آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها

"هناس": الجهاد النوويّ في السينما الإيرانيّة


د. نبيه أحمد(*)


حفلت السينما الإيرانيّة بالعديد من الأفلام التي تحدّثت عن الجهاد؛ فثمّة أفلام الدفاع المقدّس، التي تدور أحداثها حول الحقبة السابقة والحالية، مثل الحرب المفروضة مع العراق، وبطولات المقاومين من شباب الحرس الثوريّ، نذكر منها: "المعبر"، و"عروج في الليل"، و"زورق باتّجاه الشاطئ". وثمّة أفلام أخرى تحدّثت عن أبطال من نوع آخر، وهم جرحى الحرب من المجاهدين والمدنيّين، مثل: "ميم مثل مادر"، و"شيار"،...، أو الأفلام التي تحدّثت عن الجهاد المقدّس في سوريا، مثل: "بتوقيت الشام" للمخرج إبراهيم حاتمي كيا(1).
ولكن، هل ينحصر الجهاد في هذه المجالات فقط؟

• جهاد من نوع خاصّ
تجيب السينما الإيرانيّة عن هذا التساؤل، فتوسّع دائرة عملها لتشمل أولئك الجنود المجهولين، الذين فتح الله لهم باباً خاصّاً للجنّة أيضاً، وهم المجاهدون بالعلم، فجعلوا العلم درعاً للدفاع عن شرف الجمهوريّة الإسلاميّة، وجعلوا منه سيفاً يقطع كلّ يد تمتدّ إلى بلدهم وخيراته.
من هنا، نال موضوع العلماء النوويّين نصيباً في الإنتاجات السينمائيّة الإيرانيّة، وإن لم يبلغ حجم الإنتاجات ما يوازي حجم التضحيات التي قُدّمت على مذبح الشهادة، إلّا أنّ فتح هذا الباب مؤشّر على اهتمامٍ مختلف لسينما الجهاد.
أمّا سبب اختيار هذا الموضوع الحسّاس ليكون فيلماً، فهو أنّ الشعوب بشكلٍ عام، والمجتمع الإيرانيّ بشكلٍ خاصّ، تسمع أخبار المباحثات النوويّة وتشاهدها منذ وقت طويل، ولكن لم يتح لها المجال للدخول إلى كواليس هذا العالم، وما يتعرّض له أصحابه من مخاطر أمنيّة، تؤدّي في بعض الأحيان إلى ارتقاء عدد منهم شهداء.
فما هي القضايا التي تركّز عليها هذه الأفلام؟

• قضايا أفلام الجهاد النوويّ
ثمّة مجموعة من القضايا أو المواضيع التي تسلّط عليها أفلام الجهاد النوويّ الضوء، وهي كالآتي:
1. طبيعة حياة المجاهدين من العلماء النوويّين، في ظلّ المخاطر الأمنيّة، التي يتعرّضون لها من الأجهزة الأجنبيّة، وخاصّة الصهيونيّة والبريطانيّة والأمريكيّة.
2. علاقة العالِم النوويّ بعائلته ومحيطه الاجتماعيّ.
3. المغريات الماديّة التي يتعرّض لها العالِم النوويّ لمغادرة وطنه.
4. الفكر الثوريّ الأصيل الذي يحمله، بالإضافة إلى التزامه الدينيّ والوطنيّ.

• نماذج أفلام
في جولة سريعة على أفلام الجهاد النوويّ، يطالعنا فيلم "بادی گارد"(2) أو (الحارس الشخصيّ) للمخرج إبراهيم حاتمي كيا، بطولة برويز برستوي، وكذلك مسلسل "ميراث مجيد"، للمخرج حسين تبريزي، ويتناول قصّة الشهيد النوويّ مجيد شهرياري، وفيلم "روباه" (الثعلب) للمخرج بهروز افخمي، الذي يتحدّث عن التهديدات المتعلّقة بالسلاح النوويّ، وآخر الأفلام التي أُنتجت هي فيلم "هناس" للمخرج حسين دارابي، وهو أوّل فيلم روائيّ طويل له بعد تجربة كبيرة في إخراج الأفلام القصيرة.

• ملخّص فيلم "هناس"
هو فيلم دراميّ مبنيّ على قصّة واقعيّة، لحياة عالِم نوويّ وزوجته التي تعمل جاهدة لإبعاد الخطر عن حياة زوجها، في ظلّ صراعات الحياة بين أداء الواجب والابتعاد عن الخطر.
يُكتب للمخرج "حسين دارابي" أنّه استطاع نقل قصّة العالِم النوويّ "داريوش رضائي نجاد" من السرّ إلى العلن، وتجسيد محطّات من حياته بشكلٍ واقعيّ يلامس القلب، مع الصراعات الداخليّة والخارجيّة الخطيرة، لتكون شاهداً على الإخلاص للقضيّة من ناحية، وأداء الواجب العائليّ من ناحية أخرى، مع ما يستتبع ذلك من صراع داخليّ تكون نتيجته محسومة لمن يحمل هذه القيم في قلبه.

• مميزات العمل
عندما نشاهد "هناس"، ننجذب إليه منذ اللحظة الأولى لأسباب عدّة:
1. اكتشاف شخصيّة الفيلم سريعاً: سنعرف من شارة البداية أنّها قصّة شهيد نوويّ، ورد اسمه في الأخبار كضحيّة للإرهاب الأمنيّ الخارجيّ، الذي استهدف حياته أمام عائلته.


2. طريقة سرد الأحداث: سنعرف النهاية منذ البداية. ولكنّ الجميل في الفيلم هو طريقة سرد الأحداث؛ فجميعنا يعرف أنّها قصّة واقعيّة، ولكن عندما يتدخّل السياق الدراميّ في الأحداث الواقعيّة، نرى أنّها تصبح جسداً واحداً، ومشهداً متكاملاً لا نقدر على تخمين ما هو الواقعيّ منه وما هو المبتكر من قِبل المخرج. فالأحداث مرتبطة بالقصّة، لكن مشهد داريوش مع زوجته تحت ظلال القمر، يجعل المشاهد يستفيق من حركة الأحداث المتسارعة التي فرضها موضوع الفيلم الأمنيّ السياسيّ.


3. تقديم صورة مشرّفة عن المرأة الإيرانيّة: استطاعت "ماريلا مزارعي"، التي تلعب دور زوجة العالِم الإيرانيّ، أن تقدّم صورة ناصعة عن المرأة الإيرانيّة، التي تحمل قضيّة زوجها وتدافع عنها بالرغم من كلّ الضغوطات التي تتعرّض لها. إنّها المرأة نفسها التي وقفت في وجه دبّابات صدّام إبّان حربه على إيران، وهي نفسها التي وقفت في وجه الشاه؛ لتدافع عن قضيّة الإمام الخمينيّ قدس سره، هي المرأة المقاومة التي أصبحت مثالاً حيّاً للتضحية والإباء.


4. تناسب الشخصيّة مع الأحداث: بالنسبة إلى وحيد رهباني (الذي لعب دور العالم الإيراني) فمنذ أن شاهدناه في مسلسل كاندو (التمساح) بجزأيه الأوّل والثاني، وأحببنا دوره فيه، نرى أنّه قد أخذ منحى آخر في صناعة الشخصيّات، إذ يسجّل له الإقناع في بعض المواقف، والخروج عن مستواه في مواقف أخرى، ومع ذلك، استطاع تطوير الشخصيّة التي لعبها؛ لتتلاءم مع تسارع الأحداث ووتيرة المشهد.

• ما كان لله ينمو
لا يتّسع المقال للخوض أكثر في تحليل الفيلم، لكن يبقى أن نقول إنّ موضوع العلماء النوويّين الشهداء هو ملحمة فنّيّة للسينما تحتاج إلى الكثير من الأفلام والأعمال الفنّيّة لتعبّر عنها؛ فالخفايا التي يختزلها هؤلاء في حياتهم كفيلة بأن تجعل العالم يفهم جيّداً أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة، التي تصنع هؤلاء الأبطال، لا تركع لمجرّد فرض عقوبات أو استهداف علماء، فهذا الجيل الثوريّ يتنامى يوماً بعد يوم؛ ليشهد على انتصار إيران في "حربها النوويّة" في وجه الغطرسة الغربيّة والكيان الصهيونيّ الغاصب، الزائل قريباً بإذن الله.
 

(*) باحث في مجال السينما الدينيّة.
1. نُشرت مقالة للكاتب تتحدّث حول الفيلم بشكل مفصّلhttps://baqiatollah.net/article.php?id=6179 
2. عُرض فيلم "الحارس الشخصيّ" على مسرح رسالات في حضور مخرج العمل، وقد نال استحسان الجمهور. حصد الفيلم جوائز عدّة في مهرجان الفجر السينمائيّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع