مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاقنا | أسئلةٌ عن الله (*)


السيد الشهيد عبد الحسين دستغيب قدس سره


لماذا يخلّد غير المؤمنين في النار؟ وما هو سبب حرمانهم من الجنّة؟ وما سرّ تعذيبهم بذنوبهم؟ أسئلة كثيرة قد تتناهى إلى أذهاننا حول حساب الله وعذابه في الآخرة. وحتّى لا تتحوّل هذه التساؤلات إلى شبهات تؤثّر في اعتقاد المرء وإيمانه، ومنعاً لأيّ لبس أو شكّ، كان لا بدّ من ذكر بعضها وتوضيحه.

* الخلود في النار لا ينافي كرم الله
لماذا يُحرم من يموت على غير الإيمان من الجنّة ونعمها اللامتناهية، مع أنّ الله الكريم والرحيم، لو أدخل جميع العباد الجنّة؛ فلا ينقص من ملكه شيء ولا يخسر شيئاً، وليس ذلك خارجاً عن قدرته سبحانه، كما أنّه إذا أدخل جميع العباد النار فلا يزيد في ملكه شيئاً؟!

الجواب: إنّ حرمان غير المؤمنين من نِعم الآخرة سببه أنّهم لا يمتلكون قوّة إدراك تلك النعم، وبديهيّ أنّ استفادة الإنسان من أيّ شيء تتوقّف على إدراكه لذلك الشيء. وإنّ مقتضى الحكمة الحقيقيّة ووضع كلّ شيء في محلّه؛ هي أن تكون الأرواح الرقيقة، والأبدان المناسبة لأرواحها في الجنّة، والنفوس "الغليظة" والأقسى من الصخر (نفوس الكافرين وغير المؤمنين) مع أبدانها المناسبة لباطنها في النار.

* طريق الجنّة وإرادة الآخرة
هل يمكن لسالك طريق الجنّة أن لا يصل إليها؟ وهل يمكن أن نقول إنّ عدم وصوله إلى الجنّة حرمانٌ له منها؟ لو أنّ شخصاً زرع بذر الحنظل فأثمر له ثمراً مرّاً، هل يصحّ أن يُقال: حُرم من الثمر الحلو؟

الجواب: إنّ وصول الإنسان إلى شيء وتحقيقه لهدف ما، متوقّف على إرادته وطلبه ذلك الشيء. أمّا الشخص الذي لم يكن مؤمناً بالله، فهو لم يطلب القرب منه، ولم يرده حتّى يصل إليه وينعم به، ولم يكن يعتقد بالجنّة ولا يصدّق بها حتّى يطلبها ويصل في النتيجة إليها.

يقول تعالى في القرآن المجيد: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ (الإسراء: 19). ويُعلم ممّا تقدّم أنّ عذاب المجرمين على أعمالهم القبيحة ليس من باب التشفّي والانتقام، بل هو من باب ترتّب المسبّبات على الأسباب، مثلاً: إنّ أثر العدل والإنصاف الرحمة الإلهيّة في العالم الآخر، كما إنّ أثر الظلم العذاب والألم.

* الله يدركه العقلاء
هل من المبرّر تعذيب غير المؤمنين على ذنوبهم، مع أنّهم لم يعرفوا الله حتّى يجتنبوا عصيانه؟ مثلاً: إذا تنكّر أحد السلاطين وبقي فترة بين الناس ورأى منهم أنواع سوء الأدب وعدم الاحترام، فلا يحقّ له فيما بعد أن يعاقبهم، ولو فعل لكان ذلك منافياً للعدل، وبالتالي سيقولون: إنّا معذورون لأننا لم نعرف السلطان. هل تصحّ هذه المعادلة؟

الجواب: إنّ الجاهل الغافل عن الله ليس معذوراً أبداً، والتشبيه بالسلطان المتنكّر الذي لم يعرفه الناس خطأ؛ لأنّ الله سبحانه ليس خافياً على أيّ عاقل، وإذا لم يعرفه عاقل فلأنّه لم يرد أن يعرفه. نعم، إذا كان محروماً من نعمة العقل فهو معذور، وإلّا فإنّ العاقل الذي يكتفي في إثبات شيء بدليل عقليّ قطعيّ ويطمئنّ إليه؛ كيف يشكّ في الله مع أنّ نجوم السماء وحبّات المطر وأوراق الشجر، وكلّ ذي روح وكلّ متحرّك في البرّ والبحر، وكلّ ما تلبّس بثوب الوجود، كلّ ذلك شاهد على كمال علمه وقدرته؛ إذ إنّ كلّ ما نبت من الأرض يقول: وحده لا شريك له، وكلّ ورقة من ورق الشجر الأخضر -في نظر الفطن- دفترٌ في معرفة الله؟!

يمكن التشكيك في كلّ شيء، إلّا في الله سبحانه ورحمته وعدله: ﴿أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (إبراهيم: 10).


(*) مقتبس من كتاب القلب السليم، ج1، ص 176-180.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع