اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك* 

الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب قدس سره
 

كان أحد العلماء يكرّم تلميذاً من تلامذته أكثر من زملائه ويهتمّ بتربيته ويبالغ في العناية به. وعندما سُئل عن السبب قال: «ستعرفون يوماً ما». وذات يوم، أعطى كلّ تلميذ من تلامذته دجاجة وقال لهم: «اذبحوها حيث لا يراكم أحد»، فذهبوا جميعاً ثمّ عادوا وقد ذبح كلّ منهم دجاجته، إلّا ذلك التلميذ الذي كان الأستاذ يكرمه ويهتمّ به، فقد أرجع الدجاجة حيّة دون أن يذبحها، فسأله أستاذه عن السبب فقال: «أمرتني أن أذبحها حيث لا يراني أحد، وحيثما ذهبت رأيت أنّ الله حاضر وناظر»، فقال الأستاذ: «إنّ وعيه لرقابة الله ومراقبته لحضوره سبحانه هو سبب اهتمامي به أكثر من زملائه»(1).

* الذكر: أن ترى حضوره دائماً 
ثمّة مورد آخر من موارد الذكر، وهو حينما يواجه الإنسان واجباً أو محرّماً، فهنا يجب ذكر الله وأداء ذلك الواجب وترك المحرّم.

مثلاً: في شهر رمضان عليه أن لا يترك الصيام، وفي موسم الحجّ ينبغي أن يؤدّي الحجّ إذا اجتمعت فيه شرائط الوجوب، وفي موعد رأس سنته الماليّة، إذا وجب عليه خمس أو زكاة فليؤدِّ ذلك فوراً، وعند حلول بلاء ومصيبة، فليذكر الله وليصبر على ما أصابه، وليطمئنّ قلبه بأمل حصوله على الثواب.

وإذا واجه مستحبّاً، فليذكر الله بمقدار استطاعته وليؤدّ ذلك المستحبّ، مثلاً: عندما يلتقي بالمسلمين لا يترك الابتداء بالسلام، وإذا سلّموا عليه فيجب أن يردّ السلام حتماً. وفي مسألة صلة الرحم، إذا كانت بحيث يعدّ تركها عرفاً قطع رحم فهي واجبة، مثال ذلك عيادة الرحم في مرضه أو مساعدته على مصيبة ألمّت به.

وكذلك عند مواجهة أيّ أمر محرّم، فإنّ من الواجب أن يتركه ولا ينسى حضور الله. مثلاً: إذا سنحت نظرة حرام فليذكر الله وليغضّ بصره، وإذا تناهى إلى سمعه غناء محرّم فلا يستمع إليه، أو فليبتعد عنه ويتخلّص منه، وإذا وقع في يده مال حرام فلا يتصرّف به، وإذا خطرت له كلمة حرام فلا يُجْرِها على لسانه ولا يتلفّظ بها. باختصار: لا ينسى الله في أيّ حال وليطع أوامره سبحانه، (وكذلك في المكروهات).

وهذا هو المراد من الذكر الكثير في القرآن الكريم حيث ورد مراراً: (وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا) (الأنفال: 45). 

* ذكره لا باللّسان 
عن الإمام الصادق عليه السلام: «سيّد الأعمال ثلاثة: إنصاف الناس من نفسك حتّى لا ترضى بشيء إلّا رضيت لهم مثله، ومواساتك الأخ في المال، وذكر الله على كلّ حال، ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر فقط، ولكن إذا ورد عليك شيء أمر الله به أخذت به، وإذا ورد عليك شيء نهى الله عزّ وجلّ عنه تركته»(2). ويجدر ملاحظة معنى هذه الأعمال الثلاثة:

1. الإنصاف مع الناس: أي أن تنصف الناس في سلوكك معهم، فلا ترضى لهم بشيء إلّا إذا كنت ترضاه لنفسك.

2. المواساة: أي واسِ أخاك في الدين بمالك، ابذل له إذا كان فقيراً أو محتاجاً.

3. ذكر الله في كلّ حال: ليس المراد بسيّد الأعمال أن يدور اللّسان بقول: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر»؛ لأنّ هذا ذكر ولكنه لا يصعب، لكنّ المراد أنّك إذا واجهت شيئاً أمر الله بأدائه أدّيته، أو أمر بتركه تركته.

* هذه هي المراقبة 
بناءً على هذا، تعلّم جيّداً أهميّة هذه المرتبة من الذكر، بل إنّه إذا لم تراعِ الحلال والحرام في القول والعمل، فإنّ العبادة البدنيّة والأذكار اللّسانيّة، إمّا لا فائدة فيها، أو فائدتها قليلة، وقد ذُكر بيان هذا في أوّل كتاب «الذنوب الكبيرة»، وهنا يكفي التذكير بهذه الآية الشريفة: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27).

هذه المرتبة من الذكر، أي الالتفات في جميع الأحوال إلى أنّ الله حاضر وناظر، وعدم مخالفة أوامره، هي المراقبة وهي الوسيلة الوحيدة للنجاة من كلّ تهلكة والوصول إلى أيّ درجة.

أي كما أنّ الله سبحانه رقيب (ناظر) على عباده دائماً، وقد وضع على أعمالهم وأقوالهم حفظةً حرّاساً من الملائكة ليسجّلوا ذلك كلّه، فعلى المرء أن يكون مراقباً لحضوره ورقابته ملتفتاً إلى أن لا تصدر منه في حضرته أيّ معصية.

* درس من قصّة يوسف عليه السلام وزليخا 
يقال إنّ زليخا عندما اختلت بالنبيّ يوسف عليه السلام وغلّقت الأبواب، رفعت حجابها عن رأسها فجأةً ووضعته على الصنم الذي كان منصوباً في تلك الغرفة، فسألها عليه السلام عن سبب ذلك فقالت: أردت أن أعانقك وخجلت أن يراني واستحييت منه فغطّيته.

فقال عليه السلام: إذا كنت تخجلين من جماد صنعه البشر، فكيف بي أن لا أخجل من حضور ربّ العالمين؟ 


* مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج 1، ص 236- 245.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع