مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شخصية العدد: المرقال فاتح جلولاء وشهيـد صفّيـن

الشيخ تامر محمّد حمزة

"المرقال"، صفة خاصّة أُطلقت على هاشم بن عتبة بن مالك (أبي وقّاص) بن أهيب بن عبد مناف.
أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح. وهو من الشجعان الفضلاء الأخيار، فاتح جلولاء وحامل راية أمير المؤمنين عليه السلام في صفّين حيث استشهد فيها سنة سبع وثلاثين هجريّة(1).
سُمِّيَ "المرقال" لأنّ عليّاً عليه السلام أعطاه الراية في صفّين، فكان يُرقل بها أي يُسرع بها مع كونه أعورَ وكان شجاعاً بطلاً(2).
أبوه عتبة بن أبي وقّاص الزهريّ، من عتاة قريش، بقي على شركه وعداوته للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات.


* أوّل سيرته وبداية مسيرته
لم يذكر المؤرّخون وأصحاب التراجم سنة ولادة هاشم بن عتبة. ولذا، فإنّ الحديث عن بداية سيرته يعتمد على التحليل. ومن ذلك ما ذكره السيّد الأمين قدس سره في كتابه الشهير (أعيان الشيعة) حيث قال: ويبدو أن هاشماً كان صغيراً في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو كان على عتبات البلوغ، مـما جعل اسمه لا يُذكر في الغزوات مع الرسول. نعم، ذُكر أنه أسلم عام الفتح(3).

وممّا يُستفاد من كلامه، أيضاً، أن بروزه كقائد عسكريّ كان في معركة اليرموك التي تُعدّ من أكبر الفتوح في حروب الشام(4)، إذ تولّى فيها فرقة من الفرسان، وكـان وسامه في هذه المعركة أن فقئت عينه فصار أعورَ.

*هاشم: القائد العسكريّ
عقيب معركة اليرموك استمرّ هاشم بن عتبة قائداً عسكرياً، إلى أن تولّى قيادة العسكر في معركة القادسيّة التي كان يقودها عمه سعد بن أبي وقّاص.
ولقد أدرك بجيشه جيوش المسلمين، فكان مدداً عظيماً له شأنه في تقوية نفوس المجاهدين، حتى لقد قال من ترجم له: "أبلى في القادسية بلاءً حسناً، وقام منه في ذلك ما لم يقم من أحد وكان سبب الفتح على المسلمين"(5). وما إن فرغ من حرب الروم حتّى توجّه لحرب الفرس. وكان من القادة الذين ساهموا في إسقاط ملكِ كسرى. وممّا ذكر في هذا المجال أنّه بعد أن قام سعد بن أبي وقّاص بالمدائن، جاءته الأخبار بأن فُلول الفرس قد توقّفت عند جلولاء وأنهم اجتمع إليهم خلق كثير، وجمعٌ غفير.

وقد عُيّن هاشم بن عتبة أميراً على الجيش الذي بُعث لمحاربة جيش كسرى في جلولاء. وكان عداده اثني عشر ألفاً، وعيّن لهم جماعة من فرسان المسلمين يكونون معه، وقد توجّه الجيش بقيادته إلى جلولاء لملاقاة الفرس الذين عمدوا إلى حفر الخنادق حولها، وبذروا في الأرض عند الخندق من جهتهم قطعاً من حديد لها أسنان كالمسامير لتصيب خيْل المسلمين إذا هم استطاعوا أن يجتازوه بمعابر في ساعة غفلة.

وقد اعتمد هاشم أوّلاً محاصرة جلولاء خارج الخندق. وأمّا جيش الفرس فكانوا يخرجون من البلد للقتال عبر منافذ خاصة. وجرت معارك طاحنة بين الجيشين. ولقد شهدت جلولاء معارك لم يسبق لها مثيل في الهجوم والاستبسال. وبعد قرابة ثمانين معركة، وفي أيام مختلفة، انتصر المسلمون واقتحموا الخندق من الطريق الذي كان يخرج منه جيش الفرس وألقي الرعب في قلوب المشركين، فاندفعوا متفرّقين يحاولون الهرب، فكانت خنادقهم سبباً في هلاك الكثير منهم، إذ تساقطوا فيها أكداساً، وأما ما بذروه في الأرض ممّا يشبه المسامير فكان سبباً في إصابة الكثير من خيولهم وهي هاربة بعد الهزيمة فكانت تكبو بفرسانها فتصرعهم. وهكذا، فتح الله جلولاء على يد قائدها هاشم بن عتبة، وسُمّيت وقعة جلولاء فتح الفتوح بعد مقتل ما يزيد عن المائة ألف من الفرس.

ونظم في ذلك هاشم بن عتبة فقال:

يوم جلولاء ويوم رستم ويوم زحف الكوفة المقدم(6)
ويوم عرض النهر المحرم من بين أيام خلون صرم
شيّبن أصداغي فهن هرّم مثل ثغام البلد المحرم


* رسولُ عليّ إلى أهل الكوفة
هاشم بن عتبة ناصح، مؤتمن، وقويّ أمين. وهذا ما نجده حينما اعتمد عليه أمير المؤمنين عليه السلام كرسول إلى أهل الكوفة وأميرها أبي موسى الأشعريّ وهو في طريقه إلى حرب الجمل في البصرة، فقد روي أنّ عليّاً لما نزل الربذة بعث هاشم بن عتبة ومعه رسالة إلى أبي موسى الأشعريّ وهو الأمير على الكوفة جاء فيها:
"أمّا بعد فإني بعثت إليك هاشم بن عتبة لتشخص إليّ من قبلك من المسلمين ليتوجّهوا إلى قوم نكثوا بيعتي وقتلوا شيعتي وأحدثوا في الإسلام هذا الحدث العظيم فاشخص بالناس إليّ معه حين يقدم عليك".
وبعد تمنّعه وعدم تجاوبه مع هاشم، بل تهديده بالسجن والقتل، عاد إلى عليّ فأجلسه إلى جانبه وسأله عن الناس، وعن أبي موسى فقال:
يا أمير المؤمنين ما أثق به ولا آمنه على خلافك إن وجد من يساعده على ذلك، فقال عليٌّ عليه السلام: "والله ما كان عندي بمؤتمن ولا ناصح"(7).

*كاد أن يكون والياً على مصر
من يفكّر فيه أمير المؤمنين ليكون والياً على واحدة من الأمصار إنّما يكشف لنا عن راجحية عقله وفرادة شخصيته، فهاشم بن عتبة كان وارداً في بال عليّ عليه السلام أن يكون والياً على مصر بدلاً من محمّد بن أبي بكر وقد دَلّت عليه مجموعة نصوص تاريخيّة منها:

من كلام لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن قلّد محمّد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل، قال: "وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة ولو ولّيته إياها لما خلّى لهم العرصة ولا أنهزهم الفرصة، بلا ذمّ لمحمّد بن أبي بكر فلقد كان إليّ حبيباً وكان لي ربيباً"(8).

ومنها لما ورد عبد الله بن عباس على عليّ عليه السلام من البصرة لتعزيته بمحمد بن أبي بكر، فبعد أن ترحّم عليه وبيَّن له رغبَته أن يكون البديل عنه المرقال فقال: "والله لو أنّه وليُّها لما خلّى لعمرو بن العاص وأعوانه العرصة ولما قتل إلّا وسيفه في يده بلا ذمّ لمحمد بن أبي بكر فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه"(9).

*المرقال صاحب بصيرة
لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى صفّين دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار فخطبهم واستشارهم، فقام هاشم بن عتبة مخاطباً أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة وأنفسنا بنورك جذلة على من خالفك وتولّى الأمر دونك والله ما أحبّ أنّ لي ما في الأرض ممّا أقلّت وما تحت السماء ممّا أظلّت وإنّي واليت عدوّاً لك، فقال عليّ عليه السلام: "اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيّك صلى الله عليه وآله وسلم"(10).

*المرقال في صفّين
دعا عليّ عليه السلام هاشم بن عتبة ومعه لواؤه فقال له: يا هاشم حتّى متى تأكل الخبز وتشرب الماء؟ فقال هاشم: لأجهدنَّ أن لا أرجع إليك أبداً. فلما أقبل قال معاوية: من هذا المقبل؟ فقيل: هاشم المرقال، فقال: أعور بني زهرة قاتله الله ثم برز إليه صاحب لواء ذي الكلاع وهو رجل من عذرة فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم فقتله. ولمّا تعاظمت على معاوية الأمور جمع خواصّ أصحابه فقال لهم: إنه قد غمَّني رجال من أصحاب عليّ عليه السلام وعدّ خمسة منهم المرقال، وعبّأ لكلّ واحد رجلاً من أصحابه فكان عمرو بن العاص بإزاء المرقال.

قال معاوية لعمرو بن العاص: "هذا المرقال والله لئن زحف بالراية زحفاً إنّه ليوم أهل الشام الأطول ولكنّي أرى ابن السوداء إلى جانبه، يعني عمّاراً، وفيه عجلة في الحرب وأرجو أن تقدمه إلى الهلكة، وجعل عمار يقول: يا عتبة تقدّم! فيقول: يا أبا اليقظان! أنا أعلم بالحرب منك دعني أزحف بالراية زحفاً"(11).

*المرقال: شهيد في صفّين
وخرج حمزة بن مالك الهمداني من عسكر معاوية قائلاً لهاشم المرقال: يا أعور وما فينا عور... فتصاولا وتطاعنا فطعنه هاشم وقتله، فهجم أصحابه على المرقال فقتلوه(12) مع عمار بن ياسر.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يغسل عمار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال يوم صفين دفنهما في ثيابهما وصلّى عليهما"(13).


1- الخلان، الطوسي، ج1، ص715.
2- الأمالي، المفيد، ص106.
3- أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، ج10، ص250.
4- م.ن.
5- م.ن.
6- م.ن.
7- بحار الأنوار، المجلسي، ج32، ص85.
8- نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام (68).
9- بحار الأنوار، م.س، ج33، ص566.
10- أعيان الشيعة، م.س، ج10، ص251.
11- خلاصة عبقات الأنوار، السيّد حامد النقوي، ج3، ص39.
12- الأعلام من الصحابة والتابعين، الشاكري، ج5، ص66.
13- الدعوات، قطب الدين الراوندي، ص256.

أضيف في: | عدد المشاهدات: