مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مقام المرأة في التصور الإسلامي


عندما نريد أن نحدد مكانة المرأة في الرؤية الإسلامية، لا بد أن نتعرف أولاً على الأصول العامة لهذه الرؤية، وبعدها يمكن لنا فهم حقيقة النظرة التوحيدية عن المرأة.
فما هي الأصول الأساسية في الرؤية الإسلامية.


* الإسلام دين التوحيد
إن أول ما يجده المطالع للرؤية الإسلامية عن عالم الوجود هو النظرة التوحيدية الخالصة. فالتوحيد هو الأصل الأول، وأصل الأصول جميعاً، في التصور الإسلامي. فالله سبحانه هو الحقيقة المطلقة، وهو الكمال المطلق الذي ليس كمثله شيء. وهو مبدأ الوجود وجميع الكائنات، وهو الغاية التي يسير إليها جميع الموجودات أيضاً ﴿إنا لله وإنا إليه راجعون وقد اكتسبت روح التوحيد في الإسلام طبيعة شمولية بحيث احتوت جميع تعاليم الدين الحنيف دون استثناء، فما من مسألة أو حكم إلا ويرجع بعد التحليل والتحقيق إلى أصل التوحيد.
يقول العلاّمة الشهيد مطهري رضي الله عنه : "قد يتصور الإنسان بأن التوحيد أحد مسائل الإسلام، وإنه يقع إلى جانب آلاف المسائل الأخرى في العقيدة الإسلامية، ولكن حينما يدقق النظر سيكتشف بأن التوحيد هو كل الإسلام؛ أي أن جميع المسائل سواء ما ارتبط منها بالأخلاق والأمور التربوية أو من خلال الأوامر اليومية التي يعايشها الفرد. فإنها تمثل في جوهرها حركة التوحيد".
فالإيمان بالتوحيد يتجاوز المفهوم الذهني للمصطلح، ليشمل كل معاني الحياة، وعلى مستوى جميع الكائنات؛ بحيث أن الإنسان الموحد سيعمل طبقاً لهذه الرؤية القيمة.

* موقع الإنسان في التصور الإسلامي
الإنسان واحد من مخلوقات الله تعالى. إلا أنه يتميز عن سائر المخلوقات في الرؤية الإسلامية التوحيدية بالكثير الكثير من الأمور، نوجز منها التالي.
1- الإنسان خليفة الله في الأرض. قال تعالى ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة (البقرة/30).
 

2- إن سعة الإدراك والعلم لدى الإنسان أوسع منها لدى جميع الكائنات والمخلوقات الأخرى حتى الملائكة ﴿وعلم آدم الأسماء كلها [أي جميع الحقائق] ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا (البقرة/ 31- 32).
 

3- يمتلك الإنسان في أعماق ضميره ووجدانه معرفة بالله تعالى وهو مفطور على ذلك. إن جميع أنواع الإنكار والشك إنما هي أمراض وانحرافات مخالفة لطبيعة الإنسان. قال تعالى ﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها (الروم/ 30).
 

4- طبيعة الإنسان مركبة من عناصر مادية، وهي الجسد وتوابعه، وعناصر ملكوتية إلهية، وهي الروح وتوابها، قال تعالى: ﴿وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روح (السجدة/ 7 و9).
 

5- وهو ذو شخصية مستقلة وحرة، وحاملاً للأمانة الإلهية والمسؤولية الرسالية. وقد اختاره الله لإعمار الأرض، ومكّنه من الاختيار بين طريقين، طريق السعادة وطريق الشقاء، قال تعالى: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ويشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً (الأحزاب / 72).
 

6- الإنسان موضع للتكريم والتشريف الإلهي من بين سائر المخلوقات. قال تعالى: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً (الإسراء/ 70).
 

7- لن يهدأ الإنسان أو يشعر بالاطمئنان من خلال الاستعانة بأحد سوى الله تعالى، فرغباته لأحد لها ولا يرويها إلا لقاء الله تبارك وتعالى. ﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه وإن الطريق الوحيد للوصول إلى الله عز وجل هو توحيده وعبادته الخالصة من كل شرك. ﴿وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون (الذاريات/ 56).
 

8- لا يعمل الإنسان من أجل العوامل المادية فقط، وليس ما يحركه الدوافع المادية وحسب، بل هناك أهداف سامية وقيم نبيلة تشغله دائماً ويطمح إليها، ولعله لا يجد هدفاً أسمى من القناعة المطلقة والرضا التام. ﴿يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية (الفجر/ 27و28).
ما دام الإنسان في هذا العالم فهو محجوب عن الحقائق وعندما ينتقل إلى الآخرة وتنفصل الروح عن حجاب الجسد تكشف له جميع الحقائق ﴿لقد كنت في غفل من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (ق/ 22).

