مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

دعاء الافتتاح: الخصائص العامّة

د. يوسف مَدَن

نحاول في هذا المبحث الالتزام بتقديم أفكار جديدة، تحديد مجموعة من المبادئ السيكولوجيّة التنظيميّة، والموجِّهة لسلوكنا وأفعالنا البشريّة والحديث عنها، معتمدين على جُمل ومقاطع لغويّة من نصّ "دعاء الافتتاح" ومفرداته وفقراته ومحتواه المعرفيّ والقِيميّ والسيكولوجيّ. وغرضنا من ذلك الاطلاع على منظومة هذه المبادئ كجزء حيويّ وهامّ لكَشف المزيد من الثروة المعرفيّة والسيكولوجيّة في أدعية أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

*تربية المنتظرين
لقد حَظي هذا الدعاء الكريم المنسوب للإمام المهديّ محمد بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف بعناية واهتمام كثير من المصادر الشيعيّة الإماميّة، قديماً وحديثاً، على مدار قرون، وذلك لا ليُقرأ هذا الدعاء كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك لتحصيل البركة، وفي أوقات مختلفة لمناجاة الله سبحانه فحسب، بل للتأمّل في مادّته المعرفيّة والروحيّة وفَهمها وتحليلها، والاستفادة منها في التوجيه والإرشاد، واستثمارها كذلك في عملية "تربية المنتظرين" وتكوينهم الإيمانيّ والعقائديّ والمعرفيّ والسيكولوجيّ خلال فترة غيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، والإعداد الذاتيّ لظهوره.

*الدعاء شفاء وتوجيه
والدعاء أسلوب روحيّ قديم عرفته الأديان السماويّة وامتازت به عن شرائع الأرض. لكنّ بعض الاتّجاهات العلاجيّة في علم النفس أخذ يميل إليه في المعالجة النفسيّة كما في دراسة ألكسيس كارليل عن الدعاء، وحلّ مشكلات الأفراد النفسيّة، والاستعانة به في رسم طريقة الشفاء.

وقد استعمل الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الدعاء للتوجيه الاجتماعيّ والنفسيّ، وطريقاً لعلاج النفس من آفاتها وعيوبها وذنوبها، تمهيداً لتزويدها بالسمات الأخلاقية السويَّة، وإمداد الفرد بالمفاهيم العقائديّة والاجتماعيّة السليمة التي تعينه على مواجهة حركة الحياة وِفق قواعد صحيحة.

لقد أراد الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يجعل من الدعاء وسيلة المؤمن في التحليل النفسيّ والاجتماعيّ، واتّخذه أسلوباً فعّالاً في إنجاز التربية العباديّة للمجتمع في فترة غيبته، لأنّ الدعاء يتضمّن مفاهيم عقائديّة، ويشحذ النفس بالهمَّة والإرادة الحاسمة. ولمَّا كان من الصعب إيصال أفكاره وتعاليمه وقيمه ومفاهيمه الأخلاقيّة لكافّة قواعده الشعبيّة بسبب غيبته، وتعامله غير المباشر معهم، اتّخذ الإمام الدعاء إحدى وسائله لرسم سياسة التوجيه للأمَّة، وأداة للمعــرفة(1).

*دعاء الافتتاح في مصادر قديمة ومعاصرة
ولكنَّ غرضنا ليس تتبّع مصادر دعاء الافتتاح، ولهذا نشير إليه بغرض تحديد بعضها على وجه الإجمال في مصادر قديمة، فقد نشر دعاء الافتتاح في مصادر قديمة مشهورة مثل كتاب (إقبال الأعمال) للعلّامة الكبير رضيّ الدين أبي القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد المعروف بـ"ابن طاووس". وقد اعتمدنا هذا الكتاب كمصدر رئيسيّ لتوثيق دراستنا، لأنّه أقدم ما توافر لنا من مصادر هذا الدعاء. وكذلك من المصادر القديمة كتاب (البلد الأمين)، وكتاب (المصباح) للكفعميّ، وتجده في كتاب (مفاتيح الجنان) للشيخ عبّاس القمّيّ رضوان الله عليهم، وغيرهم.

*المفهوم العلمي للسلوك
السلوك في محدّدات علماء النفس وتعريفاتهم المتداولة هو "كلّ ما يصدر عن الكائن الحيّ - وخاصّة الإنسان والحيوانات العجمــاوات - من نشاط وفعل أو كلام أو حركة أو مشاعر وجدانية بمختلف أشكالها". وهو عندهم سلوك خارجيّ ظاهريّ يمكن قياسه بالملاحظة المنظّمة، وأجهزة ضابطة للداخل، والحركات وغيرها.

*تحديد معنى "المبادئ" ومفهومها العامّ
والمبدأ هو مصدر لغويّ آخر يطابق معناه الاصطلاحيّ، فهو: معتقد، وقاعدة أخلاقيّة، ومعيار علمي تُبنى عليه قيم الأعمال، ومبدأ الشيء: قواعده الأساسية التي يقوم عليها.

والمبادئ كما يذهب بعض المهتمّين بعلم النفس والتربويين المعاصرين هي "مجموعة قواعد ونظم وقوانين تفسّر السلوك، كالنموّ الإنسانيّ على سبيل المثال، أو تفسير العلاقة القائمة بين ظاهرتين أو نمطين أو أكثر من ظواهر السلوك وأنماطه عند الكائن الآدميّ وتضبط حركته في اتّجاه معيَّن" كالعلاقة بين النضج الطبيعيّ وتعلّم الفرد.
وتعمل هذه المبادئ السيكولوجية على ضبط العلاقة السلوكية للإنسان سواءً كانت تعبيراً عن حالة سلب أو حالة إيجابية.

*الأهداف التربوية العبادية للدعاء
تتعدّد أهداف المبادئ السلوكية - السيكولوجية في نصّ دعاء الافتتاح. وهي في مقامها الأوّل "تنظيمية" ضابطة للسلوك في تصحيح الانحراف أو السلوك اللّاسويّ، وفي إعادة تعلّم السلوك السويّ وتقوية علاقة المنتظرين بـ"الذات الإلهيَّة". ويمكن - بإيجــاز - تحديد وصياغة الأهداف التالية:
1 - دفْع هذا الدعاء جماعات "المنتظرين". واستثمار مادته الإرشادية - التعليميَّة من أجل تحقيق (الرضــا الإلهيّ) لديهم.
2 - الإفادة من القيمة الإرشادية التي يقدّمها نصّ دعاء الافتتاح تتمثّل في تحقيق هدفين أساسيين هما: (الرضا الإلهي، والتوافق مع الذات والآخر وعالم الأشياء).
3 - بناء نمط عباديّ بالطريق الوقــائيّ، والطريق العلاجيّ من خلال التوبة.
4 - العمل على استعادة التوازن النفسيّ والاجتماعيّ خاصّة ممّن ازورَّت أنفسهم عن طريق الجادّة.
5 - سعي "الإنسان المنتظر" إلى تحقيق قدر معقول من الصحة النفسيّة والعقليّة، يتناغم مع قيم ومبادئ المشرع التربويّ الإسلاميّ.
6 - اكتشاف أهمّ المبادئ السيكولوجيّة والعقائديّة التي تساعد المنتظرين على ضبط وتنظيم وتوجيه السلوك بمحدّدات ومعايير المشرّع الإسلاميّ.


1- بناء الشخصية في خطاب الإمام المهدي، د. يوسف مَــدَن، ص27-28.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع