تمتاز الإمامة والولاية بأنها من أهم المناصب في الإسلام، وأن الكلام فيها وفي وجوب وجود الإمام أو الولي المدير والمدبر لأمور المجتمع من ضروريات الدين وذلك للفوضى والاضطراب اللذين يتسببان عن ذلك.
وبما أن الأمر هو هذا، وجب علينا معرفة من سنتولى وممن سنتبرأ حتى لا نقع في معصية من خلال تولينا أو تبرينا.
1: من هو الولي؟
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ "المائدة/55".
يظهر من خلال النظر في هذه الآية، أن الولي الواجب الاتباع هو في الدرجة الأولى الله سبحانه وتعالى، فنمتثل لأوامره ونواهيه ونؤدي فرائضه ونقيم شعائره. يأتي بعده النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤدي عن الله سبحانه وتعالى، والمبلغ لأحكامه، والهادي إليه. ومن ثم هناك الأئمة المهديون عليهم السلام، خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدءاً من إمام المتقين على "عليه السلام" وانتهاءً بالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن عليه السلام.
ولا ننسى هنا ولاية الفقيه الجامع للشرائط الذي ينوب عن الإمام في غيبته والذي يقوم مقامه.
ثم إن هناك ولاية أخرى هي ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ "التوبة/71".
2: جزاء تولي الله سبحانه
لقد وعد الله سبحانه المؤمنين الذين تولوه واتبعوا أوامره، بأن يكون وليهم وولايته تعالى لهم تستلزم إخراجهم من الظلمات إلى النور ورعايتهم على أحسن ما تكون الرعاية قال تعالى: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ "البقرة/257".
ليس هذا فحسب، بل أن الذي يتولى الله سبحانه، فإن الله سيجعله من حزبه الغالب والمنتصر في نهاية المطاف ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون﴾ "المائدة/56"
لقد تتالت الدعوات الموجهة من قبل الرحمن لعباده إلى ولوج باب التوبة، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي التي تسود صفحة أعمالهم عند ربهم، وترديهم في نار جهنم إلى أسف سافلين، وبشرت هذه الدعوات التائبين بالمغفرة ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورَ﴾، وبجنات النعيم. ورغبتهم في سلوك هذا الطريق بتبيان محبة الله تعالى ورعايته لهم ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾َ. فماذا في جعبتنا من آيات التوبة؟
هذا ما سنعرضه في هذه الحلقة.
3: ما يورث الإمامة:
يتبدى من خلال النظر في القرآن الكريم أن الصبر يورث الإمامة الهادية بأمر الله والدالة عليه. ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ "السجدة/24".
كما نجد في الاستضعاف سبباً آخر للإمامة ولوراثة الأرض. ذلك الاستضعاف المنزه عن الوهن والركون إلى الذين ظلموا، والذي يحمل في طياته بركان الثورة على الظلم والظالمين، وإلا لما استحق المستضعف نصرة الله سبحانه ومنه بتوريث الأرض الذي يتطلب من الفرد عملاً شاقاً وتضحيات جمة للحصول عليه. ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ "القصص/5".
4: مصير متبعي أئمة الجور:
لا شك أن مصير متّبعي الظالمين وأئمة الجور هو العذاب المؤبد والخلود في النار. إلا أن هناك حسرات لا بد لهمن أن يذوقوها قبل مأواهم إليها، وهي حسرات أعمالهم التي ذهبت هدراً، ولم تكن سوى سراب. فهناك يتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتُبعوا، وينكرون معرفتهم بهم، وتنقطع حينها الأسباب بالذين اتبعوا وتنقطع وسائل النجاة: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارَ﴾ "البقرة/166 167".
5: ما يمنع الإمامة:
إن الظلم من الأمور المحتمة التي تحرم الإنسان من الوصول إلى مقام الإمامة التي هي عهد إلهي ينيله الله الصالحين ويمنعه عن الظالمين، حتى ولو كانوا من سلالة الأنبياء أو من أقرب المقربين إليهم. قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ "البقرة/124".