نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله: بولايته تُقـبل الأعمـل

الشيخ نعيم قاسم

جاء في زيارة الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف: "أَشْهَدُ أَنَّ بِوِلايَتِكَ تُقْبَلُ الأعْمالُ، وَتُزَكّى الأفْعالُ، وَتُضاعَفُ الحَسَناتُ، وَتُمْحى السَيِّئاتُ. فَمَنْ جاءَ بِوِلايَتِكَ، وَاعْتَرَفَ بِإِمامَتِكَ، قُبِلَتْ أَعْمالُهُ، وَصُدِّقَتْ أَقْوالُهُ، وَتَضاعَفَتْ حَسَناتُهُ، وَمُحِيَتْ سَيِّئاتُهُ".

*مفتاح قبول الأعمال
الشهادة بولاية الإمام الحجّة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف طريق النجاة وقبول الأعمال، فولايته تُرشدُ إلى الحق والصلاح، وتقودُ إلى مرضاة الله تعالى، ولا نجاح في دار الاختبار إلّا بالهداية إلى سبيل الله تعالى.

وتؤدّي الولاية دورها في تزكية الأفعال، لأنَّ توجيهات الأولياء وتعاليمهم هي من سنخيّة توجيهات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتعاليمه، و﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ (الجمعة: 2). فالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف يزكِّي الأفعال بقيادته المؤمنين إلى صلاحهم وفلاحهم.
وهي التي تضاعف الحسنات وتمحو السيئات، انسجاماً مع المبدأ الإسلامي العام الذي أعلنه الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿مَنْ جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا (الأنعام: 160)، فزيادة الحسنات بسبب الحب والموالاة، فينمو رصيد الموالي بما يحقِّق له ضمانة الفوز في الدنيا والآخرة.

لا يمكن أن نعبُر إلى برِّ الأمان من دون قيادةٍ تأخذ بأيدينا لنتجاوز العقبات، ولا يمكن أن ننجو في خضم الآثام إلّا بسفينة النجاة التي تحملنا بهديها وشفاعة قيادتها، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ عليّاً بعدي، وليُعادِ عدوّه، وليأتمّ بالأئمة الهداة من وُلده، فإنَّهم خلفائي وأوصيائي، وحججُ الله على الخلق بعدي، وسادة أمّتي، وقادة الأتقياء إلى الجنة، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله عزَّ وجلّ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"(1).

*العادلون عن الولاية
"وَمَنْ عَدَلَ عَنْ وِلايَتِكَ، وَجَهِلَ مَعْرِفَتَكَ، وَاسْتَبْدَلَ بِكَ غَيْرَكَ، كَبَّهُ اللهُ عَلى مَنْخَرِهِ فِي النَّارِ، وَلَمْ يَقْبَلِ الله لَهُ عَمَلاً، وَلَمْ يُقِمْ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ وَزْناً".
كيف يتخلّى عن الولاية من عرف سلسلتها الموصلة إلى الله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (المائدة: 56).
وما هو عذر من استبدل الولاية بغيرها، وهي التي تضمن له الوصول إلى مرضاة الله تعالى؟
فإذا ما كان الجاهل معذوراً، وإذا ما كان القاصر محروماً، فما بال المتجاهل والمقصّر والمتعنّت الذي يُغمض عينيه كي لا يرى نور الإمامة؟

فلنعتبر من قصة ابنَي آدم عليه السلام: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (المائدة: 27). العبرة إذاً، بالمضمون حيث يتقبَّل الله من المتّقين.

الولاية هي خط السير المضمون إلى جنّة الله تعالى، فمن جافاها خرج عن الطريق، وعندها لا قيمة لأعماله مهما بلغت، لتلازم الإيمان والعمل، فإذا ما جاء يوم الحساب، وانكشف له مساره المنحرف، وقد خفّت موازينه، فسينجرف إلى الهاوية، منكبّاً على منخره في النار، وهو جزاء خياره الخاطئ.

*نظام الدين
"أُشْهِدُ الله وَأُشْهِدُ مَلائِكَتَهُ وَأُشْهِدُكَ يا مَوْلايَ بِهذا، ظاهِرُهُ كَباطِنِهِ وَسِرُّهُ كَعَلانِيَّتِهِ، وَأَنْتَ الشَّاهِدُ عَلى ذلِكَ، وَهُوَ عَهْدِي إِلَيْكَ وَمِيثاقِي لَدَيْكَ، إِذْ أَنْتَ نِظامُ الدِّينِ، وَيَعْسُوبُ المُتَّقِينَ، وَعِزُّ المُوَحِّدِينَ، وَبِذلِكَ أَمَرَنِي رَبُّ العالَمِينَ".
الإيمان بالولاية ينبع من القلب ويتجلَّى في السلوك، فهو لا يقتصر على المودّة والمحبّة.

والعهدُ بالولاية التزامٌ بين الإنسان وربه، وإيمانٌ يحدِّدُ المسارَ على درب الإسلام، وذلك لأنَّ الولاية نظام الدين وسنامه، فعن جابر قال: خدمت سيّدنا الإمام أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام ثماني عشرة سنة، فلمّا أردت الخروج ودَّعته، وقلتُ: أفِدْني. فقال: "بعد ثماني عشرة سنة، يا جابر! قلتُ: نعم إنَّكم بحرٌ لا ينزف ولا يُبلغ قعره. فقال: يا جابر، بلِّغ شيعتي عني السلام، وأعلمهم أنَّه لا قرابة بيننا وبين الله (عزَّ وجلّ)، ولا يُتقرّب إليه إلَّا بالطاعة له. يا جابر، من أطاع الله وأحبنا فهو وليّنا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا. إلى أن قال... وحبّنا أهل البيت نظام الدين"(2).

الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يعسوبُ الدين، ومركزُ القطب من الرحى، ومنارةُ الهداية للسالكين والعارفين، وهو عزُّ الموحّدين، وعلوُّ مقامهم، وكرامتهم في الدنيا والآخرة. وهذا الموقع للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من نظام الدين وتوجيهاته، وأوامر ربّ العالمين الذي أمرنا بالتمسّك بالعروة الوثقى، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ (لقمان: 22). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأئمّة من وُلد الحسين عليه السلام، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله عزَّ وجلّ، هم العروة الوثقى، وهم الوسيلة إلى الله عزَّ وجلّ"(3).

*المجاهدون المنتظرون
"فَلَوْ تَطاوَلَتِ الدُّهُورُ، وَتَمادَتِ الأعْمارُ، لَمْ أَزْدَدْ فِيكَ إِلّا يَقِيناً، وَلَكَ إِلّا حُبّاً، وَعَلَيْكَ إِلّا مُتَّكَلاً وَمُعْتَمَداً، وَلِظُهُورِكَ إِلّا مُتَوَقِّعاً وَمُنْتَظِراً، وَلِجِهادِي بَيْنَ يَدَيْكَ مُتَرَقِّباً، فَأَبْذُلْ نَفْسِي وَمالِي وَوَلَدِي وَأَهْلِي وَجَمِيعَ ما خَوَّلَنِي رَبِّي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَالتَّصَرُّفَ بَيْنَ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ".

نحن موعودون بالفرج، ومأمورون بالانتظار، من دون تحديد للوقت، على أن تكون أعمالنا بقيادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، الغائب شخصاً، والحاضر منهجاً، بحيث لا تنقص أعمالنا ولا تحيد استقامتنا طرفة عين عمَّا لو كان ظاهراً بيننا، مهما طال الزمان، لا يحول ذلك دون زيادة الشوق والحب واليقين بصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ونتوقّع ظهوره الحتميّ بالوعد الإلهي، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوَّل الله عزَّ وجلّ ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً من وُلدي، اسمه اسمي.
فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، من أيِّ وُلدك هو؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: من وَلَدي هذا، وضرب بيده على الحسين عليه السلام"(4).

كل يوم يمرّ يقرِّبنا من الفرج، وسنبقى ساعين إلى نصرته عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقوم قائمٌ للحق منَّا، وذلك حين يأذن الله عزَّ وجلّ له، ومن تبعه نجا، ومن تخلّف عنه هلك. الله الله عبادَ الله، فأْتوه ولو حبواً على الثلج، فإنَّه خليفة الله عزَّ وجلّ وخليفتي"(5).


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج1، ص262.
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص296.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام، م.س، ج2، ص63.
4- كشف الغمة، ابن أبي الفتح الأربلي، ج3، ص268.
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام، م.س، ج1، ص65.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع