آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
لم تغفل التعاليم الدينيّة عن تقديم الإرشادات والنصح لكثيرٍ ممّا يقوم به الإنسان من أعمال في حياته، لما لها من خير وسعادة في دنياه وآخرته. وفي ما يأتي نشير إلى بعضٍ منها:
* ذكر الله
عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "وذِكرُ الله على كلّ حالٍ، ليس سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، فقط، ولكن إذا ورد عليك شيء أمَرَ الله عزّ وجلّ به، أخذتَ به، أو إذا وَرَدَ عليك شيءٌ نَهَى الله عزّ وجلّ عنه، تَرَكته"(1).
لقد حثَّ الإسلام على ذكر الله، وبيَّن لنا كيفيّة ذلك؛ بأن يلهج الذاكر بما ورد عن الشارع المقدّس من أذكار، لا أن يسعى إلى أذكار مبتدعة؛ وهو ما أكّد عليه علماء العرفان. فالذكر المأثور هو عمل صالح، سواء أكان باللّسان أم بالقلب، لكنّه ليس سيّد الأعمال الصالحة، وإنّما الذكر القلبيّ هو سيّد الأعمال الصالحة كافّة بما فيها الذكر باللسان أو القلم؛ حيث إنّ قلب الإنسان سائس جميع أعضائه. عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "مَن أكثَرَ ذِكر الله، أظلَّه في جنَّته"(2).
كذلك ينطوي الذكر الدائم على خصوصيّة دفع العدوّ ومنعه؛ ذلك أنّ إبليس بخيله ورجله، داخليّاً وخارجيّاً، يسعى إلى وسوسة الإنسان واختراق حريم قلبه، ولكن بمقدور الإنسان رجمه ومنعه من النفوذ عبر المواظبة على ذكر الله. وللذكر خاصيّة رفع السلبيّات، فإذا ما تمكَّن الشيطان من اختراق الإنسان نتيجة لتراخي الأخير وتقاعسه، يستطيع، مع ذلك، بكثرة الذكر رفع الآثار السيّئة الحاصلة، وهو وسيلة جذب أيضاً؛ لأنّ جذب ذكر الله إلى العبد رهنٌ بالذكر؛ لذا، لا بدّ دائماً من الاشتغال بالذكر، لكي ينعم ببركاته الوفيرة(3).
* ذكر الله محصّن من المعصيّة
من همَّ بارتكاب المعصية، فعليه أن لا يستسلم لها، وأن يتوكّل على الله، ويستعيذ به من حبائل الشيطان. وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: "وَمَن همَّ بسيِّئة فلا يعملها فإنَّه ربّما عمل العبد السيِّئة فيراه الربُّ تبارك وتعالى فيقول: لا وعزّتي وجلالي لا أغفرُ لك بعدها أبداً"(4). ولتحقيق اليقظة المطلوبة جملة من الوصايا:
1. ذكر الله دائماً: خير عامل لقضاء الحاجات ذكر الله قاضي الحاجات الغنيّ عن كلّ حاجة؛ وحيثما لم يبادر العبد بلسانه في كلّ زمان ومكان إلى اغتنام هذه الفرصة، فسيجرّ على نفسه الحسرة والندم(5).
وعلى الإنسان أن يحاسب نفسه وأن يستثمر ثروته على أفضل نحو. فقد قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "لا يتمكّن الشيطان بالوسوسة من العبد إلّا وقد أَعْرض عن ذِكر الله، واستهان بأمره، وسكن إلى نهيه، ونسي اطِّلاعه على سرِّه"(6).
2. الاستعاذة من الشيطان وعمله: إنّ من غفل، لن يغفل الشيطان عنه. وذكر الله والاستعاذة به هما خير سبيل أمام المؤمنين للنجاة من شراك الشيطان؛ ولا ينبغي للسان أن ينسى ذكر الله ويغفل عنه؛ فهو ما يحتاج إليه الإنسان دائماً وأبداً. قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "إذا أتاك الشيطان موسوساً ليُضِلَّك عن سبيل الحقِّ ويُنسيك ذِكر الله، فاستعِذ منه بربِّك وربِّه؛ فإنّه يؤيِّدُ الحقَّ على الباطل وينصُرُ المظلوم بقوله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (النحل: 99)"(7).
3. الحذر من الوقوع في العُجب: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاك والإعجاب بنفسك والثقة بما يُعجبك منها وحُبَّ الإطراء؛ فإنَّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليَمحَقَ ما يكون من إحسان المحسن"(8).
وإذا تحقّق ذكر الله وتيقّظ الإنسان دائماً لاطّلاع الله تبارك على حاله، صارت خشية الله ملء وجوده، ولانَ قلبه، واطمأنّت نفسه، وفاضت عيناه بدموع الشوق.
(*) مقتطف من كتاب مفاتيح الحياة، الفصل 12، ص182-184.
(1) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 2، ص 144.
(2) المصدر نفسه، ج 2، ص 500.
(3) انظر: الشيخ جوادي الآملي، تسنيم، ج 7، ص 558.
(4) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 2، ص 142-143.
(5) انظر: الشيخ جوادي الآملي، مصدر سابق، ج 7، ص 554.
(6) العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 69، ص 124.
(7) المصدر نفسه، ج 69، ص 125.
(8) المصدر نفسه، ج 74، ص 264.