أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قراءة في كتاب: الإسلام يقود الحياة

للشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر

اخترنا لك- عزيزي القارئ- في هذا العدد، جزءين من سلسلة "الإسلام يقود الحياة" للسيد الشهيد محمد باقر الصدر رضي الله عنه، هما الجزءان الرابع والخامس. يعرض الجزء الأول منهما خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء حيث يبين الخطين الربانيين اللذين يقوم على أساسهما مجتمع التوحيد، وتنظيم الحياة الاجتماعية للإنسان على الأرض. ويعرض الجزء الثاني لمنابع القدرة في الدولة الإسلامية، فيبحث في هذه القدرات في مجال التطوير الحضاري للأمة والقضاء على عوامل التخلف فيها.
والكتيبان على صغر حجمهما من أهم ما كتب في هذين الموضوعين، فيتميزان- كما بقية أجزاء هذه السلسلة- بقوة العبارة، ومتانة الأسلوب، ووضوح المعاني، وسلاسة الأفكار وانتظامها. وكيف لا ومؤلفهما من أفضل وأندر ما جاء به عصرنا الحاضر في العلم والفقه والفكر والفلسفة والاجتهاد.
طبعت هذه السلسلة في دار التعارف للمطبوعات.


* خلال الإنسان وشهادة الأنبياء
يعرض هذا الجزء- كما أشرنا- لخلافة الإنسان على الأرض، وشهادة الإنسان على الأرض، وشهادة الأنبياء والأولياء والعلماء من بعدهم. ويبتدئ بالإشارة إلى بعض الآيات التي تتناول موضوع الإنسان وخلافته، ومن ثم يعرض للآيات التي تتناول موضوع الشهادة في القرآن الكريم.
بعد ذلك عرض السيد الشهيد للكلام عن خط الخلافة وركائزه العامة والذي ابتدأ أول ما ابتدأ باستخدام آدم عليه السلام- ممثلاً البشرية جمعاء- على الأرض بما فيها من خيرات ومتاع وحيوان وإنسان. ومن هنا كانت الخلافة أساساً للحكم ﴿يا داوُد أنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق، وكانت الجماعة البشرية المستخلفة مكلفة "برعاية الكون وتدبير أمر الإنسان والسير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية".
 

وأشار الشهيد إلى ما تعنيه عملية الاستخلاف الرباني للجماعة البشرية على الأرض وهذه تتمثل بـ:
1- انتماء الجماعة البشرية إلى محور واحد هو الله سبحانه، والإيمان به وحده دون سواء. وهذا هو التوحيد الخاص الذي رفع لواءه جميع الأنبياء بما فيهم خاتمهم محمد صلى الله عليه و آله.
2- إقامة العلاقات الاجتماعية على أساس العبودية الخالصة لله وتحرير الإنسان من عبودية غيره.
3- تجسيد روح الأخوة العامة في كل العلاقات الاجتماعية بعد محو جميع ألوان التسلط والاستغلال والظلم، وجعل الجميع متساوين في الحقوق الإنسانية.
4- إن الخلاف استئمان على حد تعبير القرآن: ﴿أنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال.. (الأحزاب/72) والأمانة تفترض المسؤولية التي هي بدورها علاقة ذات حدين:
 

فهي من ناحية تعني ارتباط الجماعة البشرية المستخلفة، بتوجيه الله سبحانه، وليس لها أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن هذا التوجيه.
وتعني من ناحية أخرى أن الإنسان كائن حر بما هو مسؤول، إذ لا معنى للمسؤولية دون الحرية.
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى معالجة موضوع آخر هو مسار الخلافة على الأرض فاعتبرها حركة دائبة نحو قيم الخير والعدل والقوة (التي هي بدورها أخلاق لله تعالى وقد أمر الإنسان بالتخلق بها) وإنها حركة لا تتوقف فيها لأنها متجهة نحو المطلق، وأن أي هدف آخر لها سوف يكون هدفاً محدوداً وسوف يؤدي بالتالي إلى جمودها وإيقافها. ومن هنا تحتم على الجماعة التي تتحمل مسؤولية الخلافة توفير الشروط الموضوعية لهذه الحركة الدائبة نحو المطلق لبلوغ أهدافها.
هنا عرّج المؤلف على موضوع الشهادة وركائزه العامة، فرأى أن الله سبحانه وضع إلى جانب خط الخلافة، خط الشهادة الذي هو تدخل رباني لهداية الإنسان الخليفة في مسيره، وذلك ليصل إلى أهدافه الكبيرة التي رسمت له منذ بداية حياته، قال تعالى: ﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.

فهذا التدخل إذن، يكون بواسطة أصناف ثلاثة:
أ- الأنبياء.
ب- الأئمة.
ج- المرجعية التي هي امتداد رشيد للنبي والإمام في خط الولاية والشهادة.
ومهمة هؤلاء- كما يراها السيد الشهيد- هي كما يلي:
1- استيعاب الرسالة السماوية والحفاظ عليها، وذلك صريح قوله تعالى: ﴿بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.
2- الإشراف على ممارسة الإنسان لدوره في الخلاف ومسؤولية إعطاء التوجيه بالقدر الذي يتصل بالرسالة وأحكامها ومفاهيمها.
3- التدخل لمقاومة الانحراف واتخاذ كل التدابير الممكنة من أجل سلامة المسيرة.
ومن هنا "فالشهيد مرجع فكري وتشريعي من الناحية الإيديولوجية، ويشرف على سير الجماعة وانسجامه أيديولوجياً مع الرسالة الربانية التي يحملها، ومسؤول عن التدخل لتعديل المسير أو إعادتها إلى طريقها الصحيح إذا واجه انحرافاً في مجال التطبيق".
 

وهناك شروط لا بد للشهيد- سواء كان نبياً و إماماً أو مرجعاً- من التحلي بها وهي:
1- أن يكون عالماً على مستوى استيعاب الرسالة ﴿بما استحفظوا من كتاب الله.
2- أن يكون عادلاً على مستوى الالتزام بها والتجرد عن الهوى ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس.
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى معالجة موضوع آخر هو مسار الخلافة الربانية على الأرض، فابتدأ معالجته بالكلام عن التمهيد لدر الخلافة مستعرضاً في ذلك مسيرة آدم عليه الصلاة و السلام من بدء خلقه واحتضانه في تلك الجنينة الأرضية التي وجد فيها التنمية والنوعية التي أهلته لممارسة دور الخلافة على الأرض. وكان السبيل الأمثل لزرع روح الإحساس بالمسؤولية في نفسه هو توجيه التكاليف إليه. وهكذا كان، فقد كان أول تكليف وجه إلي هو الإمساك عن شجرة معينة في تلك الجنينة. والذي مثل عدم الامتثال له بالنسبة إليه هزة روحية كبيرة، زرعت الإحساس بالمسؤولية في نفسه، فتكامل وعيه وازدادت خبراته، وتعلم الأسماء وأصبح مؤهلاً للخروج من الجنة إلى الأرض ليمارس دور الخلافة عليها، والتي ابتدأتها الجماعة البشرية كأمَّة واحدة وأنشأت المجتمع الموحد الذي يقوم على أساس الفطرة ﴿فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله.
وقد كان خط الشهادة ممثلاً بالأنبياء عليه الصلاة و السلام، قائماً إلى جانب خط الخلافة وذلك للإشراف والتوجيه والتدخل إذا تطلب الأمر.
وبعد فترة من الزمن على ممارسة الإنسان لخلافته من خلال المجتمع الموحد، وبعد أن نمت خبرات الأفراد وتوسعت إمكاناتهم، وظهر التفاوت في مواهبهم وقابلياتهم تحققت نبوءة الملائكة بظهور الفساد وسفك الدماء واستغلال القوي للضعيف، فانقسم المجتمع إلى أقوياء وضعفاء ومن ثم إلى مستغلين ومستضعفين، وانفصمت عرى المجتمع الموحد. وصدق قول الله عز وجل إذ قال: ﴿وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.
 

هنا يرى السيد الشهيد إن الثورة على هذا الظلم والاستغلال والجشع عند المستكبرين وإعادة مجتمع التوحيد، لا يكون إلا على أيدي الأنبياء، "فالوحي وحده هو القادر على أن يؤمن التربية الثورية والخلفية النفسية الصالحة التي تنشئ ثائرين لا يريدون في الأرض علواً ولا فساداً، وتجعل من المستضعفين أئمة لكي يتحملوا أعباء الخلافة بحق، ويكونوا الوارثين".
والذي تفرضه ضرورة الثورة هو تسلم النبي الرسول الخلافة العامة، وذلك حتى يحقق للثورة أهدافها في القضاء على الجاهلية والاستغلال، وبذلك يندمج خط الشهادة وخط الخلافة في شخص واحد هو النبي.
ويأتي من بعده الوصي الذي يمارس وصايته على الثورة. وذلك أن شوط الثورة أطول عادة من العمر الاعتيادي للرسول القائد. ولا بد من أجل الحفاظ على الثورة من امتداد دور النبي، في قائد رباني يكمل دوره في تربية الجماعة وإعداد الأمة وممارسة دور الشهيد عليها في نفس الوقت.
هنا انتقل المؤلف إلى المرحلة الثالثة من مرحلة الشهادة، وهي مرحلة المرجعية التي هي امتداد لخط النبوة والإمامة ودور المرجع في هذه المرحلة هو دور الشهيد الرباني على الأمة، الذي يضمن عدم انحرافها ويشرف على سلامة مسيرتها ويحدد لها معالم الطريق من الناحية الإسلامية.

* منابع القدرة في الدولة الإسلامية:
في هذا الجزء من السلسلة بحث المؤلف في القدرات الهائلة التي تتميز بها الدولة الإسلامية في مجال التطوير الحضاري للأمة، والقضاء على أوضاع التخلف، فرأى أن إقامة الدولة الإسلامية ليست ضرورة شرعية فحسب، بل هي ضرورة حضارية، وذلك لتميز الدولة الإسلامية بميزتين رئيسيتين هما:
1- التركيب العقائدي للدولة.
2- التركيب العقائدي والنفسي للفرد المسلم في واقع عالمنا الإسلامي.
فالتركيب العقائدي للدولة الإسلامية يتميز بوعيها لهدفها الذي تتجه نحوه وهو الله سبحانه، والذي يشكل بدوره الوقود والزخم في اندفاعتها، وذلك إنه هدف مطلق غير محدود. والهدف المطلق لا تخمد جذوته، بل هي في حالة انقاد دائمة وإشعاع مستمر.

كما يتميز بأخلاقيته، وتحريره للإنسان من الانشداد إلى الدنيا ومغرياتها، وإرادته له أن يكون سيداً لها لا عبداً. ومن أجل ذلك عمد الإسلام إلى تبيان حقيقة الدنيا في القرآن الكريم، وفي الأحاديث الشريفة.
وللتركيب العقائدي للدولة الإسلامية أيضاً مدلولات سياسية تقوم بأدوار عظيمة في تنمية الطاقات الخيرة لدى المرء، وتوظيفها لخدمة الإنسان. منها استئصال الدولة الإسلامية لكل علاقات الاستغلال الاقتصادية والفكرية والسياسية التي تسود المجتمعات.
ومنها الوضع الواقعي الذي يعيشه الحاكم والحاكمون كمواطنين اعتياديين في الأمة في حياتهم الخاصة، من المساواة بينهم وبين رعيتهم.
وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام حين قال: "أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر".
ومنها أيضاً تعامل الدولة الإسلامية على الساحة الدولية على أساس الحق والعدل ونصرة المستضعفين، لا على أساس الاستغلال وخداع الناس تحت هذه العناوين البرّاقة.
وبالانتقال إلى تركيب الفرد المسلم في واقعنا المعاصر، عرض المؤلف للنقاط التي تؤكد أوحدية الدولة الإسلامية في تقديم المركب الحضاري للإنسان، وتبرهن على قدرات التحريك والبناء الهائلة التي يمكن توفيرها

عن طريق الدولة الإسلامية وهذه تتمثل بـ:
1- الإيمان بالإسلام: الذي يعد الخصيصة الثالثة للأمة الإسلامية بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف تنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.. (آل عمران/110) وذلك تأكيداً على معنى الإيمان الحقيقي الذي ليس هو عبارة عن عقيدة منحطة في القلب، بل هو شعلة تتقد وتشع بضوئها على الآخرين.
 

2- وضوح التجربة والارتباط العاطفي بتاريخها:
فالدولة الإسلامية وحدها التي قدمت النموذج الواقعي للبناء الذي دعت وتدعو إلى المساهمة في تشييده، وهو عصر الرسول صلى الله عليه و آله وعصر الإمام علي عليه الصلاة و السلام المشرقين والمشعرين بالعزة والفخر والكرامة.
وهذا النموذج على حد تعبير المؤلف "يجعل الفرد المسلم- في إطار التعبئة الحضارية الإسلامية- مطمئناً إلى طريقه، واثقاً بهدفه وقادراً في نفس الوقت على تمييز سلامة المسيرة والإحساس بانحرافها". وذلك أن المقياس الموضوعي الذي يحكم به على سلامتها أو انحرافها موجود ليه.
 

3- نظافة التجربة وعدم ارتباطها بالمستعمرين:
حيث أن شعور المسلمين بالنظافة المطلقة للتجربة وبأصالتها وبأمجادها يشكل عاملاً ضخماً في انفتاحهم على عملية البناء الحضاري الذي يقوم على أساس الإسلام وفي تحقيق مكاسب كبيرة في المعركة ضد التخلف.
 

4- امتصاص المحافظين لحركة البناء الجديد:
فحركة التحديد التي تقوم على أساس الإسلام وحدها- دون سواها من الحركات التجديدية الأخرى- قادرة على امتصاص المحافظين من أبناء الأمة وتوعية الجماهير على حقيقة الدين ودوره، وذلك لما لها من معرفة بالإسلام وبتعاليمه، وقدرة على التمييز بينه وبين السنن والأعراف الاجتماعية التي وضعتها عوامل ومؤثرات مختلفة في المجتمع.
 

5- التطلع إلى السماء ودوره في البناء:
وذلك إن الإنسان المسلم لا يتطلع إلى السماء بمنحى عن الأرض ليتحول هذا الموقف لديه إلى موقف سلبي، وإنما كان يلبس الأرض إطار السماء ويعطي العمل مع الطبيعة صفة الواجب ومفهوم العبادة. مما جعل هذه النظرة الغيبية لديه طاقة محركة وقوة تدفعه لرفع مستوى الحياة بأكبر قدر ممكن، وبهذا فالدولة الإسلامية "لا تنتزع من الإنسان نظرته العميقة إلى السماء، وإنما تعطي له المعنى الصحيح للسماء، وتسبغ طابع الشرعية والواجب على العمل في الأرض بوصفه مظهراً من مظاهر خلافة الإنسان على الكون، وبهذا تجعل من هذه النظرة طاقة بناء، وفي نفس الوقت تحتفظ بها كضمان لعدم تحول هذه الطاقة من طاقة بناء إلى طاقة استغلال.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

العراق/البصرة

إياد الإمارة

2019-12-19 07:09:56

موضوع جميل جدا وعرض أجمل نحن احوج ما يكون له في هذه المرحلة.