أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

ثقافة وفكر: في الحوار الإسلامي- المسيحي


بقلم: النائب محمد رعد


1-في ضرورته وشروطها:
الضرورة الدينية:
معتنقو الأديان التي تحمل دعوة أو تبشيراً مدعوّون بداهة إلى التحاور مع الآخر، إمّا لتوكيد العقيدة الخاصّة وإمّا لإظهار ثغرات العقيدة الأخرى.
وعلى هذا النوع من الحوار ينطبق وصف الجدل الكلامي، أو التبريري، يُعنى هذا الحوار تارة بتحصين سور إيمان الجماعة، وباختراق أسوار الجماعات الأخرى طوراً.
ولأنّه كذلك يهتم هذا الحوار بالحدود، بالثغور، بالأسوارن بالحصون. يقيم قلاعاً، يُعلي جدراناً.
لكنّه في فعله هذا يرتكب أخطاءاً قاتلة:

*بحق ذاته: فإذ ينصرف إلى التماس مع الخارج، وينكبّ على مواجهته، يخلي ساحة الداخل لأمراضه وآفاتها، تتفاقم الشرور الذاتية لتستولي على الحقيقة الدينية وتحلّ محلها فيصير السائد لا المتقدّم معرفة في تلك الحقيقة، وإنّما الأصلب عوداً في قبال الآخر. وصلابة العود إنّما تتأتّى من اتقان شروط اللعبة الدنيوية، وأتقنهم (أكثرهم اتقاناً) ليس أتقاهم. إنّما أعلمهم بالدنيا وسوانحها. يصير البطريرك هنا السياسي الذي لم يلج عتبة كنيسة، ويصير الإمام من سبح مرة في بركة الخر وصلّى الصبح أربعاً وزاد.
تسقط الحقيقة الدينية أمام شيطان التجربة. الفتنة، فلا تعود المملكة إلاّ من هذا العالم وفي يحكم بيلاطُس البنطي أو الحاخام الذي لا يعتقد ببعثٍ وقيامة، أو ابن مروان وما شابه.

*بحق الحقيقة الدينية نفسها: عندما ينشغل اللاهوتي أو الفقيه بالحدّ والتبرير وفقط، يذهل عن جوهر الحقيقة الدينية، وباطنها عن اللب. القشرة تحمي اللب لكنّها ليست ما يرجى غداءً وقوتاً. عند الأكل ترمى القشرة أو تكون علفاً للدواب. وإن لا تؤكل، إن تُترك سدىً، يتعفّن اللبّ، وتذوي القشرة، حتّى تيبس وتتآكل.

*بحق الآخر: الآخر هو أخ ضال، ابن ضال. وفرحة الأب بابنه الضال تفوق فرحته بالمقيم في منزله.
الآخر هو موضوع استعادة لا هدف إبادة.
لكن كيف بك تستعيده من ضلاله، إن علا سورك فما عاد يرتقيه، ولم تترك له إلاّ جحور الفئران للنفاذ إلى الهيكل.
الدعوة التبشرية ليست عملية حسابية، إنقاص وزن من ذا وزيادة وزن لذاك. هي في البدء والخاتمة فعلُ حبّ للآخر، ولا يستوي الحبّ والقهر.

*بحق الإنسان: أي نفع لنور عندما تطبق عليه الدروع. النور هو الإشعاع، النور يطلب الظلمة فيجلوها، وما مرة أغلق بابه أمام السائلين أو وضع لامة الحرب.

*نعم، متى أُطبقَ عليه، حتّى بدعوى صونه من هبوب الريح، لا يعود نوراً، تأكله الظلمة وتعمّ.
إذاً، حوار الحصون والقلاع والثغور، حوار الدكّ والهدم ليس ما يلائم الحقيقة الدينية، ولذا فإنّ الضرورة الدينية تتطلّب حواراً من صنف آخر، هو حوار الأنوار. أو فعل النحل في جنى العسل. عمل جماعة تنهل من كلّ زهرة رحيقها لتصنع منه شراباً مختلفاً ألوانه فيه شفاء للناس.
وعلى مدى القرون، ما شربنا إلاّ الزعاف والعلقم. قلّ النحلُ وغاب أميرها، وعاثت الدبابير في الزهر والجيف، ما نلنا إلاّ وخزاً من غير شهد.
كيف يستقيم حوار إذا رحت لا ترى إلاّ بعين سقيمة، فلا تجد في ما حصل وتمّ إلاّ كلذ كارثة ما افتعلتها في حينها إلاّ يدٌ نظرت بمثل عينك.
كيف يستقيم حوار إذا صَمَمَ السمعَ عن ترانيم الذكر ودبيب أقدام الساعين إلى الهدى. وما شنّف آذانك إلاّ قرع طبول وقرقعة سيوف.
كيف يستقيم حوار إذا همّك إبداءُ براعة في إظهار مثال الآخر، وكم فيك وفيك من مثالب لا تغيب عن الآخر إن هو سعى فيها عداً وإحصاءً.
كيف بك محاور، وأنت تلقي السبّة: فهذا أصولي تستغيث لاستئصاله، وأنت لا ترى ما حسن وجمل في تاريخ طويل رأى فيه الكثيرون، وصنعوا مواطن لقاء.
من هنا إذ تستلزم الضرورة الدينية حواراً من صنف آخر، فإنّها أيضاً تستلزم عيوناً وأسماعاً وألسنة أشع عليها نور المعرفة والحقيقة، فما تلبّستْ بظلمةولا ضغينة.
وكم كان، وكم الآن من هؤلاء، يحفل التاريخ بأسماء وأسماء يجمع بينها قدم صدق. وأمّا النخّاسون والباعة، سدنة الهياكل، فبسوطس من حبلٍ مجدولٍ يُطردون وبضاعَتهم خارج هيكل الرب.
عندنا، نحن من أراد العودة إلى جوهر الحقيقة الدينية هو موضوع للحب، للقاء، للمشاركة.

تقولون للإستعادة:
نعم، إذا زعمنا امتلاكنا الحقيقة كلها، ومن حقّ له ذلك، جاز له أن يفعل، لكن بتواضع العارفين عرفنا ونتعلّم، نشارك في ما يُوسّع فضاء النفس حتّى تتلقّى من المعين الإلهي الذي لا يُحدّ، طفح نور، بل نضح نور، بل رشح نور.
الضرورة السياسية، الاجتماعية:
يحتاج لبنان بالنظر إلى تركيبته إلى أن يكون في حوار دائم. غير أنّ هذا الحوار ظلّ خاضعاً لعقلية التقاسم على قاعدة التوازن.
فلا التقاسم كان مرةً عادلاً أو كافياً، ولا كان التوازن متحقّقاً، وإنّما ظلت الريبة والتوجس تهيمنان بما لم يسمح بإقامة وطن مستقر يعيش فيه أهلوه باطمئنان.
وقلة قليلة من انتهازيين انتفعت من واقع التربّص هذا، وما أصاب الكثرة الكاثرة إلاّ الحيف، والغبن بلغ قعر الهاوية بحروب دموية كان الفقراء فيها الضحايا.
وما سمعنا حتّى اليوم أصواتاً قوية تدعو إلى نحو آخر من الحوار الوطني يتجاوز ذهنية التقاسم الفوقي والتوازن المستحيل.

أما آن لهذا الحوار الوطني أن يتجه إلى ما:
*يؤمن الحفاظ على العائلات الروحية ونموها وازدهارها وتحقيق تطلعاتها من جهة.
*ويؤمن قيامة مجتمع وطني موحّد حول ثوابت غير قابلة للاهتزاز أو التداعي بفعل خلل في توازن داخلي أو تغيّر في معطيات إقليمية.
أما آن أن تستبدل التسوية المؤقتة المستمرة والتي هي التسمية الرمزية، أو المعادِل الدقيق للحرب الأهلية المستمرة والمؤقتة.
بتفاهم وطني دائم ومستمر، ينقُلُ المواطن اللبناني المنتمي إلى مذاهب وعقائد وأفكار وأحزاب متنوعة ومختلفة، من حال القلق والخوف إلى حال الاطمئنان، فيتركز الجهد لا على بناء بيت في خارج لبنان، أو الحصول على جنسية غير لبنانية، أكثر مما يتركز على البناء في هذا البلد وتنميته.
ولو أنّ دراسة نفسية اجتماعية أجريت على اللبنانيين طولاً وعرضاً أفقياً وعمودياً وعلى مدى أجيال مختلفة لأكّدت أنّ الشخصية اللبنانية على اختلاف انتمائها يجمعها القلق، الذي إمّا أن ينقلب إلى عدوانية غير منضبطة أو إلى إحباط ويأس.
إنّنا ندعو بجدية تامّة المثقفين والباحثين والسياسيين إلى التفكير في مناحي جديدة يقوم عليها التفاهم الوطني، وفق ركائز ثابتة قادرة على التكيّف مع المتغيرات الداخلية والخارجية وتمنح استقراراً يتيح للبنان أن يكون له دوره الرائد الذي ينسجم مع قدرات أبنائه وتطلعاتهم.

2-في بعض مسائل الحوار وموضوعاته:
لقد كان في ما سبق إشارات أوحت بما ينبغي أن يشكّل موضوعات للحوار الإسلامي – المسيحي في لبنان.
ونعيد ههنا التشديد عليها وتوضيحها إذا لزم:
أ-إطلاق الحوار الديني بقوة وفاعلية. نقول إطلاق لأنّنا لم نلحظ أنّ هيئة للحوار تعنى بهذا الشأن ما ينبغي له من عناية.
ب-على أن لا يكون الحوار الديني محكوماً بالضرورة، وإن قد يكون من الصعب تفادي ذلك بالمطلق، لذهنية الجدل الكلامي والتبريري.
أن يُحرَصَ مثلاً على اكتشاف مواطن اللقاء وهي كثيرة في تاريخ الفكر الديني لكليهما.
ويبدو أنّ الهيئات الأهلية قد تكون الأقدر على السير في هذا الاتجاه والتقدّم فيه من المؤسّسات الدينية الرسمية، لأسباب كثيرة لسنا في صدد عرضها الآن.
وفي هذا المجال يمكن الاستفادة من جهود كثير من المفكّرين الأوروبيين والعرب الذين لهم نتاجات متقدّمة حول الموضوع.
ج-لإيلاء الموضوعات التي تكونّ جوهر الحقيقة الدينية الاهتمام والعناية بما يفوق التركيز على مسائل المظهر والشكل. فلا الزواج المدني (ولا العسكري) ما يوحّد المجتمع اللبناني.
إنّ في الحقيقة الدينية من معانٍ جعلت الكثير منّا يدرك تجربة الآخر وسعيه. سيقال أنّ ذلك مقصور على ذوي العلم. فقول هل نرضى بأن نترك الناس في جهلٍ ونشرع لهم على جهلهم، بدلاً من أن نأخذ بيدهم إلى الأعلى، إذا كنّا فيه، أو حيث نحن؟
د-إطلاق الحوار الوطني على ركائز جديدة، وبعبارة أوضح السعي إلى إيجاد صيغة الدولة التي ينتمي مواطنوها إلى طوائف وأفكار متعدّدة، لكنّها ذات مؤسّسات موحّدة في البناء والتكوين والاستمرار.

3-حول جوانب حوارات قائمة:
1-بكلّ الحرص على التقدّم، وبكل الود، نقول أنّنا نسجل تقدماً غير عادي للحوار اليهودي – المسيحي، على الحوار الإسلامي – المسيحي. بل إنّ الحوار ذاك تجاوز المسألة اليهودية بما حصرها في ما يسمّى دولة "إسرائيل". حتّى رأينا احتفال 35 رئيس دولة غربية بإقامة "إسرائيل" وعيد "الأنوار" اليهودي.
وإذا كان لذلك أسبابه المعروفة، فإنّ ذلك لا يعفي المسلمين والمسيحيين الشرقيين من بذل الجهد في الاتجاه المعاكس.
وفي هذا الإطار، توغل وسائل إعلام معروف من يمتلكها ويؤثّر على سياساتها في اصطناع ما تسميه خطر الأصولية على المسيحيين في الشرق، متغافلة عن عمد تناقص أعداد المسحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلّة إلى أقل من خمس ما كانوا عليه قبل قيام الكيان الصهيوني.
ويزيد في تضخيم هذا الموضوع انخراط أنظمة حاكمة وزعامات في هذه الحملة لتقدّم نفسها على أنّها الخيار الوحيد، الممكن والمتاح بل الأفضل، من غير أن تدرك، أو هي تدرك لا فرق، أنّ المستفيد الوحيد من ذلك هو "إسرائيل" والهيمنة الأميركية على المنطقة.
لأنّه المطلوب فعلاً لحماية مصالح أي شعب وأي دولة هو وحدتهما الوطنية.
إنّنا من موقعنا الإسلامي الملتزم، نعرف أنّ قضيتنا الأولى كانت وستبقى حصانة الوحدة الوطنية في لبنان، بل والوحدة الوطنية في كلّ بلد صديق وشقيق، لأن ضعف الوحدة ينعكس ضعفاً على الكلّ معاً.
إنّنا أكّدنا دائماً ونؤكّد الآن، لا الرغبة والاستعداد والاستمرار في الحوار فحسب، بل أن ينتج هذا الحوار الوحدة الوطنية الراسخة.
وإنّ المقاومة الذي نضطلع بشأن أساسي فيها كانت على الدوام، مشروع وحدة وطنية ومشروع قوة وطنية للبنانيين جميعاً، بل وبكلّ وضوح، للحقّ العربي الذي باستعادته يقوى لبنان ويزدهر. لا يقوى لبنان إذا ضعف العرب، والعكس صحيح.
ومن هذا المنبر نكرّر الدعوة إلى المسيحيين اللبنانيين بخاصّة والشرقيين بعامة، إلى أن نكون يداً واحدة في درب واحد.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات: