مع الإمام الخامنئي | يا شعب لبنان الوفيّ نور روح الله | الوعي بوصلة المؤمنين قيم علوية| انشغل بعيوبك! تسابيح جراح | لن يقرب اليأس منّي أولو البأس | الخيام مقبرة غولاني الشهيد على طريق القدس عارف أحمد الرز («سراج)» تشييع السيّد يومٌ من أيّام الله طوفان المحبّين على العهد لن تأخذوا أسرارنا من صغارنا تذيع سرّاً تسفك دماً

المؤمن لا يذيع سرّاً

الشيخ موسى خشّاب

 

عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال بعد أن تلا هذه الآية: ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ﴾ (البقرة: 61)، «والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ولكنّهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأُخذوا عليها فقُتلوا، فصار قتلاً واعتداءً ومعصية»(1).

تبيّن هذه الرواية أنّ قتل القادة من النبيّين كان بسبب إذاعة السرّ وعدم الكتمان.

فإذا كانت إذاعة السرّ عادة مهملة، هل تهدد تقوى الإنسان وإيمانه؟!

* الكتمان سنّةٌ من ربّه
يمثّل الكتمان إحدى الخصال الثلاثة التي تشكّل الشخصيّة الإيمانيّة الصادقة، إضافة إلى المداراة والصبر، ففي الرواية الشريفة عن الإمام الرضا عليه السلام: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سُنّة من ربّه، وسُنّة من نبيّه، وسُنّة من وليّه، فالسُنّة من ربّه كتمان سرّه، قال الله عزّ وجلّ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾(الجنّ:26-27) (2). ولربما ارتبطت هذه الصفة بأنّها سنّة إلهية؛ لأنّ الله تعالى يخبرنا بأنّه عالم الغيب وصاحب السرّ، وأنّه إذا أذن لأحد بالاطلاع عليه، لم يكن إلّا لوجود مصلحة وخير عميم، وبشرط مكانة المطّلع «من رسول».

فإذا اعتاد المؤمن أن يحفظ الأسرار ويكتم الخصوصيّات، إلّا من مصلحة وخير وكمال في إظهارها، كان ذلك سنّةً إلهية تجلّت في فعله وخلقه.

إضافة إلى ذلك، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المؤمن من آمنه الناس على دمائهم وأموالهم»(3)، وهذا يعني أنّه مصدر للأمن في المجتمع. ومن الواضح أنّ الأمن على الدماء والأموال لا يجتمع مع إذاعة السرّ، لأنّ ذلك يجعل ساحتنا مكشوفة بشكلٍ كبير، ما يؤدّي إلى مقتل القادة واستهداف القدرات و...، وفي ذلك أذى كبير يلحق بالناس.

* قيادة المشروع الإلهيّ
يقوم المشروع الإلهيّ في استخلاف الإنسان على الأرض على اختيار جماعة أو قوم ليكونوا رأس حربة في هذا المشروع الذي يهدف إلى إقامة القسط وبسط العدل. ويختار الله تعالى قائداً لتتحرّك هذه الجماعة على أساس توجيهاته وإرشاداته، ويُنزل كتاباً سماويّاً يشكّل شريعة ومنهاجاً ونوراً تسير الجماعة على هديه، وبذلك يعصمهم من الضلال والفتنة والانحراف عن الهدف المرسوم.

وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمّته الثَقَلين، وهما كتاب الله وعترته أهل بيته عليهم السلام المتمثّلين بالأئمّة الاثني عشر عليهم السلام. وحيث إنّ هذين الثقلين لا يأتيهما الباطل من بين أيديهما ولا من خلفهما، فإنّ نجاح المشروع الإلهيّ يتوقّف على انتماء هذه الجماعة الصادقة إلى المشروع. ويتحقّق هذا الانتماء الصادق من خلال الإيمان، فالمؤمنون الصادقون فقط هم من يمكنهم الاستمرار في هذا المشروع حتّى نهايته.

* تجارب سابقة
1. بنو إسرائيل: بنو إسرائيل هم إحدى الجماعات التي اختارها الله تعالى لحمل هذا المشروع. وقد أنزل لهم كتاباً وبعث فيهم أنبياء، لكنّهم انحرفوا عن المسار مرّة بعد أخرى، وتخلّوا عن المشروع الإلهيّ مراراً وتكراراً كما تفيد نصوص التوراة. وبذلك، أفسدوا في الأرض بدل إصلاحها، إلى أن جرت فيهم سنّة الاستبدال الإلهيّ بحيث أنزل الله كتاباً على قوم آخرين بعد أن كانوا يتوقّعون أن يبعث الله رسولاً جديداً منهم. والسبب الرئيس لذلك هو قتلهم الأنبياء، يقول تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَٰقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلْأَنبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ (النساء: 150).

2. بنو إسماعيل: لقد استبدل الله تعالى بني إسماعيل ببني إسرائيل، وحمّلهم أمانة تحقيق المشروع الإلهيّ، فأرسل فيهم رسولاً هو أفضل الرسل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنزل لهم أفضل الكتب وأحسن الحديث وهو القرآن الكريم، وترك لهم قادة معصومين وهم الأئمّة الاثنا عشر، والذين تمتدّ إمامتهم إلى يوم القيامة، وحذّرهم من استبدال غيرهم بهم في حال لم يكونوا على قدر المسؤوليّة، يقول تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد: 38).

وقد تصدّى الإمام الأوّل أمير المؤمنين عليه السلام للقيادة لسنوات ثمّ استُشهد. ومن بعده تصدّى الإمام الثاني الحسن عليه السلام إلى أن اضطرّ للصلح مع معاوية بن أبي سفيان ثمّ استُشهد. وانتظر الإمام الثالث وهو الحسين عليه السلام موت معاوية للتصدّي للإمامة بحسب بنود الصلح، وقام بالثورة في كربلاء في وجه يزيد بن معاوية واستُشهد مع أصحابه. بعد ذلك ابتدأت مرحلة جديدة من مراحل الإمامة عنوانها الأساس: الحركة السريّة.

* حركة الأئمّة عليهم السلام السرّيّة
كانت هذه المرحلة من مراحل الإمامة مليئة بالحركة والنشاط والخطط التي تهدف إلى تحقيق المشروع الإلهيّ في بسط العدل الإلهيّ، ذلك أنّ الإمامة في الفهم الشيعيّ هي استمرار للنبوة في تحقيق الهدفين الأساسيّين اللذين بُعث من أجلهما الأنبياء وهما: الهداية وإقامة القسط والعدل. لذلك، فإنّ لقب القائم المهديّ يُطلق على جميع الأئمّة عليهم السلام باعتبار أنّ كلّ إمام يهدي إلى الحقّ، وبهذا اللحاظ فهو المهديّ. وكذلك، كلّ إمام سعى لإقامة القسط فهو القائم، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام حين سُئل عن القائم قال: «كلّنا قائم بأمر الله». وحين سُئل: فأنت المهديّ؟ قال: «كلّنا نهدي إلى الله»(4). من هنا، فإنّ مشروع إقامة دولة العدل الإلهيّ لم يكن تكليفاً خاصّاً بالإمام الثاني عشر عليه السلام، بل هو تكليف جميع الأئمّة عليهم السلام؛ فإذا تهيّأت الظروف، قام الإمام بثورته العالميّة.

فهل تهيّأت الظروف قبل الإمام الثاني عشر عليه السلام؟

* أحداث متغيّرة
تخبرنا الروايات الشريفة أنّ الظروف تهيّأت مرّتين خلال الفترة السابقة: المرّة الأولى كانت في سنة سبعين، والمرّة الثانية في سنة مئة وأربعين للهجرة. يقول الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ الله كان قد وقّت هذا الأمر في السبعين، فلمّا قُتل الحسين عليه السلام اشتدّ غضب الله على أهل الأرض، فأخّره إلى أربعين ومئة سنة»(5).

ففي السنة السبعين، كان الوقت مناسباً لقيام دولة الحقّ، ولكنّ الأحداث تغيّرت في السنة الستّين عندما استُشهد الحسين عليه السلام بعد أن خذله الذين بايعوه، ولو التزموا ببيعته، لتغيّر مسار الأحداث وأُقيمت دولة الحقّ إلى يوم القيامة. ومعنى تأخير الأمر يبيّن سُنّة الاستبدال من خلال استبدال جيل بآخر من القوم نفسه أو من أقوام آخرين.

ثمّ يقول الإمام عليه السلام إنّ الله أخّر الأمر إلى السنة مئة وأربعين حيث كانت الظروف مناسبة جدّاً لقيام دولة الحقّ، ولكن لماذا تأخّرت دولة الحقّ مرّة أخرى؟

* «كذب الوقّاتون»
يكمل الإمام الباقر عليه السلام الرواية السابقة مبيّناً السبب: «فحدّثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخّره الله، ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا، ويمحو الله ما يشاء ويُثبِت، وعنده أمّ الكتاب»(6). وفي مناسبة أخرى، قال الإمام الباقر عليه السلام جملته الشهيرة: «كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون»(7).

والخلاصة، أنّ سُنّة الاستبدال جرت في بني إسماعيل مرّة بسبب الخذلان، ومرّة بسبب إذاعة السرّ وعدم الكتمان.

وقد استُشهد جميع أئمّتنا عليهم السلام بعد الإمام الحسين عليه السلام، عدا الإمام الثاني عشر عليه السلام، مسمومين. وكذلك، وُضع الأئمّة بعد الإمام الصادق عليه السلام إلى العسكريّ عليه السلام في السجن أو الإقامة الجبريّة في قصر الخليفة كما حدث مع الإمامين الرضا والجواد عليهما السلام، أو في الثكنة العسكريّة كما حصل مع الإمامين الهادي والعسكريّ عليهما السلام. ولا يمكن تبرئة مذيعي السرّ من تهمة التسبّب في هذه الأحداث.

* الإيمان والكتمان متلازمان
لقد عيّر الله المؤمنين الذين يذيعون الأسرار بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلْأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ﴾ (النساء: 83)، ويخبرنا تعالى عن الحلّ البديل عن الإذاعة وهو الرجوع إلى الجهة المعنيّة، استناداً إلى قوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ (النساء: 83).

إنّ القوم الذين يكشفون السرّ، يعجزون عن تحقيق المشروع الإلهيّ؛ لأنّ الشرط الأساسيّ لذلك هو التحلّي بالإيمان الصادق الذي لا خذلان فيه، وأيّ خذلان أعظم من إذاعة السرّ!


(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2 ص 371.
(2) الخصال، الشيخ الصدوق، ص 82.
(3) ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 1، ص 207.
(4) المصدر نفسه، ج 1، ص 537.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 105.
(6) المصدر نفسه.
(7) الكافي، مصدر سابق، ج 1، ص 368.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع