الشيخ حسّان الحركة
التختّم سنّة من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، التي قال عنها الإمام الصّادق عليه السلام: "مِنَ السُّنَّةِ لُبْسُ الْخَاتَمِ"(1). فيستحبّ لبس الخاتم ولا يجب.
وقد قال الله سبحانه في كاتبه الكريم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 20)؛ للدلالة على أنّ التأسّي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصلة جميلة زاكية يتّصف بها جمع ممّن تلبّس بحقيقة الإيمان فكان يرجو الله واليوم الآخر، أي تعلّق قلبه بالله فآمن به وتعلّق قلبه باليوم الآخر فعمل صالحاً، ومع ذلك ذكر الله كثيراً فكان لا يغفل عن ربّه، فتأسى بالنبيّ في أفعاله وأعماله(2).
وسنعرض في هذا المقال ما ورد في فضل التختّم وبعض آدابه.
* استحباب التختّم
يستحبّ التختّم بالوَرِق(3)؛ أي الفضّة، وليكن في اليمين، ويكره في اليسار، وفي رواية رخّص في اليسار، والمشهور من الروايات أنّ معاوية سنّ ذلك.
ورويت الأخبار الكثيرة في التختّم باليمين واليسار، وفي استحباب التختّم بالياقوت والزمرد والفيروزج والجزع اليماني ودرّ النجف والبلور والعقيق(5).
* الدعاء عند لبس الخاتم
قال الشيخ المقدّس الصدوق رحمه الله في كتابه المقنع: فإذا لبست خاتماً، فقل: "اللّهمّ سوّمني بسيماء الإيمان(6)، وتوّجني بتاج الملك، وقلّدني حبل الإسلام، ولا تخلع ربقة(7) الإيمان من عنقي"(8).
* التختّم في اليمين
يجوز التّختّم في اليمين واليسار، وفي اليمين أفضل(9). عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أَخِي مُوسَى عليه السلام عَنِ الْخَاتَمِ يُلْبَسُ فِي الْيَمِينِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فِي الْيَمِينِ وإِنْ شِئْتَ فِي الْيَسَارِ"(10).
أمّا سبب التختّم باليمين، فلما ورد فيه من خصال:
1. من سنن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام: روي في الأحاديث المعتبرة أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام كانوا يتختّمون في اليد اليمنى. عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الصادق عليه السلام: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِه"(11)، وعنه عليه السلام: "أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِه"(12). وعنه عليه السلام، قَالَ: "كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِه"(13).
2. من علامات المؤمن: عن الإمام العسكريّ عليه السلام: "علامات المؤمن خمس: [منها] التّختّم في اليمين"(14). وجعل ذلك من علامات المؤمن من حيث إنّ المخالفين لا يرون استحباب التختّم في اليمين، بل يستحبّون التختّم في اليسار(15).
3. من علامات الشيعة: سُئل الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن تختّم أمير المؤمنين عليه السلام في يمينه لأيّ شيء كان؟ قال: "لأنّه كان إمام أصحاب اليمين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يتختّم بيمينه وهو علامة لشيعتنا يُعرفون به..."(16).
4. فضيلة للمقرّبين: ورد في وصيّة النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: "يا عليّ، تختّم في اليمين فإنّها فضيلة من اللَّه عزّ وجلّ للمقرّبين"(17).
* التبليغ بالخواتيم
عن الإمام الصّادق عليه السلام: "وبلّغوا بالخواتيم"(18). قال الشيخ الصدوق (رضي الله عنه): "قد روى هذا الحديث أبو سعيد الآدمي، وقال في آخره: بلّغوا بالخواتيم، أي اجعلوا الخواتيم في آخر الأصابع ولا تجعلوها في أطرافها، فإنّه يروى أنّه من عمل قوم لوط"(19).
* التختّم في الدعاء والصلاة
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "صلاة ركعتين بفصّ عقيق تعدل ألف ركعة بغيره"(20). وقال عليه السلام: "ما رفعت إلى الله كفّ أحبّ إليه من كفّ فيها عقيق"(21).
يدل الحديث على استحباب لبس خاتم العقيق في الصلاة، وروي الخبر الأوّل في كتاب عدّة الداعي عن الإمام الصادق عليه السلام.
عن الإمام الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: "إنّ كلّ شيء عليك تصلّي فيه يسبّح معك"(22). ما يدل على استحباب كثرة الملابس في الصلاة حتّى الخواتيم(23).
* تختّم المرأة
اتّفق علماؤنا على حرمة إظهار زينة المرأة لغير محارمها(24). وقد أفتى الإمام السيّد علي الخامنئيّ دام ظله بوجوب ستر الخاتم على المرأة إذا عُدّ من الزينة، أو كان لافتاً لنظر الأجنبيّ؛ أي الرجل من غير محارمها(25). إلّا أنّ هذا الحكم لا ينافي الحكم باستحباب التزيّن للرجل والمرأة عند زيارة المساجد وفي الجمعة والعيدَين. فالرجل يتزيّن لزوجته وللمؤمنين بثياب التجمّل ولبس الخاتم واستعمال الطيب وتسريح الشعر، والمرأة تتزيّن(28) للصلاة ولزوجها ولعائلتها وبينها وبين المؤمنات، ولا ينافي أيضاً الحكم باستحباب التختّم للمرأة.
قال علماؤنا أعلى الله مقاماتهم: الأصل اشتراك المكلّفين في الأحكام الشرعيّة، فلا فرق بين الرجل والمرأة. على أنّ الكثير من الروايات لم تخصّص التختّم بالرجل، وما ورد في بعضها من الأجر والفضل يعمّ جميع المؤمنين من الرجال والنساء على حدّ سواء.
فإذا أرادت المرأة تحصيل فضيلة التختّم، فلها أن تتختّم بما ورد فيه الفضل من الأحجار في بيتها وأمام محارمها، ولها أن تظهره أمام النساء، وتلبسه في صلاتها ودعائها لتنال الأجر والقربة. وينبغي لها أن تستره عن عيون الرجال الأجانب (بالقفّازات مثلاً) لكي لا تنقلب طاعة الله إلى معصيته، فتجعل طاعة الله سلّماً لمعصيته. ولها أن تلبس الأحجار التي ورد استحبابها في قلادة مستورة عن الناظر الأجنبيّ، حيث يظهر من بعض الأخبار أنّ لهذه الأحجار فضلاً بنفسها مضافاً إلى فضل التختّم بها.
1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 6، ص 468.
2- العلّامة الطبطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج16، ص 289. (بتصرّف).
3- الورق بفتح الواو وكسر الراء: الفضة.
4- العلامة المجلسي (الأول)، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج 7، ص 518.
5- أي أظهر علامة الإيمان في أقوالي وأفعالي وسائر أحوالي (الطريحي، مجمع البحرين، ج 6، ص 94، مادّة: سوم) والسيماء: العلامة والهيئة.
6- الربق بالكسر: حبل فيه عدّة عرى... الواحدة من العرى: ربقة. (الجوهري، الصحاح، ج 4، ص 1480) والرِّبْقُ: الحبْلُ والحَلْقةُ (ابن منظور، لسان العرب، ج 10، ص 112).
7- الشيخ الصدوق، المقنع، ص 544.
8- المصدر نفسه، ج 2، ص 136. (وذكر الحديث)
9- الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 6، ص 469.
10- المصدر نفسه، ج 6، ص 469.
11- المصدر نفسه، ج 6، ص 469.
12- المصدر نفسه، ج 6، ص 469.
13- الشيخ الطوسي، مصدر سابق، ج 6، ص 52.
14- البحراني، الحدائق الناضرة، ج 8، ص 348، بتصرّف.
15- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 158.
16- المصدر نفسه، ج 1، ص 158.
17- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 1، ص 212.
18- الشيخ الصدوق، الخصال، ص 259.
19- أي تركه عارياً والمقصود أن تلبس خاتماً فيه.
20- العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 80، ص 188.
21- الشيخ الصدوق، مصدر سابق، ج 2، ص 336.
22- العلّامة المجلسي، مصدر سابق، ج 80، ص 188.
23- واختلفوا في جواز إظهار الزينة الظاهرة، وهي الكحل والحناء ولبس الخاتم والسوار...
24- استفتاء شخصيّ لمكتب الإمام الخامنئيّ دام ظله في بيروت.
25- ومن الزينة: تسريح الشعر، وتحسين الثوب، واستعمال الطيب، ولبس الخاتم.