إعداد : موسى صفوان
"بعض المصطلحات اتخذت لها مفهوماً محدداً من خلال تعاطي المفكرين معها، ومواقفهم منها... رغم أن لها جوانب مفهومية أخرى، لم تسمح الظروف بإبرازها، وبقيت من اختصاص النخبة المثقَّفة وحدها.. ومن تلك المصطلحات": فيما يلي باقة من المصطلحات، التي انتجتها الثقافة الغربية، البراغماتية، المعاصرة، لتترعرع في محيطها المرتكزات الحضارية، لما أطلق عليه الليبرالية والتي ترسم الخطوط البيانية للنظام العالمي الجديد، بغرض تعميم الإنموذج الثقافي الغربي، كمقدمة لبسط السيادة الاقتصادية والسياسية.
فقد تركت حركة التنافس على الأسواق، والموارد الطبيعية، وراءها، أنماطاً من المفاهيم والمصطلحات التي تهدف إلى التخفيف من حدة الصراعات الأيديولوجية، والقومية لحساب مصالحها الاقتصادية والتسويقية، بحيث تمنع ليس فقط الحواجز الجمركية والإدارية والتقنينية من تسلل نفوذها، بل وأيضاً وبصورة أكثر نباهة المعيقات الديموغرافية والبسيكولوجية والدينية. وهكذا برزت في العقود الأخيرة من القرن العشرين صيحات ذات بعد إنساني تسامحي، تتجاوز كل تلك المعيقات، وتصرف النظر عن الاختلافات الاعتبارية مهما كان نوعها، وتحصر طبيعة التنافس في المجال الذي يعتبر نفسه فيه أنه الأقوى والأقدر على الهيمنة، وهو مجال الاقتصاد، والتسويق الالكترونيين ومن تلك المصطلحات، التطويعية، والتعددية، والاستيعابية، أو الشمولية، على أن بعض تلك المصطلحات مثل "الاستيعابية" كما سنرى من خلال هذه الحلقة، يهدف بالدرجة الأولى إلى كسر الحواجز النفسية بين المسيحية واليهودية في محاولة لخلق بعد مسيحي داعم للمشاريع اليهودية الاستيطانية، والذي توَّجته زيارة البابا إلى فلسطين المحتلة بعد أن برَّأ اليهود بصورة من الصور من دم السيد المسيح.
* التطويعية Taming - recuperaton
تعبير، يرجع أصله إلى مفهوم الترويض أو "الأقلمة" adaptation ، بحيث يستطيع كل غريب أن ينضم إلى مجتمع ما، ويستطيع أن يماثل أعضاء هذا المجتمع بحيث ينفي صفة الغرابة عنه، ويستخدم هذا المفهوم لتحويل الفرد أو المجتمع إلى دائرة اجتماعية أخرى من خلال أنماط اجتماعية تختلف أصلاً عن النمط الأصلي، وتعمل لحساب مفاهيم أجنبية، وهذا ما تقوم به من خلال خطط منظمة وذكية التيارات الثقافية والإعلانية للدول المهيمنة.
* التعايش Coexistence
أو التعايش السلمي peaceful coexistence، وتعني نبذ الحرب كوسيلة لتسوية الخلافات الدولية، تحت عنوان لغة العيش معاً، وقد أطلقت في هذا المجال شعارات رنَّانة مثل "عش دع غيرك يعيش" والواقع أن هذا الشعار دفع الكثير من الشعوب باتجاه الحيادية تجاه القضايا الوطنية والقومية، والإقليمية مما أتاح الفرصة للقوى المهيمنة، ومكَّنها من الاستيلاء على مقدرات الشعوب، تحت أسماء وأساليب مختلفة، والسبب في ذلك أن القيِّمين على نشر مبدأ التعايش لم يعملوا من خلال منطلقات التكافؤ بين الدول، ولكن من خلال مخططات الهيمنة المبيّتة، ولم يسمحوا باعتماد مبادئ الحق والمشروعية الدولية، بقدر اعتماد الأساليب الدبلوماسية التي تغمط الحقائق، وتصرف النظر عنها إلى عناوين إنسانية جانبية، فمثلاً تقابل الاعتداءات الصهيونية ذات الطبيعة الشوفينية Chauvinisme، المتعصبة والمتطرفة والعنصرية بدعوات لضبط النفس، والحوار والتفاهم، بينما تواجه ردات الفعل المقاومة للظلم والاعتداء، بالمحاصرة، والمقاطعة الاقتصادية والاتهام بالإرهاب.
* الشمولية (الاستيعابية) Inclusivism
وتقف مقابل الشخصانية أو الإنعزالية والحصرية Exclusivism، وهي دعوة حديثة نهض بها مجموعة من رجال اللاهوت المسيحي، والمفكرين، مفادها أن الرحمة الإلهية والخلاص المسيحي بالفداء المستمد من العقيدة الإقنومية، يمكن أن يشمل الفئات الأخرى سواء كانت داخل الكنيسة، فيما يتعلق بالخلافات المسيحية الداخلية، أو الشعوب والأديان الأخرى بما في ذلك أتباع العهد القديم اليهود والذين لم يؤمنوا بتجسد السيد المسيح وفدائه وخلاصه للعالم، يعتقد هؤلاء أن الروح القدس فعَّال في مختلف الشعوب، وان السيد المسيح يعمل دائماً من خلال ذلك الروح على جذب العالم إليه، وهكذا أنشئت في ظل مفاهيم "الاستيعابية" جمعيات ومؤسسات عدَّة لتروج لليهود وتكسر الحاجز النفسي بين اليهود والمسيحيين.