نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: فدوى سبيتي.
محلّ الولادة وتاريخها: كفرا 26/12/1980م.
الوضع الاجتماعيّ: خاطب.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: راميا 12/7/2004م.
كالوحي اسمه، أُلقي في روع والده وهو ينظر إلى حمل زوجته في أشهرها الأخيرة، فقال لها من دون مناسبة: "إذا أنجبتِ صبيّاً سنسمّيه إبراهيم". استغربت زوجته الأمر، وسألته عمّا خطر في باله، فأجابها أنّ شيئاً ما دفعه إلى قول ذلك ولا يعرف لماذا!
*وعي مبكر
دأب إبراهيم منذ الطفولة على نيل رضى الله في أعماله، وكلّما أنهى عملاً وجدهُ صغيراً أمام رغبته بالتماس حبّ الله عزّ وجلّ بشكلٍ كبير، فبحث عن عمل آخر يقرّبه إليه تعالى أكثر، وكان يرى أنّ خدمته للآخرين تحطّم أنانيّته وتجردّها من كلّ "أنا"، أوليس حبّ خدمة الناس من حبّ الله؟!
كانت روحه الجميلة توحي أنّه يختلف عن أقرانه، فتميّز بحنانه المفرط واهتمامه بتفاصيل شؤون الآخرين. كان يلعبُ مع إخوته ورفاقه لعبة لا تخطر في البال، إذ كان يجمعهم ليقرأ لهم مجلس عزاء، فيجود بما حفظت ذاكرته الصغيرة من أبيات شعر متداخلة اعتمد فيها على الأنين وصوته الشجيّ.
* الالتزام بالأحكام الشرعيّة
في منطقة الرمل العالي، حيث ولد وترعرع، التجأ إبراهيم إلى المسجد القريب من منزلهم حيث صار ملاذه. ولأنّه ابن بيئة متديّنة، فقد التزم بأداء الأعمال العباديّة قبل بلوغه سنّ التكليف بسنوات. وقد لاحظ والداه تعامله المسؤول والدقيق مع الأحكام الشرعيّة، وبحثه الدؤوب عن المستحبّات للقيام بها تقرّباً إلى الله تعالى. وقد كانت بعضُ أفعاله مستقاة من سيرة عمّه الشهيد علي سبيتي، الذي استشهد في عمليّة اقتحام موقع بلاط سنة 1998م، إذ حرص إبراهيم على تحصيل ما أمكنه من معلومات حول عمّه، ليحذو حذوه في طريق الوصول إلى الله، فالقدوة الحسنة تخفّف عن السالك بعضاً من مصاعب الطريق.
بدا على إبراهيم العجالة في الالتحاق بالتعبئة العسكريّة، فالطفل الكشفيّ، الذي كبر في أروقة الكشّافة، لم يستطع الصبر على بُعد الجهاد. وما إن أنهى المرحلة المتوسّطة، حتّى جاء إلى أمّه يزفّ إليها بشرى الموافقة على دورته العسكريّة الأولى. ولأنّه كان في البيتِ ركناً أساسيّاً في الاهتمام بشؤون إخوته على الصعيدين الدينيّ والاجتماعيّ، كان قبل غيابه يبثّ في نفوسهم الكثير من الوصايا الإيمانيّة وخصوصاً برّ الوالدين. أمّا أخواته الصغيرات، فلا يفتأ يحدّثهنّ عن أهميّة الحجاب الكامل، والمحافظة على الحدود الشرعيّة، واختيار العباءة الزينبيّة لباساً لهنّ.
* السرّيّة أولاً وأخيراً
في دورته العسكريّة الأولى، كبر وعي إبراهيم وتفكيره، ولمّا عاد إلى البيت، بدا أنّه شخص آخر، وكأنّ الدنيا كانت تثقل كاهله فخلعها عند أوّل خطوة في طريق الجهاد. ليس ذلك فحسب، فقد صار واضحاً للعيان، عمله الدؤوب لخدمة إخوته وتحقيق راحة والديه، والسعي لقضاء حوائج جيرانه ورفاقه، مؤثِراً الآخرين عليه في ما هو في أمسّ الحاجة إليه، وقد أثار ذلك دهشة من عرفه.
بدأ إبراهيم عمله في المقاومة، ولم تنبس شفتاه يوماً بحرفٍ عن ماهيّته أمام أحد، حتّى والده الذي اتّخذه صديقاً له تشارك معه همومه، لم يعرف أيّ شيء عنه. أمّا والدته التي اهتمّ إبراهيم بها كثيراً، وشاركها الكثير من الأحاديث الخاصّة واستأنس برأيها في بعض الأمور، فقد سألته يوماً في معرض حديثهما عن طبيعة عمله في المقاومة، فتبسّم ضاحكاً وأجابها أنّ السرّيّة هي عمله الأوّل والأخير.
* السعي في خدمة الناس
قبل التحرير عام 2000م، قسّم إبراهيم وقته بين الخضوع للدورات التأهيليّة والثقافيّة، ومشاركاته الجهاديّة. وأوّل ما كان يبادر إلى القيام به حينما يعود من عمله، هو الاطمئنان إلى أحوال أهله وتأمين حاجاتهم، وكذلك يفعل مع الجيران، ليتوجّه من بعدها إلى زيارة القبور، ويغسلها. وإذا كان يوم الجمعة، يزور أقاربه ويصل رحمه، ثمّ يتوجّه إلى مستشفى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليسأل عن أحوال المرضى الذين كان لا يعرفهم، وإذا ما كانوا يحتاجون إلى أيّ مساعدة أو خدمة. وقد التقى في إحدى زياراته بفتى مريض في الرابعة عشرة من عمره كان وحده، وعندما سأله عن والديه، أخبره أنّهما فقيران ويعملان لتحصيل قوتهما اليوميّ، وأنّ أمّه تزوره بعد الانتهاء من عملها، فما كان من إبراهيم إلّا أن اشترى له بعض الطعام، وساعده في تنظيف نفسه، وصار يزوره كلّ يوم، حتّى أنّه كان يبيت عنده أحياناً.
في بداية عمله، كان إبراهيم يتقاضى مبلغاً زهيداً جدّاً من المال، ولكن بعد مرور مدّة، حصل على مكافأة، فأخبر أمّه أنّه محتار بين أمرين: فإمّا أن يؤدّي مناسك الحجّ بهذا المبلغ أو أن يعقد قرانه. استغربت أمّه حيرته هذه، وشجّعته على عقد قرانه باعتباره صغيراً على الحجّ، إذ لم يبلغ العشرين بعد، ولكنّه أخبرها أنّ شوقه عارم إلى بيت الله عزّ وجلّ. وقد وُفّق إلى ذلك بالفعل. وهناك، صار يسعى إلى خدمة الحجّاج، وهو ما اعتاد القيام به في حياته اليوميّة، كما أنّه صام بضعة أيّامٍ في الحجّ.
* علامات الارتياح
لم يكد يمضِي وقت طويل حتّى عقد إبراهيم قرانه. وبدل أن ينصبّ اهتمامه على تأمين بيته الزوجيّ والسعي إلى الاستقرار، فقد حمل همّ إخوته الشباب، وصار تأمين عمل لهم أولويّة كبيرة بالنسبة إليه؛ فجمع ما ادّخر، وتعاون معهم من أجل فتح محلٍّ لبيع الهواتف، وقد استغلّ وقتذاك موهبته في النجارة التي شُغف بها منذ صغره ونفّذ بعض التصاميم، حتّى إذا ما أنهى كلّ شيء، ظهرت قسمات الارتياح على وجهه بعد أيّامٍ من التعب والسهر.
ما إن أنهى تحضير المحلّ، حتّى حان موعد التحاقه بعمله، فسأل أخته إلى أين تحبّ الخروج بعد عودته، فطلبت منه الخروج إلى النهر، إذ كان كلّما عاد من عمله يخرج مع أسرته للتنزّه وزيارة الأقارب، فوعدها خيراً، ثمّ شرع يوصيها وأختها بالحجاب والتزام الأحكام الشرعيّة وذكّرهما بضرورة ارتداء العباءة، ما أثار استغرابهما من حيث توقيت كلامه، فسألته أخته عن سبب حديثه هذا، فلم يجبها. أمّا خطيبته، فأخبرته أنّها ترغب في الذهاب إلى شاطئ البحر عند عودته، فأسرّ لها أنّه ربما لن يعود، وقد ظنّت أنّها إحدى مزحاته.
وبالفعل، فها هو إبراهيم، الذي بشّره بالشهادة الشهيد الشيخ أبو ذر في إحدى المهام العسكريّة المشتركة، يوم قال له: "سيماء الشهادة ظاهرة في وجهك"، قد لحق بأستاذه الشيخ عندما كان في مهمّة جهاديّة على الحدود مع فلسطين المحتلّة، وعاد إلى أهله شهيداً.