تحقيق: فاطمة بزيع
التعبئة هي مظهر عظمة الشعب والقوّة الذاتيّة الفعّالة، وهي الحضور وسط الناس في مجالات النشاطات الأساسيّة للوصول نحو هدف محدّد.
*التعبئة في حزب الله: قراءة في التجربة والنموذج
ما بين التعبئة في إيران والتعبئة في لبنان نقاط تشابه ورسالة سامية مشتركة: توأمة العلم والجهاد وتوأمة التربية والإيمان للنهوض بمجتمع ناجح وتعزيز القيم الدينيّة والإنسانيّة وتعميم ثقافة المقاومة، والتزام القضايا الكبرى للوطن والأمّة، والتمهيد لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
والتعبئة التربويّة في حزب الله تتميّز بطابعها الشبابي التطوعيّ. وهي تؤمن بأنّ الشخصيّة التعبويّة يجب أن تجمع ما بين العلم والجهاد. فالالتزام الدينيّ لا ينفصل عن المثابرة في التعلّم وبلوغ درجات العلم العليا.
فماذا أضافت التعبئة التربويّة في لبنان للطلاب الجامعيين على اختلافهم من خدمات وأنشطة وخبرات؟ وكيف ينظر المنتسبون للتعبئة إلى مفهوم التطوّع؟
*شهادات لطلاب جامعيين
أ- كيف يتعرّف الشباب الجامعي إلى التعبئة التربويّة؟
"تعرّفتُ إلى التعبئة التربويّة من خلال أنشطتها في الجامعة"، تؤكّد بتول (21 سنة خريجة في العلوم السياسيّة). أمّا محمد (21 سنة، سنة ثانية محاسبة) فقد تعرّف إلى التعبئة التربويّة "من خلال دورة ثقافيّة صيفيّة نظّمتها في الجامعة". وأمّا حوراء (19 سنة، سنة ثانية حقوق) فتعتبر أنه "من خلال الدورات والندوات والرحلات والأنشطة الثقافيّة والترفيهيّة في مختلف المجالات تسنّى لي التعرّف إلى أشخاص يحبّون نشر الثقافة والتعاليم الدينيّة السامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأجمل الأساليب العلميّة والفكريّة والسلوكيّة".
ب- ماذا أضافت التعبئة التربويّة للشباب الجامعي؟
بتول ترى أنّ "للتعبئة فوائد ثقافيّة ودينيّة وعلميّة ورياضيّة وحتى ترفيهيّة في حياة الشباب الجامعيين. فقد أضافت لي نوعاً من الترابط مع زملائي. والأهم أنها حمّستني لفكرة التمهيد للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف".
بينما يرى محمد أنها "أضافت لنا، كطلاب جامعيين، المزيد من الفرص للتعرّف إلى أناس يخوضون في الميادين الدينية والثقافية. كما ساهمت في أن نتعرّف إلى أمكنة دينيّة في لبنان". في حين أنّ علياً (22 سنة، سنة ثالثة معلوماتيّة) يؤكّد أنها ساهمت "في تنمية اهتمامي للدور الذي عليّ أن أقوم به في المجتمع". أمّا غادة فتعتبر أنّ وجود التعبئة التربويّة في الجامعة يفيد "بكونها تعكس الأمان والهيبة".
ج- نظرة الشباب الجامعي إلى التعبويين
"مندوبة التعبئة في كليّتنا جديرة بالمهمة الموكلة إليها، وهي محل ثقة ومثال الشخص المتواضع. وهي حاضرة لحلّ المشاكل التي يمكن أن تعترضنا في الجامعة"، تجيب غادة لدى سؤالها عن شخصيّة مندوبة التعبئة التربويّة في الجامعة.
أمّا محمد فيقول: "مندوبو التعبئة في كليّتنا يتميّزون بالنظام والمثابرة وخدمة الآخرين"، لتُكمل حوراء: "فهم بتأديتهم لواجباتهم الدينيّة والدراسيّة والتعبويّة بانتظام ودون كلل أو ملل يؤثرون في الطلاب الآخرين. والشخص التعبوي إنسان ملتزم يعرف ما يريده ويدرك تماماً الغاية التي يريد الوصول إليها".
ويضيف علي: "الإنسان التعبوي يكرّس عمله لتثبيت أسس التعبئة، وهو يعزّز الفكرة لدى الناس ويحثّهم على هذا الطريق. مندوب التعبئة في كليّتي كفوء ويقوم بالواجب وأكثر، ويخدم الجميع في أيّ وقت وهو محط ثقة".
*مفهوم التطوّع لدى التعبويين
أ - هكذا انتسبوا
انتسبت وعد المصري (مندوبة التعبئة التربويّة في كليّة الإدارة في الجامعة اللبنانيّة، 21 سنة) إلى التعبئة التربويّة منذ العام 2007 وكان عمرها 15 سنة، نتيجة تأثّرها بنشاط نُظّم في مدرستها. وفي المرحلة الثانويّة أصبحت وعد مندوبة للتعبئة على مدى عامين متتاليين. وواصلت مشوارها في الجامعة، وهي اليوم مندوبة التعبئة التربويّة في كليّة الإدارة في الجامعة اللبنانيّة للسنة الثالثة على التوالي.
من جهته يعتبر علي حسن محمد (طالب ماجيستير إدارة أعمال في الجامعة اللبنانيّة) أنّ الانضمام إلى الأفراد التعبويين عندما كان طالباً في السنة الجامعيّة الأولى هو توفيق إلهي. "وكان لي كلُّ الشرف بذلك"، يضيف علي.
بدورها كانت نادين حمدان (مندوبة كليّة الحقوق في التعبئة التربويّة، 22 سنة) في السنة الثانية في الجامعة حين تعرّفت إلى التعبئة التربويّة، وذلك عبر نشاط خُصّصَ لتكريم المحجبات الجديدات.
من هنا أحبّتْ نادين المشاركة بأنشطة التعبئة التربويّة وانتسبتْ إليها. "فالتعبئة التربوية فتحت لي آفاق التطوّر والتنوّع في العمل التطوعي، فمن أمينة سر إلى مندوبة في كلية الحقوق والمسؤولية اليوم أكبر".
ب - تقييم التجربة
تعتبر وعد أنّ دورها كمندوبة للتعبئة وضعها أمام مسؤوليّة كبيرة. مضيفةً أنّ "هذا الدور أتاح لي فرصة التآخي مع كل الأخوات والتعامل معهنّ على أنهنّ زميلات ورفيقات في العمل التعبوي، ولسنَ عناصر تحت سلطتي أو إمرتي". وتضيف وعد أنّ "على المندوبة التعامل مع الأخوات كأخت كبرى لهنّ. وهي تسعى دائماً إلى كسب ثقة أفراد الفريق، وتعمل على إرشاد الأخوات ضمن متابعات جماعيّة أو فرديّة".
أمّا علي فيرى أنه "من خلال تجربتي مع التعبئة في السنوات الأربع الماضية تعلّمتُ الكثير عن أهدافها التي عملنا على تحقيقها في الكليّة والحمدلله".
من جهتها تشير نادين إلى أنّ التعبويين يؤثّرون على المستويات الثقافيّة والدينيّة حيث يحثّون الطلاب على المشاركة في الدورات الدينيّة. أمّا من الناحية العلميّة والعمليّة " فخدماتنا كتعبويين تختلف من كليّة لأخرى. فمثلاً نحن في كليّة الحقوق نقدّم لطلاب الحقوق المتخرّجين إمكانيّة التواصل والاستعانة بخدمات وخبرات محامين ينطوون ضمن نقابة المهن الحرّة. في بعض الكليات الأخرى تعمل التعبئة التربوية على تأمين دروس خصوصيّة خلال الصيف".
وعد تؤكّد أنّ مسؤوليّة مندوبة التعبئة كبيرة لكونها المرآة التي تعكس هذه التعبئة. ولذلك يجب أن تتّسم شخصيّة المندوبة أو الإنسان التعبوي بشكل عام بالسلوكيّات الإسلاميّة المتّزنة بعيداً عن الأهواء الشخصيّة. فالجامعة يقصدها طلاب من مختلف الطوائف والانتماءات السياسيّة والفكريّة والاجتماعيّة، وقد يتأثّرون بعناصر التعبئة. والمندوب أو المندوبة هما دائماً محط أنظار الأصدقاء ومن نختلف معهم . فـ"الأول يتابعنا للتأسّي، والثاني ينتظر هفواتنا بفارغ الصبر للتصويب إلى رسالتنا الأصيلة والأساسيّة، ألا وهي بناء جيل مُتعلّم ومجاهد والتمهيد للظهور". لذلك تشدّد وعد على أهميّة أن يضحّي مندوب التعبئة بما هو من حقّه أحياناً في سبيل تفادي أيّ انتقادات قد تسيء إلى الجهة التي يُمثّلها (أي التعبئة التربويّة).
ج - في عيون المتطوّعين
"مفهوم التطوّع ليس بالأمر الجديد" وفق ما ترى وعد، "والشخص المتطوّع يحمل رسالة في الحياة عليه تأديتها والبحث عن المكان الأنسب لتأدية هذه الرسالة. لذلك أشعر بأنه من خلال هذه المسيرة المقدّسة والتي تمهّد لظهور صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف على كل إنسان أن يعمل بطريقة أو بأخرى في سبيل هذا الهدف السامي".
على صعيد الجو العام في الكليّة يُلفت علي إلى أنّه تعلّم كيفيّة خلق البيئة الإسلاميّة السليمة وتحصين الساحة الجامعيّة من أشكال الانحراف من خلال نشر الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل عبر إحياء المناسبات الدينيّة وإجراء المسابقات، وعبر الدروس الثقافيّة بالإضافة إلى دعم المقاومة الإسلاميّة.
أمّا على الصعيد الشخصي فيقول علي: "كان لتجربتي مع التعبئة التربويّة دور كبير في التأثير في شخصيّتي من خلال تنمية روح التعاون والتضحية والإيثار عندي من أجل تجسيد الشعار الذي رفعه سيّد شهداء المقاومة الإسلاميّة السيّد عبّاس الموسوي قدس سره "سنخدمكم بأشفار عيوننا" فعلاً لا قولاً، بالإضافة إلى تنمية حسّ المسؤوليّة لديّ اتجاه هذا النهج والخط المبارك الذي عمّدته دماء الشهداء الزاكية".
عند نادين "مفهوم التطوّع في التعبئة ينضوي تحت شعار خدمة الطلاب من النواحي الدينيّة والثقافيّة والتعليميّة وغيرها". وتضيف: "التطوّع يُلغي الأنانيّة لدى الفرد. بمعنى بدل أن أقول: "أنا أريد... أنا أرغب..." يصبح التوجّه "ماذا أفعل للأخوات؟ ماذا تحتاج الأخوات؟ كيف أحسّن ظروفهن؟ كيف أُرغبهنّ بهذا الموضوع أو ذاك؟" هنا يصبح تفكير المتطوّع شاملاً، فلم يعد التفكير على صعيد فردي، بل على صعيد المجتمع".
هذا هو حال التعبئة التربويّة اليوم التي تعمل كخليّة نحل لا تكلّ ولا تملّ من خدمة الطلاب في ميادين عدّة على اختلاف انتماءاتهم الدينيّة والسياسيّة والفكريّة. فمن العام 1985 (تاريخ تأسيس التعبئة التربوية في لبنان) إلى العام 2014 تسعة وعشرون عاماً من الخبرة في مجال الشباب الجامعي حيث خرّجت هذه التعبئة آلاف الشباب إلى ميادين الحياة ودروبها الطويلة، لكن بحصانة أكبر وبإدراك أوسع وآفاق أبعد وأعمق.