تقرير: فاطمة خشّاب درويش
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "إنّ مراسم عزاء الإمام الحسين عليه السلام وإحياء ذكرى عاشوراء، من أهمّ ما يميّز الشيعة عن سائر إخوتهم المسلمين، فمنذ أن أصبحت ذكرى مصيبة الإمام الحسين عليه السلام سُنّةً يُعمَل بها؛ تفجّرت فيوضٌ ومعنويّاتٌ في قلوب محبّي أهل البيت عليهم السلام وأذهانهم، وما زالت تتفجّر إلى يومنا هذا"(1).
نظراً لأهميّة الدور الذي يقوم به المنبر الحسينيّ، نسأل عن أهميّة إعداد الخطيب الحسينيّ المتخصّص في زمننا الذي يواجه تحدّيات عدّة على صعيد تحريف التاريخ، والحرب الناعمة الثقافيّة، والإجابة تكمن في تأسيس "كليّة سيد الشهداء". حول الكلّيّة ودورها، أعدّت مجلة "بقيّة الله" هذا التقرير، الذي واكبنا به مدير كلّيّة سيّد الشهداء للمنبر الحسينيّ، سماحة الخطيب الحسينيّ الشيخ علي سليم.
* معهد سيّد الشهداء: البذرة الأولى
لم تكن "كليّة سيّد الشهداء" التجربة الأولى لإعداد الخطيب الحسينيّ، فبحسب سماحة الشيخ علي سليم، ثمّة بذرةٌ أولى، إذ يقول: "في العام 2003م، تأسّس معهد سيّد الشهداء عليه السلام بتوجيه من الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)، وهو مؤسّسة ثقافيّة متخصّصة تُعنى بشؤون النهضة الحسينيّة ونشرها، وإعداد خطباء المنبر الحسينيّ وتنمية قدراتهم، معتمدة على كفاءات علمائيّة وخبرات فنّيّة وإداريّة. وقد استطاع المعهد خلال نحو 20 عاماً أن يخرّج أكثر من 300 قارئ عزاء. وتوالى على إدارته علماء أجلّاء منهم حوزويّون وخطباء، وهو حاليّاً يُعنى بتأهيل خطباء المنبر الحسينيّ ومتابعتهم، لكنّ برنامجه كان يقتصر على الجانب الفنّيّ والتخصّصيّ للخطابة في السيرة الحسينيّة، والأطوار، والمهارات الصوتيّة، وتركيب المجلس الحسينيّ، وبعض المواد المرتبطة بالتبليغ".
* تأسيس كلّيّة سيّد الشهداء عليه السلام
في العام 2019م، كانت ولادة كلّيّة سيّد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسينيّ؛ لتؤديّ دوراً إضافيّاً. يقول سماحة الشيخ سليم: "لاحقاً، لاحظ القيّمون في جمعية المعارف الإسلامية الثقافية حاجة المجتمع التبليغيّة على مستوى المنبر الحسينيّ، لما له من تأثير على الساحة الشيعيّة بشكلٍ خاصّ والإسلاميّة بشكلٍ عام. مع ملاحظة ما تفرضه التحدّيات الحديثة، وما يستدعي صيانة ثقافتنا الإسلاميّة عموماً. وبما أنّ المنبر الحسينيّ يمتاز بأسلوب تبليغيّ يجذب الناس ويؤثرّ فيهم؛ فقد نشأت الفكرة بتأسيس كلّيّة يكون برنامجها الدراسيّ متخصّصاً ومكثّفاً، وأطول نسبيّاً، ويمكنها أن تستقبل طلّاباً من خارج طلبة العلوم الدينيّة، فتخضعهم إلى تخصّص العلوم الدينيّة".
