نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراءة في كتاب: الإسلام يقود الحياة (2)

للشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر

نستكمل- عزيزي القارئ‏- في هذا العدد متابعة القراءة في كتاب"الإسلام يقود الحياة" لنعرض جزءين آخرين منه، هما"صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي" و"خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي"، اللذان يسلطان الضوء على المعالم الاقتصادية في الإسلام، ويعطيان صورة واضحة عن المنهاج الاقتصادي الذي تطرحه رسالة الله في الأرض. وكان المؤلف آية الله السيد محمد باقر الصدر قد ألفهما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.


* صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي:
ابتدأ المؤلف الكلام في هذا الجزء بالسؤال عن أهلية الإسلام ليكون منهجاً للحياة، ليرد عليه بالإيجاب، لكون الإسلام كما ثورات الأنبياء جميعاً- ثورة لا تنفصل فيها الحياة عن العقيدة والوجه الإجتماعي عن المحتوى الروحي، ولكونه يهدف إلى تحرير الإنسان وتحرير الكون اللذين يعرفان بالجهادين الأكبر والأصغر.
 

ويسترسل المؤلف في الإجابة على هذا السؤال بذكر مميزات ثورات الأنبياء بما فيها ثورة خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله و سلم التي تتمثل ب:
1- عدم وضعها مستغلاً جديداً في موضع مستغل سابق، ولا شكلاً من أشكال الطغيان بديلاً عن شكل آخر، لأنها ترفض مبدأ الاستغلال بالمطلق مهما يكن الذي يمثله.

2- إن صراع الأنبياء مع الظلم والاستغلال، لم يتخذ طابعاً طبقياً كما واقع الكثير من الثورات الإجتماعية. بل كان ثورة إنسانية هدفها الأول تحرير الإنسان من داخل، الذي يمثل البنية التحتية لتلك الثورة، ومن ثم يعقبه بتحريره إجتماعياً.

بعد ذلك انتقل إلى الكلام عن خلافة الإنسان ودوره كخليفة مستأمن على مصادر الثروة. فرأى أن الاستخلاف يتم على مرحلتين:
1- استخلاف للجماعة البشرية الصالحة ككل، على ثروات الكون وطاقاته ونعمه الموفورة، على أن تكون مسؤولة أمام الله تعالى بحكم هذا الاستخلاف في أمرين:

أ- العدل في توزيع الثروة بين أفراد الجماعة البشرية.

ب- العدل في رعاية الثروة وتنميتها. وذلك ببذل مجمل طاقاتها في استثمار الكون واعمار الأرض وتوفير النعم.
 

2- استخلاف الافراد، الذي يتخذ شكل الملكية الخاصة والتي هي استخلاف للفرد من قبل الجماعة، والتي لا يمكن أن تقر إذا ما تعارضت مع خلافة الجماعة، أو إذا ما اتخذت أداة للإضرار بالجماعة.
أما عن أهداف الخلافة، فقد رأى السيد الشهيد أن الإسلام أحدث ثورة عظيمة في تغيير المفاهيم والتصورات التي كانت سائدة عن الخلافة وأهدافها. فجعل العمل الصالح والتنافس عليه هدفاً أول في منظور الإنسان المسلم، يؤدي به إلى الخلود، بعد أن كان تجميع الثروة والمال في العصور الجاهلية هو المعيار في الخلود والبقاء.


ورداً على الشبهة التي أثارها بعض المشككين، والتي تقول بأن الإسلام ثابت والحياة متغيرة متطورة، فكيف يمكنه معالجة مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية التي بلغت شأواً مهما من التقدم والتطور.
يجيب المؤلف بأن هناك عناصر ثابتة في الإسلام تتعلق بالمسائل الاقتصادية وعناصر أخرى متحركة تستمد على ضوء طبيعة المرحلة في كل ظرف من المؤشرات الإسلامية العامة التي تدخل في نطاق العناصر الثابتة. وباندماج كل من هذين النوعين من العناصر في تركيب واحد تسوده روح واحدة وأهداف مشتركة، يستكمل اقتصاد المجتمع الإسلامي.

بعد ذلك انتقل المؤلف إلى الكلام عن المؤشرات العامة التي تشكل أساساً في الصورة الكاملة لإقتصاد المجتمعات الإسلامية. وهذه تتمثل بـ:

أ- اتجاه التشريع: والمقصود به الهدف المشترك لكل الأحكام المنصوصة في الكتاب والسنة التي تتضمنها العناصر الثابتة للإقتصاد الإسلامي. فيكون هذا الهدف بمثابة مؤشر ثابت ينبغي المحافظة عليه، وقد يتطلب ذلك وضع عناصر متحركة تكفل بقاءه واستمراريته.
وقد ضرب المؤلف الكسب، الذي لا يقوم على أساس العمل، كمؤشر ثابت لعناصر متحركة في الاقتصاد الإسلامي تشكل بمجموعها اتجاهاً تشريعياً.

ب- الهدف المنصوص لحكم ثابت: كنصوص الزكاة التي صرحت الهدف منها، والذي ليس هو سد حاجات المعوزين فحسب، بل هو إعطاء الفقير المال لإلحاقه بالمستوى العام الذي يعيشه كافة أفراد المجتمع.

ج- القيم الاجتماعية التي أكد الإسلام عليها، وهذه من قبيل المساواة والعدل والأخوة التي تشكل أساساً لاستيحاء صيغ تشريعية متطورة ومتحركة وفقاً للمستجدات والمتغيرات، تكفل تحقيق تلك القيم وفقاً لصلاحيات الحاكم الشرعي في مل‏ء منطقة الفراغ.

د- اتجاه العناصر المتحركة على يد النبي أو الإمام: والتي تحمل الروح العامة للإقتصاد الإسلامي. وبما أنها ذات دلالة ثابتة، فعلى الفقيه أن يستفيد منها كمؤشر ليحدد من خلالها العناصر المتحركة.

هـ- الأهداف التي حددت لولي الأمر: والتي تشكل الأساس لرسم السياسة الاقتصادية وصياغة العناصر المتحركة في الاقتصاد الإسلامي.

* خطوط تفصيلية عن اقتصاد المجتمع الإسلامي:
في هذا الجزء من السلسلة، عرض المؤلف للكلام عن الأحكام الإسلامية التي تعطى من خلال صورتين: كاملة ومحدودة. الكاملة هي التي تعطى في حالة مجتمع كامل يراد بناء وجوده وإقامة اقتصاده وخلافته على أساس الإسلام وضوء شريعته. والمحدودة هي التي تعطى في حالة فرد متدين ملتزم بالإسلام، يعيش في مجتمع غير ملتزم به ومتبنٍ لعقائد وأيديولوجيات وأنظمة اجتماعية أخرى.
وبعد أن ذكر الاختلاف بين كل من الصورتين، وذكر الهدف من تقديم الصورة المحدودة في أكثر الرسائل العملية، عرَّج إلى طرح عناصر الصورة الكاملة، والسؤال عنها الذي يفرض بدوره ملاحظة العلاقات التي يمارسها الإنسان في حياته الاقتصادية، والتي هي على نوعين مختلفين:
1- علاقاته مع الطبيعة المرتبطة بعملية الإنتاج بأشكالها المختلفة.
2- علاقاته مع الإنسان الآخر المرتبطة بعملية التوزيع التي تحدد طريقة اشتراك أفراد المجتمع في خيرات الطبيعة.

وبعد أن بيَّن المؤلف شجب الإسلام للنظرية الماركسية التي تقدم علاقات الإنتاج على علاقات التوزيع، ومصلحة الإنتاج على مصلحة الإنسان، والتي يمكن أن تبدل الميزان الاجتماعي وعلاقات التوزيع كلما تغيرت وتبدلت علاقات الإنتاج، بيَّن وجهة النظر الإسلامية في هذا المجال التي تقيم علاقات التوزيع لا على أساس علاقات الإنتاج، بل على أساس قيم إنسانية وربانية، قائمة على الحق والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية، وترفض كل ألوان الظلم والتسلط والاستغلال.

هذا وقد قسم الإسلام عناصر المجتمع إلى ثلاثة أقسام:
1- عناصر ثابتة تنظم علاقات التوزيع على أساس العدالة الاجتماعية وخلافة الإنسان على الأرض. وهذه من قبيل الأحكام المنصوصة في القرآن والسنة أو المستخلصة منها.
2- عناصر متحركة في مجال التوزيع وتنظيم علاقته، تتحرك وتتغير حسبما تقتضيه الضرورة والمتغيرات العملية.
3- عناصر متحركة في مجال الإنتاج وتحسينه وتطوير أدواته وتنمية محصوله. وهذه العناصر متطورة بطبيعتها، وذلك لارتباطها بالخبرة البشرية التي هي في حالة تطور مستمر.
بعد هذا التقسيم، عرض المؤلف لتعريف بعض المصطلحات الاقتصادية العامة، ومن ثم للمعالم الرئيسية في الصورة الكاملة لإقتصاد المجتمع الإسلامي، وتناولها في عدة أبواب:

الباب الأول: التوزيع الأولي لمصادر الثروة الطبيعية:
والثروة الطبيعية في الإسلام تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
1- مصادر الثروة الطبيعية من أراضٍ ومعادن وأنهار ومجارٍ وعيون ماء، التي تعرف بالأموال غير المنقولة. وهذه تدخل في القطاع العام، ويكتسب الأفراد الحقوق الخاصة بالانتفاع بها، على أساس العمل وحده الذي يتمثل في الأحياء، ويراد به العمل المباشر لا التوظيف الرأسمالي.

