جمعية قبس لحفظ الآثار الدينية في لبنان
يقع مقام شمعون الصفا (بطرس) على تلٍّ مرتفع في بلدة شمع العامليّة التابعة إداريّاً
لمحافظة الجنوب - قضاء صور. تبعد عن العاصمة بيروت 103 كلم، وعن مركز القضاء 19 كلم.
تحيط بها بلدات: البيّاضة من الغرب، ومجدل زون من الشمال الشرقيّ، وطيرحرفا من
الجنوب الشرقيّ. وللمقام موقعه المميّز في وسط البلدة، يشرف على الساحل الجنوبيّ من
صور حتّى رأس البيّاضة، وإلى جانبه قلعة شمع التاريخيّة.
*لمَ سُمّيت شمعاً؟
شمع كلمة آراميّة معناها: السمع، ويقال شمع نسبةً لصاحب المقام النبيّ شمع، وشمع
مخفّف كلمة شمعون، كما يقول السيد الأمين. ذكرها المهاجر العامليّ سنة 1071 هـ،
فقال: "شمع بلد بها مدفن شمعون الصفا وصيّ عيسى، وله مقام عظيم".
*صاحب المقام
شمعون الصفا (بطرس) وصيّ عيسى عليه السلام، وجَدُّ الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل
البيت عليهم السلام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف لأمِّه، ورد اسمه
في المصادر العربيّة شمعون بن حمون بن عامة. وفي الإنجيل هو سمعان بن يونا أو يونان
الملقّب بـ "الصفا". والصفا كلمة عربيّة تعني الحجر الصلب الأملس، ويقابلها
باليونانيّة بيتروس ومنها بطرس، وبالآراميّة كيفا ومعناها الحجر أو الصخر.
شمعون الصفا سليل الأنبياء من ناحية الأب والأمِّ معاً. والده حمون بن عامة الذي
يعود نسبه للنبيّ سليمان بن داود عليهما السلام، وهو من بلدة جسكالا المعروفة اليوم
ببلدة الجنش بفلسطين، كما ذكر إدوارد روبنسون نقلاً عن القديس جيروم. وأمّه أخت
النبيّ عمران عليه السلام، والد السيدة مريم العذراء عليهما السلام، وبذلك يكون
شمعون الصفا ابن عمّة السيّدة مريم، وهي ابنة خاله.
شمعون الصفا عليه السلام هو جدّ الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف
لأمّه مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم. فالسيدة مليكة أمّها من ولد الحواريّين،
وينتهي نسبها إلى شمعون الصفا عليه السلام، وقد رأت في منامها أنّ النبيّ محمّداً
صلى الله عليه وآله وسلم جاء يخطبها من النبيّ عيسى عليه السلام، فالتفت النبيّ
عيسى عليه السلام إلى جدّها شمعون، وقال له: أتاك الشرف، فصِلْ رحمك برحم آل محمّد
صلى الله عليه وآله وسلم، وخطبها النبيّ وزوّجها من ابنه الحسن العسكريّ، وشهد بذلك
السيّد المسيح عليه السلام والحواريّون. ولمّا أُسِرت سمّت نفسها نرجس؛ لئلا تعرف.
ومليكة تعود بنَسبها لنبيّ الله سليمان بن داود عليهما السلام.
* نشأته وحياته
ولد في جبال الجليل سنة 10 ق.م1، ونشأ بها. أمّا عن حياته، فيروي التراث الصوريّ
أنّ السيّد المسيح عليه السلام عندما زار مدينة صور، جلس على حجر رخاميّ كبير إلى
جانب ينبوع على مدخل المدينة، ينتظر رجوع شمعون الصفا ويوحنا اللَّذين أرسلهما
يجلبان منها الخبز، وأنّ المسيح عليه السلام قد أكل معهما وشرب من ماء النبع2.
كان معه السيد المسيّح عليه السلام عندما مرّ في جبل عامل، ودعا للجبل أن لا يعدو
سبعه ولا يجدب زرعه. وأرسله السيّد المسيح عليه السلام ليخلّص الرسولين اللّذين
بعثَهما إلى أنطاكيا، وحبسهما ملكها، واستطاع شمعون بكلامه الجميل وأسلوبه الحسن أن
يحقّق ما أُرسل من أجله، وآمن ملك أنطاكيا، وآمن أهل مملكته، وهو قوله تعالى:
﴿وَاضْرِبْ
لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ* إِذْ
أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ
فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ (يس: 13 – 14)3، فالقرية هي أنطاكيا،
والثالث هو شمعون الصفا عليه السلام4، حيث قام هناك بما كان يقوم به عيسى عليه
السلام من إبراء الأكمه وإحياء الموتى5.
*وصيّ عيسى المسيح عليه السلام
رُفِع المسيح عليه السلام حيّاً إلى السماء، وتحمّل شمعون أعباء الوصاية على
المؤمنين بعده، فقام برحلته إلى أنطاكيا، فزار صور، وبعدها انتقل إلى صيدا والمدن
العشر6 في الجليل؛ متتبّعاً الطريق التي مشاها سابقاً مع السيّد المسيح عليه
السلام. وأسّس في أنطاكية أبرشيّةً تولّاها بنفسه عام 42م، ثمّ انتقل إلى روما7.
*وفاته عليه السلام
يقول المسلمون إنّه مات بين بني قومه، ففي حديث عن رفع المسيح إلى السماء، جاء: "فلمّا
أراد أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا،
خليفته على المؤمنين، ففعل ذلك. فلم يزل شمعون يقوم بأمر الله عزّ وجلّ، ويحتذي
بجميع فعال عيسى عليه السلام في قومه من بني إسرائيل، ويجاهد الكفّار... حتّى
استخلص ربّنا تبارك وتعالى وبعث في عباده نبيّاً من الصالحين، وهو يحيى بن زكريا،
ثمّ قبض شمعون..."8.
قُتل شمعون الصفا بين بني قومه، وكانت الليلة التي قُتل فيها كليلة أمير المؤمنين
عليه السلام، بحيث لم يُرفع حجر عن وجه الأرض إلّا وُجد تحته دم عبيط حتّى طلوع
الفجر، كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام9.
*المقام
نظراً للمركز الكبير والمحبّة العظيمة من قبل المؤمنين له، بقي موضع القبر معروفاً،
وخاصّةً أنّ منطقة جليل الأمم كانت آهلةً بالنصارى الموحّدين من أتباعه10، وقد
احتضنت هذه المنطقة قبوراً ومشاهد لمجموعة من أقاربه.
قبل بناء القلعة في بلدة شمع على أيدي الصليبيّين سنة 510هـ/ 1116م، كان المقام
موجوداً على الحافة الغربيّة الشماليّة لقمة الجبل الذي بُنيت عليه القلعة، يتألّف
مقام شمعون الصفا من طبقتين:
* الطبقة السفلى: قديمة جدّاً ظهرت حين بنى الصليبيّون القلعة، ولم يُحدّد
تاريخ بنائها.
* الطبقة الثانية: بُنيت على مرحلتين: الأولى لا يعرف متى كان بناؤها، أمّا
المرحلة الثانية، وحسب ما وجد مكتوباً على حجر المئذنة 490هـ، فإنّها بنيت في زمن
الدولة الفاطميّة، والآثار الحاليّة تدلّ على ذلك.
* أعيد بناؤه وترميمه بعد التحرير، وبعد أن استهدفه القصف في حرب تموز 2006.
يضمّ المقام أيضاً، مقاماً كبيراً لحواريي السيد المسيح عليه السلام، وهو تراثيّ
مشيّد بالحجر الصخريّ، وتعلو جدرانه أقواس وعقود وقِبب مبنيّة بالموادّ الطبيعيّة.
يتألّف من أربع حُجرات متواصلة بأبواب تعلوها قناطر، ويوجد شباك خشبيّ فوق الضريح
في الحجرة الأساسيّة، وفي الخارج رواق تعلوه عقود.
تحيط بالمبنى أضرحة أبناء بلدة شمع، وأمام باحة الأضرحة لجهة الشمال يوجد بئر تحت
الأرض محفور في الصخر، يعود للحقبة الرومانيّة.
إلى جانب مبنى المقام ديوانيّة قديمة، وباحة - مفتوحة على السماء - مشجّرة، يطّلع
منها الزوّار على مشهديّة غاية في الجمال، حيث الشاطئ الممتدّ من صور إلى الناقورة.
1- المنجد في اللغة والأعلام.
ص134، 156.
2- معجم البلدان. ج2، ص158.
3- بحار الأنوار: المجلسي. ج14، ص265.
4- مجمع البيان: الطبرسي. ج7-8، ص 655، 656.
5- كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق. ص225.
6- تاريخ الموارنة. ج1، ص47، 48؛ تسريح الأبصار. ص116.
7- كمال الدين وتمام النعمة. م.س. ص 225؛ بحار الأنوار. م.س. ج14، ص190، 250، 345،
516.
8- كامل الزيارات: ابن قولويه. ص109؛ بحار الأنوار. م.س. ج45، ص204.
9- مجلة الشعلة. عدد 57، ص63.
10- ورد ذكرها في سفر يشوع باسم عمّة 19/ 24 – 30، وهو من أسماء جد شمعون الصفا
عليه السلام.