مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

مَعرفَة النّفْس

النفس هي جسم أم قوة مجرّدة

يجمع الأطباء وحسب التجارب على أنّ جميع أعضاء الجسم، من الدماغ الذي هو مركز الإدراكات النفسية وحتّى آخر أجزاء الجسم، تبدأ بالانحدار والتراجع نحو الضعف والانحلال من سن الثلاثين أو الخامس والثلاثين فما فوق، وقد نشاهد ذلك في حياتنا عبر معارفنا وأقربائنا حيث يدبّ الضعف والشيب في الجسم بعد القوة. بينما نلاحظ أن القوى العقلية والروحية تقوى وتزداد نضجاً واتزاناً، ويتضح من هذا أن القوى العقلية والمعنوية ليست مادية بخلاف جسم الإنسان. فلو كانت بخلاف ما نراه لانحدر نضج النفس بمجرد ضعف البدن والحال أنّه لا يوجد أيّ ارتباط.
 

وكذلك يجب القول بأنّ كثرة الأعمال البدنية والرياضة لا تجعل العقل قوياً وقوة التفكير لديه عالية، وذلك باعتبار أنّ الجسم بعد الفترة المذكورة يجهده العمل وأنّ هذا العمل يحرك عضلاته ويقويها إلاّ أنّ هذا أيضاً في تراجع فلا يعقل أن يكون ما هو سبب لضعف البدن سببّ لقوة العقل التي نفترض أنّها مادية. وعليه فإذاً العقل ليس ماديا ولا من آثار البدن.
وقد يعترض معترض قائلاً أنّ الفكر يضعف أيام الشيخوخة كما يضعف الجسم والجواب على هذا ليس له محل، وذلك لأنّه:
 

أولاً: لم يثبت العلم أنّ هناك قسماً معيناً من الجسم يبقى في حالة نمو حتّى سن الشيخوخة، فإذا بلغ هذا السن بدأ هذا القسم المعين من الجسم بالتراجع والضعف. وقد يظن هذا المعترض أنّ الجزء الصامد في الجسم حتّى هذا العمر المتقدم إنّما هو محل الإدراكات العقلية، ولكن كما ذكرنا فإنّ جسم الإنسان ليس فيه جزء لا يضعف، ولم يدع به أحد من علماء الطب أو خبراء التشريح.

ثانياً
: إنّ النفس إذا خرجت من قيود البدن وملكه والاهتمامات البدنية تصبح أكثر تجلياً في ذاتها، وكلما كانت القوى أقرب إلى عالم الجسم كلما كانت القوى أقرب إلى عالم الجسم كلما كانت أسرع إلى الضعف والوهن، وكلما كانت أبعد عن الجسم كلما كانت أبطأ في الضعف، وهذا ما نلاحظه بالنسبة للقوى المتجرّدة فهي تزداد قوة كلما كبر عمر الإنسان وهذا بدليل على أنّ النفس ليست جسماً ولا قوة جسمانية.

ثالثا:
هناك فوارق في الخصائص بين النفس وأفعالها وبين الجسم وخصائصه وآثاره بصورة تامّة, فمثلاً إذا رسمنا صورة على ورقة أو حجر أو أيّ جسم فإنّنا لا نستطيع رسم صورة أخرى على نفس المكان إذ لا بدّ أن نمحو الصورة الأولى حتّى يمكن حلول الثانية.
 

بينما النفس يمكن أن تدرك أكثر من صورة بينها تضاد دون زوال بعضها وأيضاً فإنّ الجسم نرسم عليه الصورة المحدودة والمتناهية. بينما النفس يمكن أن ترسم فيها صور غير متناهية وأيضاً أنّ الصور التي تمحى عن الجسم لا تعود إلاّ برسم جديد. بينما الصور بعد أن تغيب عن النفس فإنّها تعود بعمل من النفس ذاتها.
فإذاً النفس مجرّدة عن الجسميات، والجسميات هي التي يطرأ عليها الفساد دون المجردات، والنفس خالدة لا تموت بموت البدن بل تبقى في عالم آخر غير هذا العالم الجسماني، تكون فيه حيّة ترزق بحسب ما حظيت به من كمالات في عالم الدنيا، أو بما حظيت به من خسران وشرور.
 

لا بدّ أن نعرف أنّ للنفس حالات صحّة ومرض، وصلاح وفساد، وسعادة وشقاوة، ولكنّ الفساد الذي ذكرناه في البدن غير الفساد هنا. فالفساد كأس ملآن لا تسري إليه التحلّل والتفتت أو النقص بخلاف البدن والأجسام، نعم هذه الكأس يمكن أن تفسد وتتلوث ويمكن أن تكون أو تصبح نظيفة. وإنّ إدراك هذه المصالح والمفاسد لا يتسنّى إلاّ لله سبحانه، قال تعالى: ﴿وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر النحل/9.
وباعتبار أنّ الله سبحانه بديع الصنع تام النظام حكيم بصورة مطلقة محيط خبير بكلّ شيء فإنّه لا يمكن أن يهمل بيان طرق السعادة والشقاء، والهداية والصلاح، وطرق علاج أمراض النفوس وإلاّ لكانت اختلت الحكمة ولظهر العيب في نظام الوجود.

إنّ الشريعة الإلهية هي الدواء الخاص لهذه النفوس وهي لا توجد إلاّ عند الله سبحانه، لذلك ولعدم تمكن البشر جميعاً من التعرّف على أسرار هذه الرسالة من الغيب فقد كان لا بدّ أن يرسل الأنبياء بعد كلّ عدد من القرون ليعلم الناس كيف يهذبون أنفسهم ويصلحونها.
وأنّ التفكير في شريعة الإسلام، ودقتها وشمولتها لكافة شؤون النفس، في معرفة الأنبياء والملائكة باعتبارهم مصدر الشريعة وأساسها، وفي معرفة الخصال الحميدة وكيفية إصلاحها، وفي معرفة الأعمال الفردية والمدنية إنّما يجعلنا نقر بأنّ هذا الدين ليس من صنع بشر فالإسلام "يعلو ولا يُعلى عليه".
 

وهكذا فإنّ هذا الدين نزل وحياً على رجل أثبت التاريخ أنّه كان أمياً ولم يكن هناك سبيل لأن يصلنا شيء إلاّ بواسطة الوحي والإلهام وهكذا كان.
لذلك فقد تبيّن لنا أنّ سبيل معرفة النفس إنّما هو بمعرفة التشريع، والالتزام بالتكليف الذي تكون فيه الواجبات في الطليعة، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: "ما عبد الله بشيء أفضل من الفقه في الدين". ولا تذهب بأحد المذاهب فليس الفقه في الدين إلاّ معرفة كلّ جوانبه غير منقوص، والفقيه كلّ الفقيه من التزم رضا الله سبحانه، قال سبحانه في حديث قدسي لنبيه محمد وهو في المعراج:
فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال، أعرفه شكراً لا يخالطه الجهل، وذكراً لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين. فإذا أحبني أحببته، وافتح عينه وقلبه إلى جلالي، ولا أخفي عليه خاصّة خلقي، وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتّى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم وأسمعه كلامي وكلام ملائكتي، وألبسه الحياء حتّى يستحي منه الخلق كلهم، ويمشي على الأرض مغفوراً له، واجعل قلبه واعياً وبصيراً، ولا أخفي عليه من جنة ولا نار وأعرفه ما يمر على الناس في القيامة من الهول والشدة وما أحاسب به الأغنياء والفقراء والجهال والعلماء، وأنومه في قبره وأنزل عليه منكراً ونكيراً حتّى يسألاه ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع ثم انصب له ميزانه وانشر ديوانه ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشوراً ثم اجعل بيني وبينه ترجماناً فهذه صفات المحبين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع