إلى كل القلوب | مقاومتنا روحها حسينيّة (2)* تسابيح جراح| "مستعدّون بجراحنا" الشهيد على طريق القدس محمّد محمود إرسلان وسائل التواصل: معركة الوعي في زمن التضليل مقابلة | حين يرتقي القائد لا تنتهي المقاومة بل تستمرّ بدمه تكنولوجيا | كيف نمنع هواتفنا من التنصّت علينا؟ (1) الملف | أبناء السيّد متكاتفون عوائل الشهداء: أبناؤنا في سبيل الله الملف | أولو البأس في الميدان الملف | الكلمة للميدان

الملف | الكلمة للميدان

ضحى حمادي*


حاول العدو تأخير المعركة البريّة قدر المستطاع ليحصد إنجازات عسكريّة مستغلاً تفوّقه العسكريّ، ولكن هي حربٌ كغيرها، الكلمة الفصل لا تكون إلّا للميدان. وهناك سطر رجال الله أروع أشكال الثبات والصمود والتكتيك العسكريّ، وكانت الكلمة لهم وفي أيديهم.

في هذا المقال نعرض ملامحاً أوليّة لبعض الملاحم المشرّفة في جنوبنا. مع تذكير بأنّ العدوّ قد زجّ فيها خمس فرق كبيرة من نخبته، وخاض المعارك البريّة بإقحام لواء أو كتيبة. وبعد تعرّضه لضربات قاسيّة في أوّل عشرة أيّام، انتقل إلى أسلوب العمل الهجين الذي دمج فيه بين قوّات المشاة الخاصّة وقوّات الدروع. وبدأت أمامه رحلة الموت..

*معركة مثلث الموت: (راميا– عيتا الشعب– القوزح)
فجر11-10-2024م فُتحت بواباتي المستعمرتين زرعيت وشتولا، وتحرّكت جهود هندسيّة قوامها جرّافات ومجموعات من التشكيل الهندسيّ العسكريّ التابع للّواء غولاني تُجاه أطراف راميا وعيتا الشعب عند الساعة 03:50 فجراً، بينما كانت جرّافة عسكريّة صهيونيّة تحاول الخروج من محيط موقع راميا تُجاه البلدة، ‏استهدفها مجاهدو المقاومة الإسلاميّة بصاروخ ‏موجّه أصابها مباشرة.

بعد نصف ساعة تقريباً، استهدفت المقاومة ‏قوّة مشاة أخرى في خربة زرعيت بقذائف المدفعية. كان ذلك إيذاناً بأنّ معركة حامية الوطيس على وشك أن تبدأ. في اليوم التالي، حاول العدوّ عبور عيتا الشعب وراميا تُجاه تلّة الدير في القوزح، إلّا أنّه عجز عن ذلك، فحاول مستميتاً لأكثر من 7 أيام خسر خلالها عدداً من الجرّافات والدبّابات، وأكثر من ثلاثين قتيلاً، وإصابة أكثر من ستين. والسبب:

كمين عيتا: كمن ثلاثة مجاهدون في حرش عيتا لقوّة تجمّع فصيلين من المشاة، وعبر تكتيكات متعدّدة تمكّن المجاهدون الثلاثة من الإجهاز على القوّة بأكملها، فحاول العدوّ المرور من غرب عيتا، فخسر القوّة المهاجمة بدباباتها الأربعة.

كمائن القوزح: حاول العدوّ استغلال ما بدا له ثغرةً بين رميش وعيتا صعوداً إلى القوزح، لكنّه تفاجأ بأنّ في الثغرة تلك تنتظره ثلاثة كمائن قاتلة، فتكبّدت القوّة المتوغلة المعادية وقوع خمسة قتلى وإصابة ستة عشر جندسّ صهيونيّ.

بعدها حاول العدوّ التوغل ثماني مرّات، مع تطبيقه عدداً من التكتيكات المختلفة دون جدوى، ممّا اضطّره إلى الانسحاب في 17 تشرين أول 2024م. هذا كلّه والوحدتان المدفعيّة والصاروخيّة في المقاومة لم تتوقفا عن استهداف ثكناته ومستعمراته المتاخمة للحدود. إذ نجح رجال الله بتنفيذ تكتيك بارع، أرغم العدو على توريط معظم لواء نخبته غولاني في قتال وإخلاء وإنقاذ، ومنعه بالتالي من أيّ إنجاز للتقدّم البريّ.

معركة مربع الموت: مركبا – حولا – ربّ ثلاثين – الطيبة
بعد 15 يوماً من القتال على الحافّة الأماميّة، سعى العدوّ للوصول إلى ثلاث نقاط رئيسية ليؤمن لنفسه ظروف قتال أفضل، وهي: المعابر الموصلة إلى الوديان، المرتفعات المشرفة على مجرى الليطاني، والتلال المشرفة التي تؤمّن له ظروف رؤية وإشراف ممتازة في الجبهة.

وقد ركزّ العدوّ عبر (الفرقة 98) على سلوك ثلاثة اتجاهات رئيسية:
العديسة-كفركلا-شرق الطيبة.

العديسة-مشروع الطيبة-شرق ربّ ثلاثين.

شرق مركبا وجنوبها وصولاً إلى حولا.

والهدف الوصول إلى وادي الحجير ومجرى نهر الليطاني وذلك بعد تكثيف هجومه على بلدتي مركبا وحولا بغرض إضعاف الجناح الدفاعيّ الأيسر للعديسة وربّ ثلاثين ومنع استعدادات المقاومة القويّة الموجودة في ميس الجبل من التدخل شرقاً. وهذا ما واجهته المقاومة بنصب الكمائن للقوّات المُتسلّلة، مع إطلاق فعّال للصواريخ المضادّة للدروع في تدمير الدبّابات الإسرائيليّة، والاستمرار في قصف التحشدات والتحرّكات الصهيونية.

ولذلك لجأ العدوّ إلى اعتماد «مسارات غير مرئية» بهدف مباغتة المقاومة، مستخدماً تكتيك تفجير المنازل، ممّا يشير إلى تردّده في التقدّم خوفاً من مواجهة مقاومة شرسة. وفعلاً حشرت المقاومة فرق العدوّ في أكثر من نقطة:

1. خلّة الفراشات: حين تقدّمت سريّة كبيرة للعدوّ، (دبابات – كوماندوس – مشاة) عبر (مشروع الطيبة) وشرق مركبا بهدف الوصول إلى ربّ ثلاثين، ومنها إلى إلى هدفها الرئيسي وهو عارض وادي الحجير، حاصرت المقاومة معظم القوات المتقدمة جنوب شرق ربّ ثلاثين في منطقة تسمى خلّة الفراشات. وحاول العدو من خلال العدوان الجويّ لفتح ثغرة من خلال محاولة النفاذ من مركبا إلى حولا وطلوسة، إلا أنّها بقيت عاجزة عن الاختراق بسبب التصدي الذكيّ لرجال الله، الذين مارسوا الدفاع الثابت حيناً حتى يستدرجوا قوّات العدو للتقدّم، وعندها يتحوّل المجاهدون إلى الدفاع المتحرّك مع دعم ناريّ عاصف من مدفعية المقاومة.

2. بوابة فاطمة: استمرت محاولات الفرقتين (91 و 98) لتجاوز كفركلا والعديسة والطيبة وربّ ثلاثين ومركبا دون جدوى، حيث حشر رجال الله جنود العدوّ عند معبر فاطمة وطريق العديسة – كفركلا بصواريخهم المباشرة ومدفعيّتهم الثقيلة.

3. مواجهات العشرين ساعة: نجاح رجال الله في تعطيل محاولات تسلّل العدوّ، دفعه إلى اغتنام المناطق غير المكشوفة في وادي هونين وتحريك قواته تُجاه الحدود الدوليّة ومنها إلى شرق الطيبة. فتقدّمت مجموعات أخرى للعدوّ من جهة (مشروع الطيبة) لتحاول تحقيق خرق بين ربّ ثلاثين والطيبة. ولكن رجال الله تمكنوا خلال 20 ساعة من القتال المتواصل من إجهاض كل محاولات العدوّ لتثبيت قواته. وخاض المجاهدون في الطيبة وعلى أطرافها وربّ ثلاثين ملاحم بمواجهة السرايا التي زجّ بها العدو واحدة تلو الأخرى، حتى بلغت محاولات العدوّ للنفاذ من تلك المحاور 11 مرة في أقل من 24 ساعة في21و22-10-2024م. وصدّ رجال الله موجَات الهجوم الصهيونيّ عبر استخدام مناورة من ثلاث شعب، وهي:

الالتحام بالقوّات المتوغّلة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والعبوات الخاصّة.

ضرب الإمدادات، وخاصّة الدبّابات التي كانت تتقدّم لإمداد قوّات «الكوماندوز»(1) المتوغّلة، نتج عنها تدمير 5 دبّابات.

استهداف القوى المتجحفلة في مسكاف عام والمطلة وثكنة هونين.

وقد استطاع رجال الله تعطيل دبّابتين إضافيّتين في مسكاف عام، إضافةً إلى إصابة العشرات من الجنود الذي كانوا يستعدّون للدخول في المعركة.

بتاريخ 24-10-2024م، استمرت عمليات الالتحام والتصدي «الأسطوري» التي نفّذها رجال الله في محور مثلث العديسة –الطيبة -ربّ ثلاثين.

4. مصيدة الطيبة وربّ ثلاثين: سعت الفرقة 98 لاحتلال مؤقّت لتلّة العقبة وخلّة الفراشات في الطيبة وربّ ثلاثين، فشنّت كتيبة هجينة منها هجوماً شاملاً منذ الفجر، واستطاع رجال الله إحكام التصدّي للقوّة المتقدّمة والمؤلّفة من سرية دبّابات من اللواء السابع المدرّع، وسريّة من اللواء 55 «كوماندوز» احتياط، فضلاً عن فصيلين من وحدة ماغلان النخبويّة، التي أوكل إليها البحث عن قبضات الصواريخ المباشرة، وضربها فضلاً عن التفتيش على مراكز رصد ميدانيّ في كلا البلدتين. وبعد اشتباكات دامت 8 ساعات التحم فيها رجال الله بالقوّة الغازية ودباباتها، وأفشلوا ثلاث حملات هجوميّة، كان آخرها أشرسها، حيث تمكّن المجاهدون بفضل الله من صدّه وطرد قوّات العدوّ من كل جغرافية الطيبة باتجاه كفركلا والعديسة.

لقد تحوّلت قريتا مركبا والطيبة فضلاً عن ربّ ثلاثين إلى مصيدة ومقتلة للفرقتين 91 و98، حيث فقدتا أكثر من 18 قتيلاً وعشرات المصابين و14 مدرعة وآلية (ميركافا – نامير – M113 – هامر – جرافات D9) ونجحت خطة استدراج المقاومة للعدو إلى الطيبة وربّ ثلاثين، حيث تحوّلت عمليات الدفاع الذي كانت تمارسه إلى هجوم دفاعي أدى إلى اضمحلال الهجمات الثلاثة من شرق الطيبة وغربها ومن ربّ ثلاثين. والسرّ في ذلك أن تكتيك المقاومة كان يعتمد على وصول الهجوم الصهيونيّ إلى مرحلة الذروة في الهجوم والاستعداد، فتقوم بتسليط جميع نيرانها عليه، فتكون الضربات الناريّة مهلكة له، وتؤدي إلى كسر الهجوم.

وفور انكسار الهجوم وانسحاب معظم القوات المتوغلّة إلى أطراف عديسة الجنوبية ووادي هونين، حاول العدو عند الساعة السابعة مساءً التسلل إلى قرية عيترون من الجهة الشرقيّة، فوقع بكمين محكم. روى إعلام العدوّ ما حصل وقال: «معركة شرسة تدور منذ الساعة 19:00 مساءً وحتى الآن.... في قرية عيترون جنوب لبنان تبادل كثيف لإطلاق النار وجهاً لوجه بين قواتنا وقوات الرضوان التابعة لحزب الله. هبطت مروحيّة إنقاذ لنقل الجنود المصابين من المعركة في جنوب لبنان، وهبطت مروحيّة إنقاذ عسكريّة أخرى..».

وهكذا قال الميدان كلمته.


* مختصّة بشؤون الإعلام السياسيّ.
(1) الكوماندوز تعني المغاوير، وهم وحدة عسكريّة خاصّة بالقيام بالعمليّات النوعيّة ويمتلك عناصرها كفاءات خاصّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع