة، من رسول الله وأهل
بيت العصمة عليهم السلام.
2- الوضوح، من مميّزات مدرسته وتوجيهاته ونهجه، الوضوح، عدم التعقيد،
التيسير للخواصّ والعوامّ، الشباب، الكبار، الصغار يفهمون هذه الإرشادات ويستطيعون
أن يعملوا طبقها.
3- الاختصار، لا تسمع له محاضرات طويلة، ولا طروحات معقّدة، بكلمات بسيطة،
وقليلة، يختصر كمّاً هائلاً من تجارب الطريق.
مثلاً، عندما سئل عن برنامج السير والسلوك أجاب فقط بـ "ترك المعصية في الاعتقاد
والعمل". في كل الكتب ترون هذا النصّ، الذي يختصر المعاني ويشير إلى كل النتائج
الإيجابية للتقوى التي تتحدّث عنها الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة ومواعظ
العلماء... ، اختصرها سماحته في جملة واحدة. أو عندما يقول: "اعملوا بمعلوماتكم
الله يعلّمكم الباقي"، إذ يشير بذلك إلى أنّ أستاذكم في النهاية هو الله سبحانه
وتعالى. في منهج سماحته، تشعر أنّه يصلك بالله، ويوكلك إلى الله عزّ وجلّ، والباقي
على الله. المهمّ، أن تعمل أنت بصدق وإخلاص.
*لا ندرك عالَمه
ما نحتاجه هو أن نتعرّف، أوّلاً، إلى هذه الشخصية الربّانيّة الاستثنائيّة، وأن
نقوم بتعريفها للناس ثانياً، وذلك لحاجتنا وحاجة الناس إليها لا لحاجته هو إلينا.
وهو في مقامه الشامخ وعليائه في تلك العوالم التي لا ندركها حتّى بالأوهام.
نحتاج أن نعرفه ونعرّفه للناس لنقتدي به، ونستضيء بنور علمه، ونهتدي بهداه،
ونمشي في دربه عسى أن نصل إلى بعض ما وصل إليه.
(*) كلمة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في مؤتمر تكريم الفقيه العارف بالله
آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجة قدس سره 3/6/2015.