مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مهارات: فنُّ التحدُّث مع الآخرين (2)

علي ياسين


تحدّثنا، في العدد السابق، عن مهارة فنّ التحدّث، وكيف يكون التواصل في إيصال الفكرة للآخر بأسلوب لبق وغير منفّر. ونكمل، في نفس السياق، شكل التواصل وما يتعلق بلغة الجسد.
عندما نتحدّث عن لغة الجسد فإننا نعني: العيون، اليدين، وضعيّة الجسد، الوجه...


أ - العيون
إن للعيون سحراً خاصاً فهي تتكلّم عن بعد، وتفعل فعلها بدون تدخّل الجوارح الأخرى. ولكي يستخدم المتحدّث لغة عينيه بشكل متقن لا بدّ له من مراعاة ما يلي:

1 - النظر إلى عيون المستمعين مباشرة، أمّا في حالة التوتر، والقلق، والخوف من الجمهور فيُفضّل النظر إلى أنوفهم أو أسفل جبين كل منهم.
2 - عدم تشتيت أنظار المستمعين بحيث ينظر إلى الشباك أو سقف الغرفة.
3 - تنويع النظر، وعدم إطالة النظر إلى شخص واحد أكثر من 5 إلى 8 ثوان تقريباً، لأنّ النظرة الطويلة إلى الطرف الآخر سواء عند التحدّث أو عند الاستماع هي نظرة توحي بالإرباك. لذا، يُفترض بالمتحدّث توزيع نظراته على جميع المستمعين بحيث ينظر إلى أحدهم لإيصال فكرة أو جملة صغيرة، ثم ينتقل إلى متحدّث آخر ليكمل فكرته بجملة جديدة.
4 - عدم تراتبية النظر (المروحة): بحيث يبدأ بالنظر إلى أوّل من بقربه، وفي هذه الحالة كل مستمع يعرف متى يحين وقت النظر إليه. لذا، من الأفضل النظر يميناً ويساراً وبطريقة عشوائية، بحيث لا يعرف كلّ مستمع متى ينظر المتحدّث إليه ويبقى منتبهاً.

ب- وضعية الجسد
يجب أن يأخذ الجسد وضعيّات صحيحة أثناء التحدّث مع الآخرين، منها:

1 - الوقوف بطريقة منتصبة.
2 - الاتجاه نحو المستمع.
3 - نسخ إيماءات المستمع: فإذا كان واقفاً على المتحدّث الوقوف، أو إذا كان جالساً، أو... إلخ، وذلك اعتماداً على مبدأ المعاملة بالمثل، حتى يتحقّق الوئام بين الطرفين.
4 - موافقة الكلام حيث يصلح ذلك: فعند تحدّث المتكلم عن الانخفاض يجب أن ينخفض، وعندما يتحدّث عن الجلوس يجب أن يجلس... إلخ.

ج – اليدان
بحيث تتوافقان مع إيحاءات الكلام. فإذا تحدّث المتكلّم عن صعود جبل، فيجب أن يشير بيده إلى ذلك. وعند التحدّث عن رجل طويل يجب أن يرفع يده للإشارة إلى طول هذا الرجل... إلخ.

وعلى المتحدّث الالتفات إلى عدم استعمال اليدين في:

1 - لمس الذات: كأن يبقى طوال الوقت يحك رأسه أو يفرك يديه إحداهما بالأخرى، أو يمرّر يده على لحيته وشاربيه.
2 - لمس الأشياء: كأن يلعب بما وجده أمامه من أقلام أو أدوات.

إنّ الوقوع في هذين الخطأين يؤدّي إلى انصراف المستمعين عن متابعة ما يقوله المتحدّث.

د - الوجه:
يستطيع الوجه أن يأخذ عشرات الأشكال على أقلّ تقدير، بسبب وجود آلاف العضلات الصغيرة فيه، فما هو دور وجه المتحدّث في توصيل أفكاره؟

1 - يجب على المتحدّث أن يستخدم وجهه لمساعدة أفكاره في إقناع المستمعين، بحيث يبدو على سبيل المثال:
أ- حزيناً عند طرح فكرة تثير حزن المستمعين.
ب- سعيداً عند طرح فكرة تُفرح المستمعين.
ج- متفاجئاً عند طرح فكرة غريبة.

2 - يجب على المتحدّث أن يفهم قراءة وجوه المستمعين، فالوجوه الموجودة أمامه هي في الحقيقة تعبّر عن مضمون أصحابها، وبالتالي هي تغذية عكسية لما يقوله المتحدّث. فإذا رأى وجهاً سعيداً فهذا دليل على أن صاحبه مرتاح لما يسمع. وإذا رأى وجهاً عابساً غاضباً فعليه إعادة النظر بما يقوله، أو معرفة ما يدور في رأس صاحب هذا الوجه.

هـ - الحركات والإشارات اللاإرادية:
يجب أن يعرف المتحدّث الإشارات والحركات اللاإرادية التي تصدر عن المستمع والتي تفسر أحياناً كثيرة حال المستمع:
1 - احمرار الوجه: توضح أن المستمع خجل.
2 - هزّ القدمين: توضح أن المستمع متوتّر وقلق.
3 - رجفة: توضح أن المستمع مرتبك وخائف.
4 - قضم الأظافر: توضح أن المستمع مرتبك.

كما أنّ هذه الإشارات إذا صدرت عن المتحدّث فإنها تشير إلى نفس المعاني التي ذكرناها، لذا يجب عليه الالتفات إلى تجنّبها وعدم إظهارها قدر المستطاع.

*قواعد السلامة العامّة أثناء الحديث
إليك بعض القواعد التي تساعدك بوجه عام على إقامة حديث جيد مع الأفراد والمجموعات:

1 - تحدّث أقل (30 %) واستمع أكثر (70 %) واصغِ باهتمام. قال علي عليه السلام: "من كثُر كلامه كثُر خطأُه، ومن كثُر خطأُه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه، مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار"(1).

2 - تجنّب النقاش والجدال: عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال لأصحابه: "ولا يمارينّ أحدكم حليماً ولا سفيهاً، فإنه من مارى حليماً أقصاه ومن مارى سفيهاً أرداه"(2).

3 - استخدام العبارات الرقيقة: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِك (آل عمران: 159). ورد عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: "القول الحسن يثري المال وينمّي الرزق، وينسئ في الأجل، ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة"(3).

4 - اعترف بأخطائك ولا تحاول التبرير، فالاعتراف بالخطأ فضيلة.

5 - ارسم على وجهك ابتسامة: فالابتسامة طريقك إلى قلوب الآخرين، وهي إحدى أهم طرق كسر الحواجز الفاصلة بين المتحدّث والمستمع.

6 - أعطِ الفرصة للآخر لينقذ ماء وجهه: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يَقِكُم الله بذلك سوء الأقدار"(4).

في كثير من الأحيان يستطيع متحدّث ما أن يُسقط رأي جليسه ويقضي على فكرته بحججه القويّة وبرهانه المتين، وفي هذه الحالة يجب عليه عدم إظهار انتصاره وخسارة الطرف الآخر، بل يجب ترك مساحة للطرف الآخر حتى ينقذ ماء وجهه، لا بل يجب أن نساعده على إنقاذ ماء وجهه عبر بعض العبارات اللطيفة: "هذه وجهة نظر نحترمها"، "يبدو أنك غير مطّلع على كافة جوانب الموضوع"، "أحترم رأيك ولكن لي رأي آخر"... إلخ.
إنّ عدم مساعدة الطرف الآخر على إنقاذ ماء وجهه سيدفعه إلى الاستماتة في الدفاع عن فكرته وعدم قبول الفكرة المقابلة حتى مع اقتناعه بصدقيتها وبطلان فكرته.

7 – نحن جدّيون... فلا داعي للسخرية: يلجأ البعض - وعند عدم الأخذ بفكرته أو عند عدم قدرته على إقناع الآخرين - إلى توجيه موضوع الحوار نحو الهزل تعويضاً عمّا خسره، لذا يجب إيقافه وعدم السماح له بتمييع الحوار.

8 - تودَّد إلى المستمعين عبر:
أ - مصافحتهم: فذلك يكسر الحواجز بينك وبينهم.
ب - التربيت على الكتف: فهذا يشعرهم بالاطمئنان والأمان.
ج - مناداتهم بأسمائهم: إذا ناداك أحدهم بغير اسمك أو قال لك: "ذكّرني باسمك"، أو أخطأ في ذكر اسمك بعد أن تكونا قد التقيتما مرّة أولى فكيف يكون شعورك؟ ألا تنفر من ذلك؟ إنّ هذا يزعجك ويغضبك وقد تلجأ إلى عدم التعاون معه نتيجة فعلته تلك. بينما إذا ناداك باسمك فهذا يشعرك بأنك موضع اهتمامه وإلّا لما حفظ اسمك.

9 – ليكن جسدك:
أ - ابتسامة دافئة، لا ضحكة عريضة ولا تكشيرة مريبة.
ب - ذراعان منبسطان.
ج - اعتدال الساقين أثناء الجلوس.
د - النظر الدافئ إلى عيون المستمعين.
هـ -انبساط راحتي اليد، لا أخفي شيئاً ولا يوجد نزاع مع الآخرين.

10 - لا تقل كل ما يتبادر إلى ذهنك: عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -في وصيته له-: "... يا أبا ذر، اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك. يا أبا ذر، كفى بالمرء كذباً أن يُحدِّث بكلّ ما سمع. يا أبا ذر، إنه ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان. يا أبا ذر، إنّ الله عند لسان كل قائل فليتّق الله امرؤ وليعلم ما يقول"(5).


1.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج8، ص531.
2.الأمالي، الطوسي، ص225.
3.م. ن، ص49.
4.ميزان الحكمة، الريشهري، ج3، ص2013.
5.الوافي، الكاشاني، ج26، ص194.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع