مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اهتمامك بمظهرك.. جمالٌ وعبادة

زينب فهدا*


لا يستقلّ المظهر عن باطن الإنسان. ولو جمعنا الإشارات الإسلاميّة التي وردت في تحسين الظاهر واصفةً هذا الاهتمام أنّه من حُسن الإيمان، وأنّه يرتبط بالعلاقة بالله تعالى، لفهمنا أنّ ظواهرنا وأبداننا تتّصل بإحساسنا بالحُسن والقُبح اللذين يؤثّران فينا معنويّاً؛ فإنّ لحسن الظاهر تأثيراً على الباطن، والعكس صحيح.

* نظافة البدن وطهارته 
تنبع عناية المسلم بنظافته الشّخصيّة من احترامه لذاته أوّلاً وللآخرين ثانياً، فقد ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: «تنظّفوا بالماءِ من النتِنِ الريحِ الذي يتأذّى بهِ، تعهَّدوا أنفسَكُم، فإنَّ اللّه عزَّ وجلَّ يُبْغِضُ من عبادِهِ القاذورةَ الّذي يتأنَّفُ بهِ مَنْ جَلَسَ إليهِ»(1)، وهذا ينعكس سلوكيّاً عليه، وتحديداً في بناء ثقته بنفسه، بحيث لا يشعر بالخجل والنّفور ممّن حوله ومن كلامهم أو إشاراتهم الدالّة على الانزعاج من وجوده. ويمكن أن نلحظ هذا الأمر من خلال تتبّع الرّوايات التي تنهى المؤمن عن الحضور إلى الصّلاة ورائحته كريهة؛ وذلك مراعاةً لمشاعره بالدرجة الأولى تُجاه المصلّين، فإنّ اللّه يُحبّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل: «إنَّ اللّه يُبغِضُ الرجلَ القاذورةَ»(2). 

عند التدقيق في أعضاء الوضوء، نرى أنّها تستهدف ما ظهر منها للآخرين، وهي الأكثر تعرّضاً للاتّساخ والتّلوث من غيرها. أمّا نظافة الجسم كلّه فتتحقّق عبر الاستحمام أو الغُسْل الذي يقوم به المسلم في حالات مختلفة، ومنه غُسْل يوم الجمعة أو في مناسبات دينيّة معيّنة، أو حتّى غسل الميّت الذي يرافقه بعد موته، فيلقى ربّه طاهراً مطهّراً: «إنّ الإسلام نظيف فتنظّفوا، فإنّه لا يدخل الجنّة إلّا نظيف»(3). 

هذا ولا بدّ من أن تجرّ نظافة البدن إلى نظافة الشّعر: «الشَّعرُ الحسنُ من كِسوةِ اللّه فأكرِموهُ»(4)، وإلى نظافة الثّوب وطهارته حتّى تتحقّق العناية الكاملة، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «مَنِ اتَّخذَ ثوباً فليُنظِّفْهُ»(5). بالنتيجة، فإنّ نظافة الملابس تمنح المرء جرعةً من الثّقة بالنّفس، وتجعله أكثر استرخاءً وراحة. كذلك، لم تهمل النّصوص الدينيّة مسألة تجويد(6) الحذاء: «استجادةُ الحِذاء وِقايةٌ للبدَنِ»(7)، وهذا يتعلّق باختيار حذاء يتناسب مع حجمِ القدم، ولا يسبّب لها الأذى.

* تقليم الأظافر نظافة وزينة 
من علامات النّظافة وأركان الزينة والجمال تقليم الأظافر. وقد نهت الروايات الشّريفة عن إطالتها أو قضمها عبر الأسنان، لما فيه من مضارّ صحيّة على الجسم، فعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: «ثلاث من الوسواس؛ أكل الطين، تقليم الأظافر بالأسنان، وأكل اللحية»(8)، إذ أثبتت الدّراسات العلميّة أنّ الإصابة بالنّزلات المعويّة أو الالتهابات والتّقرّحات الجلديّة قد ينتج أحياناً من عدم الاهتمام بنظافة الأظافر، فتنتقل الجراثيم والبكتيريا التي تتراكم تحتها إلى مختلف أجزاء الجسم عند ملامسة اليد إيّاها، فعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «تقليمُ الأظفارِ يمنعُ الداءَ الأعظمَ»(9). وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ أسترَ وأخفى ما يُسلّطُ الشيطان من ابنِ آدم أن صار يَسكنُ تحتَ الأظافيرِ»(10).

* «نظّفوا طريق القرآن» 
إنّ المحافظة على نظافة الفم والأسنان من بقايا الأطعمة والأشربة، من خلال استعمال السّواك أو فرشاة الأسنان أو أيّ وسيلة أخرى، له أثر في إكساب الفرد الثّقة بنفسه، والطّلاقة في الحديث، وحُسن التّعامل مع الآخرين؛ لأنّه عندما يشعر بخروج رائحة كريهة من فمه، قد ينكفىء على نفسه، وتتأثّر بذلك علاقاته الاجتماعيّة، عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»(11). وقد بيّنت الروايات في إطار ما يُسمّى بالآداب الخاصّة ببعض العبادات ضرورة المحافظة على نظافة الفم وطهارته عند القيام للصلاة وقراءة القرآن، ففي الرواية عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: «نظِّفوا طريقَ القرآنِ، قيلَ: يا رسول اللّه وما طريقُ القرآنِ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفواهُكُم، قيلَ: بِماذا؟ قالَ صلى الله عليه وآله وسلم: بالسواكِ»(12)، أو عند النوم ووقت السّحر، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم كانَ إذا صلّى العشاءَ الآخرةَ أمرَ بوضوئِهِ وسواكِهِ يوضَعُ عندَ رأسِهِ مخمَّراً فيرقُدُ ما شاءَ اللّه، ثمَّ يقوم فيستاكُ ويتوضَّأُ ويصلّي أربعَ ركعاتٍ، ثمَّ يرقُدُ ثمَّ يقومُ فيستاكُ ويتوضّأُ ويصلّي...»(13).

* في الطّيب لا سرف 
اعتنت الروايات الشريفة أيضاً بضرورة اهتمام المؤمن بالتّطيّب والتّعطّر: «ما أنفقت في الطيب فليس بسرف»(14)، إذ يعدّ ذلك سُنّةً دعا إليها رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «لو أذن اللّه تعالى في التجارة لأهل الجنّة لاتّجروا في البرّ والعطر»(15). 

إنّ اهتمام المؤمن بالتّفاصيل الدقيقة لعنايته بنفسه ومنها التّعطر، ينمّ عن وعي ومعرفة بالسّنن والآداب المستحبّة في الإسلام من جهة، ورغبة في تعزيز المشاعر الإيجابيّة عنده كالثّقة والفرح والرّاحة من جهة أخرى، إذ تعدّ الروائح الزكيّة من العوامل المؤثّرة في الجهاز العصبيّ، وهذا ما يفسّر ظهور علامات الانزعاج وعدم الراحة على من يشمّون روائح قبيحة أو غير مستحسنة عندهم. والروايات تؤكّد اهتمام الشّريعة الإسلاميّة بالتعطّر والتّطيّب من ناحية بيان آدابه وأنوعه وزمانه، فعن الإمام الصّادق عليه السلام: «ركعتان يصلّيهما متعطِّراً أفضلُ من سبعينَ ركعةٍ يصلّيهما غيرَ متعطِّرٍ»(16). وعنه عليه السلام أيضاً: «الطيبُ تحفةُ الصائم»(17)، وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « لا تَدَعِ الطِّيبَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَنْشِقُ رِيحَ الطِّيبِ مِنَ الْمُؤْمِنِ، فَلَا تَدَعِ الطِّيبَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ»(18).

في ضوء ما ذكرناه من ضرورة اهتمام المسلم بمظهره واهتمامه بنظافته، يتّضح لدينا أنّه صفة ملازمة للإيمان، بل إنّه من مظاهر العبادة التي يؤجر عليها ويثاب. وقد عُدّ التّنعّم بمظاهر الجمال والزينة من النّعم الأخرويّة التي يفيضُها الباري عزّ وجلّ على المؤمنين، يقول تعالى: ?جَنَّ?تُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير? (فاطر: 33).


* أستاذة في الحوزة العلميّة.
(1) ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 4، ص 3302. 
(2) مستدرك الوسائل، النوري، ج 3، ص 236. 
(3) ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج 4، ص 3303. 
(4) المصدر نفسه، ج 1، ص 415. 
(5) الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 441. 
(6) تحسينه والاعتناء به. 
(7) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 5، ص 61. 
(8) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 57، ص 151. 
(9) الكافي، مصدر سابق، ج 6، ص 490. 
(10) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 2، ص 132. 
(11) بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 77، ص 341. 
(12) المصدر نفسه، ج 77، ص 343. 
(13) الكافي، مصدر سابق، ج 3، ص 445. 
(14) المصدر نفسه، ج 6، ص 512. 
(15) الجامع الصغير، السيوطي، ج 2، ص 429. 
(16) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج 4، ص 435. 
(17) الكافي، مصدر سابق، ج 4، ص 113. 
(18) المصدر نفسه، ج 6، ص 511.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع