مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الافتتاحية | احترام المواعيد من الدّين


الشيخ بلال حسين ناصر الدين


هل يقتصر التديّن على الالتزام بالعبادات المكتوبة فحسب؟ أم أنّه أوسع دائرةً من ذلك وأشمل؟ في الواقع، إنّ من يقرأ التراث الإسلاميّ بما يشمله من آيات القرآن الكريم وأحاديث النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، فسوف يجد حتماً أنّ التديّن إنّما يشمل الكثير من الأفعال والصفات التي تُعد -اشتباهاً- أموراً ثانويّة أو هامشيّة، لا ترقى لأن تكون من قوام الدين والإيمان، بل يجد أنّ القيام بالكثير من الأفعال يُعدّ عبادة يُتقرّب بها إلى الله، كالنظر إلى وجه العالِم أو إلى وجه الوالدين، أو إماطة الأذى عن الطريق، أو زرع شجرةٍ يتفيّأ بظلّها الناس، أو وردةٍ تفوح عليهم بعطرها الفوّاح، فيُدخل بذلك السرور على قلوبهم. وغيرها من الممارسات، وهذا يعني أنّ مسألة التعبّد إلى الله سبحانه قد تشمل أموراً ترتبط بعلاقة الإنسان بالله وبالعباد، بل بالطبيعة وبجميع المخلوقات، ولولا ذلك لما وعد الله تعالى عليها بالأجر. فمن يُقدِم على مثل هذه الأمور، إنّما يخطو بها خطواتٍ تقرّبه منه سبحانه.

وإنّ من أبرز ما يقوّم تديّن الإنسان هو التزامه بالمواعيد واحترامه للوقت، الذي قام على أساسه العديد من العبادات، كالصلاة والصوم والحجّ، إذ قُيّد أداؤها بأوقات محدّدة، ولا يصحّ للمرء -إن لم يكن معذوراً- أن يأتي بها متأخّراً عن أوقاتها، فالصلاة التي وُصفت بعمود الدين مكتوبة عليه في أوقات محدّدة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ (النساء: 103)، بل لا ينبغي أن يؤخّرها عن أوّل وقتها ما لم يكن مضطرّاً، حتّى عُدّ ذلك تهاوناً بها، كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ (الماعون: 5). وإنّنا لو نظرنا إلى الحثّ الشديد على أداء العبادات في أوقاتها بنظرةٍ تربويّة، فيمكن لنا القول: كأنّما يريد الله سبحانه أن يربّي الإنسان على النظام، وأن لا يكون عشوائيّاً وعبثيّاً في حياته، وأن يحترم الوقت ويؤدّي ما عليه في وقته المناسب. ومن هنا، تأتي أهميّة الحديث عن المواعيد التي يضربها الإنسان مع أخيه الإنسان، فهي أيضاً ممّا ينبغي أن يحترمها ويتقيّد بها؛ لأنّها علامة على صفات جليلةٍ يتّصف بها كلّ مؤمن سويّ، مثل صفة الوفاء بالوعد التي وُصف بها الأنبياء والمرسلون والأولياء الصالحون، كالنبيّ إسماعيل بن حزقيل عليه السلام الذي لُقّب بصادق الوعد؛ لأنّه واعد رجلاً في مكان ما، فانتظره مدّة سنة كاملة وفاءً منه بوعده، حتّى وصفه الله بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا﴾ (مريم: 54)، وهكذا كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي عُرف حتّى بين معانديه بالصادق الأمين، وهو القائل: "لا دين لمن لا عهد له"(1).

إنّ الالتزام بالمواعيد إنّما هو تعبير آخر عن احترام الوقت والآخرين، والجدّيّة والصدق والأمانة، وجميعها صفات لا ينبغي للمؤمن أن يتخلّف عنها، بل هي ملازمة له، مقوّمة لشخصيّته وإيمانه، واحترامه لها يدلّ على مدى تديّنه وتقواه ودقّته في أن لا يوقع الآخرين في الحرج والأذيّة والانزعاج. إضافة إلى ذلك، فإنّ المجتمع الذي يحترم أفرادُه المواعيد يصبح مثالاً للسلوك الجميل، ما يجعله أكثر جاذبيّة وأشدّ تأثيراً في الآخرين، ويكون مصداقاً للحديث القائل: "كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم"(2).

كي لا يصبح التخلّف عن المواعيد دون عذر أو مبرّر عادةً عند الإنسان، فلا بدّ من أن نقول له: إنّك على خطأ، أعد النظر في ما أنت عليه من سلوك. 

1.بحار الأنوار، الشيخ المجلسي، ج 72، ص 96.
2.الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 77.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

بيروت

حسن نورالدين

2023-10-01 18:34:07

أقسم الله عز وجل في القرآن الكريم بالوقت في مواضع متعددة نظراً لعظمته وأهميته.