نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: هدى الحجيري.
محلّ الولادة وتاريخها: بعلبك 17/10/1983م.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل وله 4 أولاد.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: تدمر 8/6/2017م.
في يومٍ هو من أعظم أيّام الله، فيه سُفك دم الإمام الحسين عليه السلام، وُلدَ علي على نهج التضحيّة بالدم والروح نصرةً للحقّ وللدين الأصيل.
* وعي ومسؤوليّة
علي الذي يكبر أخاه الشهيد مهدي بستِّ سنوات، وله أختان واحدة تكبره والثانية تصغره، عاش في بيت أُسّس على التقوى، فكانت دعائمه الحبّ والإيثار والعطاء. وقد سخّر والداه حياتهما لتنشئة أولادهما على الصلاح، وسعيا لتأمين كلّ ما يلزمهم، فعاش علي حياةً مفعمةً بالحبّ وبرغد العيش، ولكنّ الرفاهيّة لم تحوّله إلى شخصٍ اتّكالي، أو إنسان لا يعرف قيمة الأشياء، بل على العكس من ذلك، فقد صقل شخصيّته بالوعي والمبادرة، وعمل على تطوير نفسه في مختلف المجالات، فامتلك دراية بتفاصيل الحياة على صغر سنّه، خصوصاً وأنّ والده قضى مدة من حياته مسافراً، فيما كانت أمّه تعمل مديرة لمستشفى في بعلبك، فتصدّى إلى جانبها لحمل ما استطاع من مسؤوليّة تخفّف عنها، حتّى صار فرداً يُعتمد عليه في البيت.
* علي ومهدي: حبّ وتأثّر
كلّما كَبُر علي زاد تأثيره على إخوته الذين تماهى معهم لشدّة حبّه لهم، وقد تعلّق أخوه مهدي به أيّما تعلّق، فتراه يقتفي أثره اقتفاء المحبّ لحبيبه. وعلى الرغم من فارق السنّ بينهما، إلّا أنّ اهتمامهما بالأشياء ذاتها شدّ أواصر الصداقةٍ بينهما، حتّى صار كلُّ واحدٍ منهما بئر أسرار الآخر، وإن كان علي قد ترك مسافة كتمانٍ بين طبيعة عمله والجميع من دون استثناء.
* بيت روحانيّ مقاوم
ترعرع علي في بيئة تعبق بالروحانيّة، ويكفي القول إنّ أمّه لو قُرّضت بالمقاريض لما خبا حبُّ الإمام الحسين عليه السلام في قلبها، وهي المُتشيّعة عقيدةً وإيماناً، فأقامت مجالس العزاء في عملها وبيتها، وغذّت ولدها بحبّ الإمام عليه السلام، وبالشجاعة والثبات، وعلّمته أنّ مقولة "يا ليتنا كنّا معكم" إنّما هي سبيلُ الذين عرفوا الحقّ في كلّ الأزمنة.
أمّا والده، فقد كان من القلّة الذين حملوا فكر المقاومة مُذ ولدتْ غريبة، وكان ضمن العشرين شخصاً الذين حضروا أولى جلسات الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)، حيث بدأت التشكيلات بالتبلور. ومع أنّه لم يستطع الالتحاق بصفوف المقاتلين نظراً إلى طبيعة عمله مديراً لمستشفى وقتذاك، إلّا أنّه كان من البيئة الداعمة والمساندة، حتى وضع كلّ ما يملك تحت تصرّف المجاهدين.
هذه العوامل المساعدة، بالإضافة إلى نمط التفكير الذي عُرف به علي، إذ كان لا ينفكُّ يبحث ويستفسر، جعلت جذور المعرفة تترسّخ في قلبه فلاقت به صفة التديّن، لذلك، وقبل أن يهمّ بأيّ عمل ومهما كان حجمه، كان يقيسه على مقياس الشرع، ويأخذ بالاحتياط كثيراً.
* تخصّص يفيد المقاومة
ما إن أنهى علي الثانويّة العامّة حتّى التحق بالجامعة ليدرس اختصاص "إلكتروميكانيك"، حيث برز تميّزه وتفوّقه الدائم. وهو لم يختر هذا الاختصاص لحبّه به فحسب، بل لأنّ المقاومة تحتاجُ إليه. وكان قد بدأ بالالتحاق بالدورات العسكريّة برفقة ابن عمّته وصديقه المقرّب الشهيد محمّد علي شرارة، الذي تخصّص في هندسة الاتّصالات، وقد خطّطا سويّاً لطريقٍ جهاديّ يكونان فيه رافداً مهمّاً للعمل العسكريّ، وهكذا كانا.
* شخصيّة واضحة وكتومة
بذكائه الوقّاد اللامع، وتقاسيم وجهه التي تشبه كثيراً شجاعته في مواجهة الأيّام، وبأسه في المحاور، وخشوعه في الصلاة والدعاء، تبلورت تلك الشخصيّة الواضحة والكتومة في آن؛ فبينما كان صريح العبارة في تخطيطه لحياته وتنظيمها، والحديث عن المقاومة وانتمائه لها، إلّا أنّه لم يَبُح يوماً بطبيعة عمله، حتّى لوالده الذي كان بمثابة صديقه المقرّب، ويجمعهما مكان العمل نفسه، واقتصر حديث العمل على إبلاغه بتوقيت السفر للالتحاق بالدورات فقط لا غير. وفي إحدى المرّات، جرى بينهما حديث عن العمل، اختصره علي بقوله إنّ عمله في هذه الدنيا يجب أن يكون خالصاً لله، لهذا، فهو يهرب من المسؤوليّة والمناصب هرباً.
* مرارة الفقد
في حرب تمّوز 2006م، التحق علي وأخوه مهدي بالمجاهدين في بعلبك، حيث شاركا بما أوكل إليهما من حراسة وتأمين طعام. وعلى الرغم من الشعور العارم بالنصر والعزّة، إلّا أنّ هذه الحرب أذاقت عليّاً مرارة الفقد، بعد أن استشهد رفيق عمره محمّد، الذي ترك فراغاً كبيراً في حياته.
* خيار المقاومة
استكمل علي تحصيله الجامعيّ في موازاة عمله في المقاومة. وبعد نيل علامات عالية في الامتحانات، جاء وفد ألمانيّ لاختيار مهندسين للتدريب في شركة "بوش"، وكان علي من بينهم. وبعد أن درس اللغة الألمانيّة لمدّة شهرين، أعاد النظر بقراره، فانسحب من البعثة، وفضّل البقاء بالقرب من أهله، ووسط بيئته المتديّنة والمنسجمة مع روحيّته وتطلّعاته، وقد دعمه أهله في هذا القرار.
بعد التحاقه بصفوف المجاهدين، انهمك علي كثيراً في عمله في المقاومة، ولم تُعرف طبيعة مهامه إلّا بعد استشهاده، فتبيّن أنّه كان من المجاهدين الملاصقين للشهيد القائد حسان اللقيس، فضلاً عن أنّ طائرة الاستطلاع الأولى التي ضربت وكر "أبو مالك التلّي"، كانت من تنفيذه. أمّا بقيّة أعماله المهمّة، فهي صدقة سرٍّ جارية.
* سعي إلى لقاء الحبيب
بدأت حرب الدفاع عن المقدّسات في سوريا، التي كان علي ومهدي من أوائل الملتحقين بها، وهي لم تكشف عن عمق الصداقة بينهما فحسب، بل بيّنت أنّ ثمّة حبّاً بينهما لا يدركه إلّا أولئك الذين انكشفت أمامهم أسرار الحياة، حتّى إذا ما انتصفت ليلة القدر، جاء علي إلى أبيه بعينين لامعتين ليزّف له استشهاد مهدي، كانت لحظات حسرة لانفصال دنيويّ، تحولّت إلى سعي دؤوبٍ للقاء.
سكن الحنين قلب عليّ، في كلّ الأمكنة وفي كلّ زمان، وصار يسكن عينيه ذلك البرق الخاطف الذي يلمع كلّما تراءت له ابتسامة مهدي، فأخذ يلوذ بالدعاء سجوداً أن يرزقه الله الشهادة التي يتمنّى.
* بأحسن قبول
التقى علي بصديقه وهو طبيب عراقيّ، وقد بدت على محيّاه أمارات عجيبة، ألقت في نفس الصديق شيئاً من الغيب، وذلك حين طلب منه أن يدعو له بأن يتقبّل الله عمله الذي سينطلق إليه بأحسن قبول.
لم يرجع علي من مهمّته في تدمر، فقد كانت محطّة عبوره إلى مهدي ومحمّد وغيرهما من أحبّـته الشهداء، ولكن هذا الفَقد العزيز أثّر على زوجته التي كانت حاملاً بابنهما الرابع وهي في شهرها الخامس، وكادت أن تُجهض لولا أن جازف الأطباء واتّخذوا قرار توليدها، فأبصر ابنه النور متجاوزاً كلّ الأخطار، وكان ذلك الطفل آخر هداياه في هذا العالم.