اسم الأم: لطيفة يونس
محل وتاريخ الولادة: طليا 9/8/1974
الوضع الاجتماعي: متأهّل وله 6 أولاد
رقم السجل: 24
تاريخ الاستشهاد: 25/5/2013
لم يكن والد محمد الحاج أبو علي، سوى فلّاح بسيط، غنيِّ
النفس، كريمٍ، ذي فطرة سليمة، وحِكمةٍ عميقة. وكلّما رزقه الله صبيّاً، شكر الله
أنه سيربّي رجلاً جديداً، يكون ذُخراً للدين إذا ما حَلّت البليّة وأُذِّن للجهاد،
فكان يُلقي القول على من حوله: "لِمَ الرجال؟ الرجال الذين لا يحمون الأرض والعرض
ما محلّهم من الإعراب؟! لَخيمةٌ أو ظلّ جدار أحيا تحته مستوراً أحبُّ إليَّ من حياة
مترفة تغيب عن مسرحها الكرامة".
*طفولة لم تعرف الخوف
في كنف هذا الأب تربّى محمد.. الأب الذي كان يعلّم أولاده الصلاة وأحكام الدين وهم
في الخامسة من عمرهم. يصحبهم، دوماً، إلى مرقد السيّدة خولة عليها السلام في بعلبك،
وقد زرع في نفوسهم الشجاعة والمبادرة وسقى فيها بذرة الإيمان، فأينع ما زرع وجنى
ثماراً طيّبة، فمحمد ابنه الرابع بين عشرة أولاد، تميّز بشجاعة فريدة، فقد كان
يتصدّى للدفاع عن إخوته ورفاقه بغضّ النظر عن المُخطئ، فالتوجيه والعتابُ يؤجّلهما
إلى ما بعد الإشكال.
أمّا في اللعب فهو سيّدُ المغامرات، الخوف لم يعرف لقلبه طريقاً، ففي أطراف القرية
كان ثمّة بئر تُعرف باسم "بئر الأفعى"، والجميعُ يهاب الاقتراب منها، غير أن محمداً
كان يربطُ نفسه بحبلٍ وينزل فيها ليجمع ما يجدهُ في قعرها اليابس من رصاصٍ فارغٍ
ليلعب به ورفاقه.
*على أعتاب السيّدة خولة عليها السلام
لكن تلك المشاغبة ضبطها التفكّر العميق الذي كان يرافقه أثناء رعيه للأغنام، بُعيد
عودته من المدرسة. فكان يسرحُ في الأحراش بصمتٍ فيسكنه الهدوء. أمّا سفره الروحي،
فكان من مقام السيدة خولة عليها السلام، إذ ينقطعُ عن الدنيا بمجرد أن تخطو رجله
هناك. وقد أوصى كلّ من يعرفه أن يتوسّل، لقضاء حاجاته، هناك بأهل البيت عليهم
السلام. ولشدّة يقينه بهذا الأمر، كان الناس يتأثّرون بحديثه، ويلوذون بأعتاب
السيّدة خولة متوسّلين بأجدادها، فينالون من الله الإجابة. وقد حرص محمد طوال عمره
على المحافظة على علاقته الخاصّة بالسيّدة خولة، وربّى أولاده على ذلك، فكان يصحبهم
كلّ نهار جمعة لزيارتها والبقاء في حضرتها المباركة.
*همّه الهداية
حمل محمد همّ هداية الناس على عاتقه، فكان يجمع الفتية والشباب في بيته لإعطائهم
دروساً دينية. وسعى إلى جمع التبرّعات لترميم مسجد القرية (طليا) ليصير بعد هجرٍ
قبلة للوافدين، فيعجُّ بالمصلّين، ويعلو من مئذنته صوت الدعاء والمناجاة.
صغيراً كان محمد عندما ترك المدرسة، فالفقرُ وقساوة العيش لم يتركا له الخيرة من
أمره، وصارت الشمسُ تشرق على جبهته وهو في الحقل مع والده يسقي الزرع ويحرث الأرض،
فغَرَس هذا العمل المضني في روحه الطيبة والبساطة والشفافيّة، فكان أبعد ما يكون في
حياته عن التكلّف والتملّق والتأفّف، فالرضى بما قسمه الله له من العيش كلّل أيامه.
*جهادٌ مبكر
في الرابعة عشر من عمره التحق محمد بصفوف التعبئة العامّة، ليبدأ مشواره الجهادي
مبكراً. وكم كان والده يأنس به وهو يرتدي البزَّة العسكرية الكبيرة والواسعة، وهو
يحاول جهده ضبطها على جسده الصغير. وبعد خضوعه لدورات عسكريّة وثقافيّة، ومع بلوغه
عمر الثامنة عشرة، بدأ محمد بالمشاركة الفعليّة في المهمّات الجهادية، وهو من أَلِف
المخاطر منذ نعومة أظافره، فرابط في محاور الجنوب والبقاع الغربي، وأخيراً استقرّ
قرب سكَنه بعد تعرضّه لإصابة في ظهره جرّاء ملاحقة الطيران الإسرائيلي له، فوقع عن
ارتفاع 4 أمتار وهو يحمل ثقلاً على ظهره، فتأذّى عموده الفقري، ما استلزم التقليل
من العمل الذي يحتاج إلى جهد كبير، ولكن هيهات لمن كان مثله أن يستسلم أو يركن
للراحة.
*ليكونوا جنود الله
كثيرة هي فرص العمل الواعدة التي عرضت على محمد وإخوته، ورفضوها وسط استغراب من
يعرف وضعهم المادي الصعب، ولكنهم آثروا الحياة القاسية ليكونوا من جنود الله. وكلما
اجتمع محمد وبعض رفاقه المجاهدين في المنزل، للتخطيط لعملية جهادية، كان والده ينظر
إليهم قائلاً في نفسه: "مَنْ منهم سيعود يا ترى؟". وكثير منهم غاب عن تلك الجلسات
وصار نجماً في السماء. ومحمد في كل يوم يطلب إلى أبيه أن يدعو له بالشهادة؛ الأمنية
التي خشي أن تفوته طوال سنوات الجهاد.
عندما كان محمد يعود من عمله، كان يستغلّ كل لحظة فراغ ليلعب مع أولاده، ويرجع إلى
طفولته وشقاوتها. وكان يأخذهم إلى بيت جدّهم حيث يلعبون في الفسحة هناك، للتقليل من
الفوضى التي يسبّبونها في لعبهم. كما حرص محمد في تربية أولاده على تديّنهم
والتزامهم، واهتمّ في أن يكونوا واعين تماماً لطريق ذات الشوكة التي يسير فيها.
*غياب القمر من سماء العائلة
ولكن ليس سهلاً على قلوب تلك العائلة المتماسكة أن يغيب قمر من سمائها. ومع التحاق
محمد بجبهات القتال ضد التكفيرين، تهيّأت النفوس للفراق الطويل، وكلما عاد من
الجبهة فكأنّ الحياة كانت تشرق عليهم من جديد، ولكن هيهات؛ لو تُرك القطا لغفا
ونام، فالفئة الباغية المتربّصة لم تأل جهداً لمحو الإسلام المحمّدي الأصيل.
مع ثلّة من الذين باعوا لله جماجمهم، انطلق محمد إلى معركةٍ قاسية. ونقل صديقه أنه
في يوم استشهاد محمد، كان يظهر عليه التعب والكدر، وكأنّ هموم الدنيا ألقت بثقلها
على كاهله، فجرّب أن يخفّف صديقه عنه، وكلّما حدّثه بشيء، كان السكوت من محمد
جوابه، وسرعان ما حان النزال، في مواجهة أصيب فيها الصديق واستشهد خلالها محمد.
"لقد فدينا السيّدة زينب عليها السلام بمحمد"، بهذه الكلمات نعى الحاج أبو علي ابنه
وفلذة كبده. وقد وفى هذا الرجل المؤمن ما عاهد الله عليه، في أن تكون ذريّته ذخراً
للإسلام والمسلمين.
بعد ستة أشهر على استشهاده، رُزق محمّد بطفل حمل اسمه؛ طفل كانت شهادة والده إرثه
قبل أن يبصر النور.
*من وصيّة الشهيد إلى أمّه
إلى أمّي الحنونة: "إنني أعرف أنكِ ستحزنين وسيكون فراقي صعباً عليكِ، ولكن
تذكّري مصائب زينب عليها السلام التي عندما وقفت عند جسد الحسين عليه السلام قالت:
"اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان". وتذكّري أطفال أبي عبد الله فيهون عليكِ
الفراق... أسأل الله أن يوفّقكِ وأن يمُنّ عليكِ بالصبر وأرجو منكِ أن تُسامحيني
حبيبتي أمي وأطلب منكِ الرحمة والدعاء".