* تقديم السيرة الحسينيّة نضرةً
تبثّ بعض المنابر الحسينيّة أفكاراً مغلوطة عن السيرة الحسينيّة، فكيف تعمل الكلّيّة على التصدّي لذلك؟ يجيب سماحة الشيخ: "أحياناً يقدّم قرّاء العزاء أفكاراً مغلوطة عن النهضة الحسينيّة، تتضمّن مبالغات كثيرة، والهدف إثارة العاطفة على حساب إبراز الجوانب المعنويّة للثورة الحسينيّة، وما له علاقة بالعزّة والكرامة والروح الثوريّة والإباء والتصدّي لمواجهة الظلم". ويضيف سماحته: "صحيح أنّ إبراز المظلوميّة التي تعرّض لها الإمام الحسين عليه السلام أمرٌ ضروريّ، فضلاً عن تحريك العاطفة تُجاه واقعة كربلاء، ولكنّهما قد يأخذان منحى آخر؛ لذلك، كانت المهمة في البداية ضرورة معالجة هذه الثغرة، ووضع أُسس لخطابة العزاء بحيث يكون المنبر هادفاً ورساليّاً، يتمتّع فيه الخطباء بآفاق ثقافيّة واسعة وأسس معتبرة، ويقدّمون السيرة الحسينيّة من المصادر المعتبرة والموثوقة حصراً".
* بناء الخطيب الحسينيّ
أمّا عن نظام الدراسة والبرنامج التدريسيّ في الكلّيّة، فيشرح سماحة الشيخ قائلاً: "يشرف على عمل كلّيّة سيّد الشهداء عليه السلام هيئة مؤلّفة من مجموعة من العلماء والخطباء وأصحاب الاختصاص والخبرة؛ برئاسة مسؤول وحدة التبليغ والأنشطة الثقافيّة. وقد أجرت الكلّيّة تقويماً لعملها على مدى السنوات السابقة، طال الطلّاب والأساتذة والعاملين فيها والنظام التعليميّ والبرامج المعتمدة. وبناءً عليه، عُدّل نظام الدراسة في الكلّيّة؛ ليصبح ممتدّاً لأربع سنوات، بمعدّل فصلين في كلّ عام، والسنة الرابعة تتضمن فصلاً لكتابة مشروع التخرّج". وعن البرنامج التدريسيّ في الكلّيّة، يقول سماحته: "يشمل البرنامج التعليميّ موادّ تساعد الطلاب على تحصيل المقدّمات الحوزويّة، تتضمّن: النحو والصرف، والمنطق، والفقه، إلى جانب مواد ثقافيّة ومعرفيّة ضرورية كالعقيدة، والأخلاق، والسيرة النبويّة، وسيرة أهل البيت عليهم السلام، والفكر السياسيّ، وفكر ولاية الفقيه. كما يشمل البرنامج التعليميّ موادّ تخصّصيّة أساسيّة، تهمّ الخطيب الحسينيّ وتشمل: السيرة الحسينيّة، والمهارات الصوتيّة، والأطوار، والمقامات، وتجويد القرآن، وعلوم القرآن. وغالبيّة هذه المواد تُدرّس من إصدارات جمعيّة المعارف الثقافيّة".
* السلوك إلى جانب التعليم
يضيف سماحة الشيخ: "تنظّم الكلّيّة ورشاً تفاعليّة للطلّاب، سمعيّة وبصريّة، تساعد على بناء شخصيّة الخطيب، كورش عمليّة عن لغة الجسد، وأخلاقيّات المدرّب الحسينيّ، وعاشوراء في فكر الإمام الخامنئيّ دام ظله ". ويلفت سماحته إلى ميزة إضافيّة تلحظها الكليّة في عملها، وهي أنّ "تعزيز برنامج إعداد الخطيب لا يكون على المستوى التعليميّ فحسب، وإنّما من خلال برنامج تربويّ يواكب الطالب أخلاقيّاً وسلوكيّاً، وكذلك على مستوى حفظ القرآن الكريم وقصائد أهل البيت عليهم السلام ومواعظهم وخطبهم ووصاياهم. كذلك يوجد برنامج مطالعة يوفّر مجموعة كتب للطلّاب، بهدف دعم ثقافتهم على جميع المستويات الفكريّة، والثقافيّة، والأخلاقيّة".
وعن أساتذة الكُليّة، يقول سماحته: "ثمّة تشدّد في اختيار الأساتذة والمدرّسين في الكلّيّة، إذ يتمّ اختيار الأكثر كفاءة، سواء في العلوم الحوزويّة أم في العلوم العامّة".
* شروط الانتساب إلى الكلّيّة
يؤكّد الشيخ سليم على "أهميّة أن يكون الطالب متفرّغاً للدراسة؛ لأنّ بناء شخصيّة الخطيب الحسينيّ المسؤول والواعي، يأتي نتيجة مراكمة البحث والسؤال والنقاش، والحضور في الصفّ للاستفادة من خبرات الأساتذة، إضافةً إلى أنّ هذه الدراسة تستدعي إنجاز الطالب كثيراً من التكاليف البحثيّة، فهي بحاجة إلى أن يعطيها وقته". أمّا شروط الانتساب، فهي:
1. أن لا يكون مرتبطاً بعمل يتخطّى 3 ساعات، حتّى يستطيع متابعة الدراسة بالشكل الكافي.
2. أن يكون ملتزماً بحضور الصفوف صباحاً في الكلّيّة.
3. أن يكون حائزاً على شهادة الثانويّة العامّة.
هذا وتؤمّن الكلّيّة سكناً للطلّاب القادمين من مختلف المناطق اللبنانيّة، كما تقدّم للطالب هديّة ماليّة شهريّة.
* شخصيّات بالمواصفات المطلوبة
ماذا تضيف كلّيّة سيّد الشهداء عليه السلام إلى المنتسبين إليها؟ يؤكّد الشيخ علي سليم أنّ: "الكلّيّة تزوّد الطالب بكلّ ما يحتاجه من علوم ومعارف وتقنيّات، فيصبح قادراً على اعتلاء المنبر وإيصال أصداء النهضة الحسينيّة إلى الناس بنصاعتها، ومبادئها، وأبعادها. عندها، يصبح لدى الطالب القدرة على تقديم الواقعة الحسينيّة دون شوائب وبأسلوب مؤثّر وحزين وجاذب، وبثّ الوعي بين الناس، وتقديم العِبرة واستدرار العَبرة".
وبالفعل، تُحدث الكلّيّة نقلةً نوعيّة في المنتسبين إليها، يقول سماحة الشيخ: "ثمّة عدد من الطلّاب الذين كانوا يفتقرون في بداية دراستهم إلى الفنّيّات اللازمة والاطّلاع الواسع على العلوم المختلفة، خصوصاً في مجال سيرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، لكن تطوّر حالهم بشكلٍ واضح، وأظهر بعضهم أداءً مميّزاً، فبدأوا بقراءة العزاء قبل التخرّج؛ وذلك نتيجة متابعة الدراسة بشكلٍ جدّيّ".
* تطلّعات مستقبليّة
ماذا عن تطلّعات الكلّيّة؟ يقول سماحته: "التطلّعات كبيرة؛ فالكلّيّة مشروع واعد، وهي تقوم بدور فاعل ومهمّ من خلال رفد الساحة الإسلاميّة بقرّاء العزاء والخطباء الحسينيّين"، مؤكّداً على "أهميّة تعزيز عمل الكلّيّة ودعمها بشكل أكبر، ليس فقط على المستوى المادّيّ بل على صعيد تأمين كلّ المستويات اللوجستيّة والبنى التحتيّة التي تسهّل العمل". ومن الأولويّات التي يُعمل عليها "تعزيز عمل الكلّيّة من خلال بذل الجهود في مختلف أقسام الكلّيّة، وهي: منتدى الأدب الحسينيّ، وملتقى الندب الحسينيّ، ومركز الدراسات والبحوث الحسينيّة".
وحول إمكانيّة توسيع عمل الكلّيّة من خلال إنشاء فروع لها في بعض المناطق، وكذلك فرع خاصّ بخطيبات المنبر الحسينيّ، يلفت سماحته إلى أنّه "لا يوجد حتّى الآن قرار في تأسيس فروع في المناطق، أو فرع للخطيبات"، مشيراً إلى "تعاون قد جرى بين الكلّيّة وحوزة السيّدة الزهراء عليها السلام من خلال تنظيم دورة لطالبات الحوزة، في المواد التخصصيّة ذات الصلة بالخطابة ومهارات الخطيب الحسينيّ".
(1) من كلمة ألقاها دام ظله بتاريخ 09/06/1994م.