* المرأة إنسان لا أنثى فقط
المرأة في هذه الرؤية التوحيدية لا تقل شأناً عن الرجل في الإنسانية، فهي إنسان يمثل كل هذه القيم والخصائص الإنسانية كما الرجل تماماً. فالمرأة تمتلك في شخصيتها أبعاداً مختلفة، والنساء ذوات مراتب ودرجات متفاوتة لأن الإنسان له أبعاد متعددة.
والمرأة تمتلك مكانة شرف وعز، ومكانة روحية وإنسانية بعيدة الغور.
إن أفضل مثال يوضح لنا مكانة المرأة في الرؤية التوحيدية هي السيدة الزهراء سلام الله عليها. فهي الصورة الإنسانية الكاملة وتجتمع في شخصيتها جميع الأبعاد الإنسانية والأنثوية.
وإن أفضل من يبين لنا مكانة الزهراء عليها السلام العارف الرباني الذي جسد الإسلام المحمدي الأصيل علماً وعملاً الإمام الخميني المقدس رضي الله عنه . فماذا يقول الإمام عن مقام الزهراء عليها السلام ؟

* الزهراء عليها الصلاة و السلام مثال المرأة الكاملة
يقول الإمام الخميني قدس سره :
إنها [أي الزهراء عليها  السلام] ذات شخصية روحانية وملكوتية، ومظهر للمعاني الإنسانية والمعنوية، وهي موضع التجليات الملكوتية، والتجليات الإلهية والجبروتية والناسوتية.
إن الزهراء عليها السلام تمثل تحقق القيم السامية والأهداف العليا لخليفة الله في العالم.

* حقيقة الهدف الإنساني
إن الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، له هدف نهائي يسعى إليه دون كلل أو ملل. ويتمثل هذا الهدف في التصور الإسلامي بالوصول إلى الله والتقرب إليه. والطريق نحو هذا الهدف يتمثل بعبادة الله تعالى فالعبادة تعني الاستقامة والسمو والوصول إلى مراتب القرب ونيل شرف الكرامة الإنسانية. ومن هنا، فإن جميع الوظائف الاجتماعية جعلت من أجل الوصول إلى هذا الهدف، فتتحقق الاستقامة في شخصية الفرد والمجتمع.
والمرأة، كالرجل، تمتلك كل الإمكانيات في السير في طريق الله والوصول إلى الأهداف الإسلامية السامية. ولولا ذاك لا يمكن تحقيق حالة الاستقرار والاستقامة في كلِّ من شخصية الفرد رجلاً كان أم امرأة، والمجتمع على السواء.
 

إن الهدف من وراء القوانين الإسلامية هو خلق مجتمع إنساني فاضل وكامل، وهي (أي القوانين الإسلامية) وإن اعتبرت القوة الاقتصادية أمراً أساسياً وأصيلاً في حياة المجتمع، إلا أنها لم تنس أهمية الأصول الأخلاقية والقيم النبيلة في الحياة المعنوية للفرد والمجتمع أيضاً، ولذلك فقد ارتكزت على التوازن بين الحاجات المادية والمعنوية.
إن التشريع في الرؤية التوحيدية منحصر بالله تعالى. ولذلك فإن مصادر تشريع القوانين الإسلامية هي القرآن الكريم والمفسرون الحقيقيون له وهم المعصومون عليهم الصلاة و السلام، وهذا يضفي عليها نوعاً من الثبات والشمولية في آن، مع مرونة في الموضوعات العملية لتتناسب مع حركة المجتمع وتطوّره دون أن تخرج عن إطار الثوابت الكلية الأساسية.
 

أما القوانين الوضعية فإنها لا تتصف بهذا الثبات، وغالباً ما تنطلق من مصالح شخصية ورؤى ضيقة الأفق، فضلاً عن أنها لا تعتمد الأسس والأصول الأخلاقية.
ولذلك فإن المهيمن على التشريع في الدول الغربية هم الرأسماليون الذين لا ينظرون إلا إلى المال والثروة، ولذلك لم يجدوا في المرأة أية قيمة سوى أن تكون وسيلة دعائية وتجارية. ففي كتاب (نظريات حديثة في علم الاجتماع) كتب بعضهم: "إن أهم عنصر في معرفة دور المرأة في أي مكان هو معرفة ميزان مشاركتها في الحياة الاقتصادية وقدرتها على الحد من الاستهلاك أو الإنتاج".
وقال آخر: إن شخصية المرأة أو الرجل ودوريهما إنما يرتبطان ارتباطاً مباشراً بدورهما الاقتصادي.
 

أما الإسلام فإنه وإن كان لا يلغي الدور الفاعل للمرأة في الاقتصاد، ويهب لها الاختيار لطبيعة العمل وحقها في الملكية الخاصة، إلا أنه لم يتخذ الدور الاقتصادي أساساً في تحديد دور الرجل ومكانته فضلاً عن المرأة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع