مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

إبراهيم الأشتر: قاتِلُ ابن زياد

الشيخ تامر محمد حمزة

هو إبراهيم بن مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن سلمة بن ربيعة النخعي. والنخع، كما نقل السيد محسن الأمين عن ابن خلكان، قبيلة كبيرة من مُذْحِج باليمن. يعتبر والده من المعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لم يره. وحينما ذُكر مالك بن الحارث، في محضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عنه: "إنه المؤمن حقاً"(1). وسأل بعضهم أمير المؤمنين عليه السلام عن مالك فقال: "ما أقول في رجل هَزمت حياته أهل الشام وهزم موته أهل العراق؟"(2).

*صفاته ومناقبه
كان إبراهيم، مع أبيه، يوم صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام وهو غلام، وأبلى فيها بلاءً حسناً. وبه استعان المختار حين ظهر بالكوفة طالباً بثأر الإمام الحسين عليه السلام، وبه قامت إمارة المختار وثبتت أركانها. وكان مع مصعب بن الزبير وهو يحارب عبد الملك، فوفى له حين خذله أهل العراق، وقاتل معه حتى قُتل(3). وكان إبراهيم ظاهر الشجاعة، والشهامة، نافذ حدّ الصرامة، مشمّراً في محبة أهل البيت عليهم السلام عن ساقيه، متلقياً غاية النصح لهم بكلتا يديه(4).

*إبراهيم الأشتر في صفين
لم ينقل التاريخ شيئاً عن إبراهيم بن مالك الأشتر قبل معركة صفين؛ ويعود الأمر إلى أنه كان حدث السن، فلم يذكر اسمه في الحوادث والمناسبات قبل ذلك. ويدل على صغر سنه في صفين ما ذكره السيد محسن الأمين قدس سره من أن الأشتر قد نادى ابنه إبراهيم ليقاتل غلاماً لعمرو بن العاص "غلامٌ بغلام"(5).
فيُرجح أن يكون عمره في صفين يقارب العشرين سنة، باعتبار أن إبراهيم هو أكبر أولاد مالك، كما هو معروف.

*إبراهيم الأشتر جيش في رجل
مسيرة إبراهيم الأشتر مع الثورات التي خرجت تحكي لنا شخصيّته التي تجاوزت حدّ الشجاعة إلى درجة أن الثورة التي يكون معها وفيها هي منتصرة. وفي عبارة أخرى هو جيش في رجل. وسنشير إلى بعض المراحل التي مرّ بها حتى شهادته، وأهمها مرحلتان:

*المرحلة الأولى: مع المختار الثقفي
أول من أجاب المختار إلى الثأر عامر الشعبي وأبوه شراحيل. وقال جماعة للمختار: "إن أشراف أهل الكوفة مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع، فإن أجابنا [إلى] أمرنا إبراهيمُ بن مالك الأشتر، رجونا القوة على عدوّنا، فإنه فتى رئيس وابن رجل شريف، له عشيرة ذات عزٍّ وعدد"، فقال لهم المختار: فالقوه فادعوه، وأعلموه الذي أمرنا به من الطلب بدم الحسين وأهل بيته".
فخرجوا إليه ومعهم الشعبي، فأتوه وأعلموه عزمهم على الطلب بدماء أهل البيت عليهم السلام، وسألوه مساعدتهم على ذلك...

فقال لهم: "إني قد أجبتكم إلى الطلب بدم الحسين وأهل البيت عليهم السلام، على أن تولّوني الأمر". فقالوا له: "أنت أهلٌ لذلك، ولكن ليس إلى ذلك من سبيل. هذا المختار قد جاءنا من قِبَل إمام الهدى، ومن نائبه محمد ابن الحنفية، فسكت إبراهيم ولم يجبهم فانصرفوا عنه وأخبروا المختار. فمكث ثلاثاً ثم دعا جماعة من أصحابه (...) وقال لهم: انطلقوا بنا إلى إبراهيم بن الأشتر، فسار في بضعة عشر رجلاً من وجوه أصحابه (...) فدخلوا على إبراهيم (...) فقال له المختار: "إن الله أكرمك وأكرم أباك من قبلك بموالاة بني هاشم ونصرتهم، ومعرفة بعضهم، وما أوجب الله من حقّهم (...) ثم بايع [إبراهيم] المختار في نفس المجلس"(6).

*نهاية عبيد الله بن زياد
بعد أن سيطر المختار على الكوفة وقتل كل من خرج منها لقتال الحسين عليه السلام بلغ ذلك ابن زياد، فتجهّز في ثلاثين ألفاً من الشام، فبلغ ذلك المختار فجهّز إليه إبراهيم بن مالك الأشتر في سبعة آلاف، وذلك سنة سبع وستين، فالتقيا في الزاب فقتله إبراهيم وكان مَن غرق أكثر ممّن قتل. ثم إن إبراهيم أرسل برأس ابن زياد إلى المختار(7).

وقال القاضي النعمان المغربي في ترجمة ابن زياد: وهو عبيد الله بن زياد بن أبيه، عامل الأمويين في العراق، صاحب مجزرة كربلاء، قُتِل في معركة الخازر في شمال العراق، التي جرت بينه وبين إبراهيم بن مالك الأشتر، قائد جيش المختار الثقفي، سنة 67هـ(8).

*المرحلة الثانية: مع مصعب بن الزبير
سار عبد الملك بن مروان إلى العراق بجيش لحرب مصعب بن الزبير، فأحضر مصعب إبراهيم الأشتر من الموصل بعد أن ولّاه عليها، وجعله على مقدمته والتقى العسكران بمسكن من أرض العراق. وكان أشراف العراق قد كاتبوا عبد الملك، فكتب إلى من كاتبه ومن لم يكاتبه، وكتب إلى إبراهيم، فكلهم أخفى كتابه إلا إبراهيم، فجاء به مختوماً إلى مصعب، ففتحه فإذا فيه يدعوه إلى نفسه، ويجعل له ولاية العراق، فقال إبراهيم: "إنه كتب إلى أصحابك كلهم مثل ما كتب إليّ فأطعني واضرب أعناقهم، فأبى، فقال: احبسهم، فأبى، وقال: رحم الله الأحنف إن كان ليحذرني غدر أهل العراق. وقدم عبد الملك أخاه محمداً، وقدم مصعب إبراهيم بن أشتر فقتل صاحب لواء محمد، وجعل مصعب يمدّ إبراهيم فأزال محمداً عن موقفه ثم أمدّ إبراهيم بعتاب بن ورقاء فساء ذلك إبراهيم، وقال: "قد قلت له لا تمدّني بأمثال هؤلاء"، فانهزم عتاب وكان قد كاتب عبد الملك. وصبر إبراهيم فقاتل حتى قُتل وحمل رأسه إلى عبد الملك وانهزم أهل العراق عن مصعب حتى قُتل(9).

وكان ذلك سنة 71 للهجرة، وفي مرآة الجنان عام 72 للهجرة(10)، وقد أشار الزركلي إلى إبراهيم في هذه المرحلة بقوله: "من أصحاب مصعب بن الزبير شهد معه الوقائع وولي له الولايات وقاد جيوشه في مواطن الشدة وكان مصعب يعتمد عليه ويثق به، وآخر ما وجهه فيه حرب عبد الملك بن مروان بمسكن فقُتِل ابن الأشتر"(11).

*خاتمة: مدفنه وعقبه
دفن إبراهيم بن مالك الأشتر بقرب سامراء. وقبره مزار معظّم عليه قبّة. وقد خلّف ولدين هما النعمان ومالك. وقيل في ترجمة ابنه النعمان إنه كان فارساً شجاعاً كأبيه وجده... وله رياسة.


1.أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج9، ص41.
2.م.ن، ص39.
3.م.ن.
4.أصدق الأخبار، السيد محسن الأمين، ص44.
5.أعيان الشيعة، م.ن، ج2، ص 200.
6.أصدق الأخبار، م.س، ص41 و42؛ وأعيان الشيعة، ج2، ص200.
7.شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، ج33، هامش ص606.
8.شرح الأخبار، المغربي، ج3، هامش 151.
9.الأعيان، م.س، ج2، ص202؛ المذحجي هو إبراهيم الأشتر - مسلم - هو ابن عمرو الباهلي كان على مسيرة إبراهيم الأشتر.
10.سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج4، ص35؛ والبداية والنهاية، ج8، ص323.
11.الأعلام، خير الدين الزركلي، ج8، ص58.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع