لم يعد مقبولاً أبداً أن يدسّ المرء رأسه في الرمال أمام مشكلات الشباب النفسية والجنسية حيث أصبحت تطرح في العالم ولدى علماء الاجتماع التربوي وعلماء النفس الاجتماعي على أعلى المستويات وأوسع الدوائر، فضلاً عن علماء الصحّة. إذ باتت تنذر هذه المشكلات بمخاطر على كيان المجتمعات وأمسى من الجدير بنا التحدّث بصراحة وعناية في هذا الموضوع.
يواجه الشباب اليوم من كلا الجنسين مشكلات نفسية واجتماعية كبيرة وباعتبار طراوة أعوادهم وقلة تجربتهم، فإنّ هذه المشاكل دفعت بالكثيرين منهم نحو الانحراف والشذوذ، حيث لم يجدوا في هذا الدرب المحفوف بالمخاطر من يقف إلى جانبهم ويأخذ بأيديهم.
وبما أنّ غالب الآباء لا يقدّرون مخاطر هذه المرحلة فإنّهم يهملون دورهم في رعاية وتوجيه أبنائهم إلى جانب أنّهم لا يمتلكون العلاج لهذه المشكلات. وللإسلام في هذا المجال كلمة فاصلة وحكيمة تقوم على أساس أمرين اثنين:
ا
لأمر الأول: الإقرار بالمشكلة النفسية والاجتماعية، أو بالأحرى، الإقرار بالجذر الأساسي للمشكلة والمتمثل بالمتطلبات العاطفية والجنسية متوغلاً إلى الآثار التي يمكن أن تنجم عن أيّ حل خاطئ. بينما نجد أغلب الذين توجهوا لدراسة هذه المشكلات والبحث عن علاج لها قد غفلوا عن كثير من الجوانب المهمة والبالغة الدقة، مستجيبين في ذلك لفكرهم المحدود، فتوصلوا إلى حلول خرقاء شكلت هي بذاتها فيما بعد عنصراً جديداً في المشكلة، حيث اعتبرت لديهم الحرية الجنسية هي القاعدة الأساس لتلك الحلول، من دون النظر إلى ما يحصن النفس من الانحراف عن حاجاتها المتوازنة، فوقع الشباب في الضياع والمخدرات والأمراض المختلفة، والتي كان آخرها "الإيدز" فأدّى ذلك إلى انحلال للعائلة والمجتمع، ودفع بالكثيرين إلى حافة اليأس والانتحار.
لقد كان الحل كما تصوروا يكمن بالتفنّن اللامحدود بإيقاظ الغرائز فأودى بهم إلى حضيض التعاسة.
الأمر الثاني: وضع علاج متكامل وواقعي يتناسب ورؤيته الأخلاقية والاجتماعية، من دون أن يُشكل ذلك كبتاً، أو انحرافاً. معلناً صراحة، أن للشباب حاجات عاطفية وجنسية يمكن أن تشبع عبر زواج كريم ومتواضع، لا يحملهم مسؤوليات الزواج الدائم، ولا يتركهم نهباً للضياع.
ونستطيع أن نجاهر بالقول أنّ مجتمع الاختلاط الذي عليه شبابنا وشاباتنا، ومظاهر الإغراء والإثارة من شأنها أن تلهب الرغبات الجنسية بدلاً من أن تسدها، وتزيد من حجم المشكلة بدلاً من أن تحد منها.
لذلك فقد بتنا على قناعة تامة أن العلاج الذي يطرحه الإسلام هو العلاج المناسب، والذي بدأت البشرية بالبحث عنه، والسعي إليه، فالإنسان لا يستطيع أن يستغني عن القيم الاجتماعية والأخلاقية التي على أساسها بنى الإسلام روابطهُ الزوجية والاجتماعية.
وبالتأكيد فإنّ لذّة الجنس، بالصورة التي ينادي بتأجيجها الغرب لن تؤدي إلى السعادة والطمأنينة المرجوة بل على العكس.
وفي هذه المقالة سنحاول إلقاء الضوء على الجوانب المتعدّدة للمشكلة، والعلاج وعلى التجربة التطبيقية من الناحيتين السلبية والايجابية، بغية تكوين صورة وافية عن الموضوع.
* عندما يكبر الشباب
عندما يكبر الشباب، وتشبّ في نفوسهم نيران الشهوات وتلحّ عليهم الرغبات ماذا يمكنهم أن يفعلوا، أمور بالنسبة إليهم جديدة ولا يعرفون كيف يتعاملون معها، فالشباب والشابات لا يتلقون في الغالب أي توجيهات مفيدة قبل مرحلة البلوغ، ولا في أثنائها بينما كان على الأهل والمدرسة، ووسائل الإعلام أن يقوموا بدور أساس لتوجيه هذه العواطف والرغبات المتدفقة بالاتجاه الصحيح، وفي إطار تربوي وديني يؤمن لهم المناعة من الشذوذ في المتاهة. فقبل أن يبلغ الشباب سنّ الرجولة والأنوثة من المفترض أن يكونون قد تلقوا كمية لا بأس بها من الدروس والتوجيهات الدينية والأخلاقية بحيث تشكل ضوابط وقيود تساعدهم في مرحلة النضج الجسدي والنفسي على تقبّل أيّ توجيه مستقيم لهذه الطاقات، التي تعتبر طاقات طبيعية وأصيلة إذا ما تنبهنا إلى الهدف الذي من أجله غرسها الله في نفس الإنسان إلاّ انّه وللأسف فإنّ الشباب اليوم يترعرعون في وسط عائلتي لا يساعد على الاتزان في الميول بل على الإثارة والإغراء بأعلى درجاته ليفقد الشباب تدريجياً إرادتهم، بل وحتّى شعورهم بالحياء إلى الدرجة التي تنعدم معها أي قيمة للمسائل الأخلاقية ووسائل الإعلام فهي تقدم برامجها بلا أدنى رحمة تقليداً للغرب بينما يئنّ الغرب نفسه من نتائج ذلك، وعلى شبابنا المساكين تحمل تبعات كلّ ذلك الجو الملوث من العلاقات الشاذّة والمنحرفة عن طبيعة الفطرة الإنسانية الطاهرة ثمّ أنّنا بعد ذلك نشكو من الإيدز لست أدري كيف يكون ذلك؟" كما نستغرب كيف تحرم الكنيسة الزنا بينما لا تمنع من الاختلاط؟" ونتساءل: أوليس الاختلاط هو الذي أدّى فيما بعد إلى الزنا؟.
إنّه من غير الصحيح أبداً أن يبقى موضوعاً بهذه الأهمية من دون دراسة وإعادة نظر فيما الإيدز والمخدرات والتفسخ الاجتماعي تفتك بالمجتمعات الحديثة.
لنقل أنّ هناك حاجات فطرية صافية لا يطفئها إلاّ الحب النبيل والعواطف المتبادلة الصادقة.
ينقل آية الله مطهري في كتابه حقوق المرأة عن بروفسور أمريكي اسمه "ريك" قوله "خير جملة يمكن أن يقولها رجل لامرأة هي: عزيزتي إنّني أحبك" ويقول أيضاً: "تتلخص السعادة بالنسبة للمرأة في امتلاكها قلب رجل والاحتفاظ به طول عمرها" ويعلق الشهيد المطهري على هاتين الجملتين قائلاً: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا العالم النفسي الإلهي – أوضح هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرناً إذ قال: "قول الرجل للمرأة "أحبك" لن يذهب من قلبها أبداً".
إنّ هذه الرغبة في الارتباط المعنوي يرافقها رغبة أخرى للارتباط الجسدي وهو أمر طبيعي يشابه المصافحة بالكف أو المعانقة لبث معان عاطفية وإنسانية حميمة وإن هناك تكاملاً بين الأنوثة والرجولة، ما بين القوة والقدرة وما بين الرقة والحنان، وإنّ الله بثّ في الاثنين جاذبية متبادلة لتحصيل هذا التكامل فالأمر أبداً لم يكن عبئاً في الخلق، أمّا الذي يحصل في المجتمعات الحديثة فهو بعيد كلّ البعد عن هذه الأسرار الرائعة.
وإنّ هذه الآية البديعة في خلق الرجل والمرأة لم ترسم بريشة رسام لاعب حتى يترك لوحته فيما بعد تلوث بألوان مخيفة وممقوتة كألوان فيروس الإيدز، أو المخدرات واليأس، فالله أراد لهذه العلاقة أن تحصل في جو نظيف وطاهرٍ يضمن تحقيق أهداف إلهية سامية، ومن الطبيعي كلما حصلت مخالفة للأحكام والتوجيهات الإلهية في مجال العلاقة بين المرأة والرجل، نتج عن ذلك أنواعاً مختلفة من المشكلات النفسية والجسدية، وبالتالي الاجتماعية أيضاً.
نستطيع أن نسميه بالإيدز الاجتماعي، أي فقد المناعة المعنوية والروحية في المجتمع. وهذا ما يحصل بالضبط من جراء مخالفة التعاليم الإلهية، والقرآن الكريم يؤكد ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ﴿... ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً﴾ الأحزاب /36.
وفي آية أخرى يقول: ﴿تلك حدود الله فلا تتعدوها ومن يتعدَ حدود الله فأولئك هم الظالمون﴾ البقرة / 229.
ونلاحظ في ذلك دقة متناهية في لوحة الخلق تأسر الألباب وتدفع نحو الخضوع لرب العالمين والخالق العظيم.
وإنّ هناك أسراراً نفسية وتربوية دفينة في أعماق الإنسان لا يستطيع بلوغها بغير العناية الإلهية.
وقد وقع الغرب في الوادي السحيق عندما آمن بجواز اندثار الخلية الاجتماعية على اعتبار أنّ الغاية كما توهم هي التناسل واللذة ليس إلا، وهو أمر يتأتى عن غير طريق، كالمصاحبة والمساكنة ولكن أين تصبح يا ترى هذا المجتمع اليوم؟
للبحث صلة