2- الثروات الطبيعية أخرى المتفرقة في الكون كالحيوانات والنباتات والأخشاب والأحجار... الخ من الأموال المنقولة. وهذه مباحة لأفراد المجتمع جميعاً ينتفعون بها عن طريق الانتقال من العامل بإرث أو معاوضة أو غير ذلك من نواقل الملك.

الباب الثاني: الإنتاج وكيف يتم توزيع منتجاته:
أ- الإنتاج وأهميته في الاقتصاد الإسلامي: وهذه تتبلور من خلال خدمة الإنتاج للإنسان، وليس من خدمته للإنتاج كما في النظام الرأسمالي فالإنتاج في النظام الإسلامي هو وسيلة إيجاد الرخاء والرفاه، وتمكين العدالة الاجتماعية من أن تأخذ مجراها الكامل في حياة الناس وشرط من شروط تحقيق الخلافة الصالحة على الأرض، وأهدافها الرشيدة في بناء مجتمع التوحيد.

ب- الإنتاج الأولي وكيف يتم توزيع منتجاته: فتوزيع الثروة المنتجة في الإنتاج الأولي تقوم على أساسين: أحدهما العمل المباشر وثانيهما حاجة الدولة أو الجماعة لجزء من الثروة المنتجة، لتغطية حاجات الجماعة ومصالحها العامة، وتستأصل في الإسلام كل أشكال الإنتاج الرأسمالي.

ج- الإنتاج الثانوي وكيف يتم توزيعه: في مجال الإنتاج الثانوي لا يعطي الإسلام حرية التصرف في الإنتاج الأولى والمادة الأولى التي أنتجها العالم دون إذنه أو الاتفاق معه. فالعامل في الإنتاج الثانوي لا يملك القيمة التبادلية للسلعة- كما في المذهب الماركسي- حيث أن القيمة التبادلية للسلعة تستمد من منفعتها وندرتها الطبيعية كالذهب، لا من الندرة المصطنعة التي يصطنعها المحتركون عند إخفائها من الأسواق، وعلى الدولة في هذا المجال، التدخل لمقاومة المحتكرين وتحديد الأسعار بصورة تعيد فيها التوازن الاجتماعي إلى ربوع المجتمع.

الباب الثالث: التبادل والاستهلاك:
في هذا الباب عرض المؤلف لما كانت عليه سيرة الإنسان الاقتصادية في السابق، من المقايضة القائمة على الإنتاج الذي لا ينفصل عن الاستهلاك، ومن ثم ظهور النقد الذي ألغى عملية المقايضة وحقق كسباً جديداً في عملية المبادلة، والذي مهد الطريق لظهور عمليات الاحتكار لدى المتمولين الكبار. فبيّن اتجاه الإسلام إلى منع ادخار النقد واكتنازه، وإلى منع أي كسب تولده الأثمان الاحتكارية للنقد، بما في ذلك الفوائد الربوية، وذلك أن استخدام أموال الغير لا يجيز أخذ الأجرة عليها، لأن ذلك لا يفتت أو يذهب من قيمتها شيئاً.
ليس هذا فحسب، بل إن السياسة الاقتصادية الإسلامية تتجه إلى تضييق الهوة بين المنتج والمستهلك، واستئصال دور عملية المبادلة نفسها كأساس للكسب بصورة منفصلة عن الإنتاج والعمل.
كما عرض للكلام عن وجهة نظر الإسلام في طريقة صرف واستهلاك الأموال التي تدعو إلى اتباع الطريق الوسط في ذلك دون تجاوز مستوى الرخاء العام للجميع وللدولة.

الباب الرابع: مسؤوليات الدولة العامة:
في هذا الباب تناول المؤلف مسؤوليات الدولة تجاه الأفراد والثروات وهذه تتلخص في:
1- الضمان الاجتماعي الذي يكفل الحد الأدنى من الرفاه لجميع الأفراد.
2- التوازن الاجتماعي في المعيشة، بالتقريب بين مستويات المعيشة في الدخل بالمنع من الاحتكار وتركز الأموال.
3- استثمار القطاع العام بأعلى درجة ممكنة، ووضع سياسة عامة للتنمية الاقتصادية.
4- العمل المستمر في سبيل تقريب أثمان السلع نحو قيمتها التبادلية الحقيقية وذلك بمقاومة الاحتكار في كل ميادين الحياة الاقتصادية.

وأخيراً، ختم المؤلف بفقرات من دعاء التوسل، تجسد الصورة العظيمة للمجتمع في ظل الإسلام، عند ظهور دولة الحق على يدي الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن عجل الله فرجه الشريف .

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع