تحقيق: كوثر حيدر
تحيط بنا صور كثيرة لغرف عمليّات ومرضى يتألّمون، تحكي كلّ واحدة منها عن أوجاع مختلفة؛ فكلّ حالةٍ لا تشبه الأخرى، وكلّ ألمٍ له صوتٌ منفرد، وأحبابٌ كُثر ينتظرون شفاءه.
إنّنا في عيادة الدكتور فادي ناصر الدين، الطبيب المتخصّص في جراحة العظام، للوقوف عند مرض شائع من أمراض هذا العصر، هو "داء المفاصل"، الذي بات يصيب العديد من الأشخاص، من مختلف الأعمار، مسبّباً لهم آلاماً كثيرة قد تعيقهم عن الحركة. فما هي أسباب هذا المرض؟ وما هي طرق الوقاية منه وعلاجه؟
* سبب ألم المفاصل
للمفاصل أهميّة كبيرة في جسم الإنسان، فهي المسؤولة عن التقاء عظم بعظم آخر، أو عظم بغضروف، أو التقاء غضروفين معاً. ولكن ما هو سبب ألم المفاصل؟ يقول الدكتور فادي ناصر الدين: "تحدث آلام المفاصل نتيجة إصابتها بالتهابات تؤدّي بدورها إلى إصابة الأعصاب الطرفيّة في المفصل، مسبّبةً لها الألم. وأسباب هذه الالتهابات عديدة، منها: روماتيزم المفاصل، والتهابات المفاصل المزمنة، والتنكّسات المفصليّة، والإصابات الرّياضيّة".
أمّا عن ألم مفاصل الركبتين، وهو مرض شائع يصيب كبار السنّ خصوصاً، فيقول الدكتور ناصر الدين شارحاً: "تعود أسباب التنكّسات المفصليّة بشكل أساسيّ إلى خشونة المفاصل إثر التقدّم في السنّ؛ لأنّ هذا العامل يجعل الغضروف يخسر المادة السائلة (الماء) منه، التي تعدّ أهمّ مكوّناته، ممّا يؤدّي إلى حدوث خشونة وتنكّسات فيه. كما يحدث هذا الألم نتيجة التعرّض لإصابات تسبّب خشونة في الغضروف والأربطة، فضلاً عن تنكّسات وتمزّقات.
* عوارض آلام مفاصل الرّكبة
تظهر عوارض آلام مفاصل الركبة بأشكال عدّة واضحة، وحول ذلك يقول الدكتور: "تسبّب الآلام المفصليّة إعاقة في الحركة، مضافاً إلى آلام تظهر خلال فترة النوم، وأيضاً خلال النهار، خصوصاً عند ثني الركبتين، أو المشي طويلاً، أو أثناء صعود الدرج، أو خلال المشي على أسطح متعرّجة، وأيضاً عند اتّخاذ وضعيّة القرفصاء".
* على النّساء الحذر بشكلٍ أكبر!
هل الرجال أكثر عرضةً للإصابة بهذا المرض أم النساء؟ حول ذلك يجيب الدكتور: "المسألة تختلف بين النساء والرجال، حيث تعدّ النساء أكثر عرضة لهذا المرض، بسبب بنيتهنّ الجسديّة، خاصة عند زيادة وزنهنّ، الأمر الذي يؤدّي إلى تضيّق في المفاصل وتنكّسات تؤدّي إلى الشعور بآلام المفاصل".
* نصائح قد تساعدك
ثمّة مجموعة من النصائح التي تساعد في تجنّب آلام المفاصل أو تخفيفها، يذكر الدكتور ناصر الدين بعضاً منها:
1. المحافظة على الوزن: إنّ اتّباع نظام صحّيّ يساهم في الحفاظ على وزن مثاليّ، فلا يحدث عندها ضغط على المفاصل؛ لأنّ زيادة وزن الجسم تؤدّي إلى تنكّسات في المنطقة الداخليّة لمفصل الركبة.
2. الرياضة: تسمح التمارين الرياضية للمفاصل بأداء وظائفها بشكلٍ سليم، فتخفّف من آلامها، وتجعل الركبتين أكثر راحة عند المشي والحركة، ومنها تمارين العضلات، خصوصاً العضلة الرباعيّة (العضلة الأماميّة للفخذ، وسُمّيت بذلك لأنّها تحتوي على أربع عضلات)، وتتمّ تقويتها عبر مدّ الساق ورفعها بشكلٍ متوازن ومستقيم لمرّات عدّة يوميّاً. وكذلك يُنصح بتقوية العضلة الخلفيّة، وهي "الهامسترينغ".
كما يجب تحمية العضلات قبل البدء بممارسة الرياضة، ووضع مشدّات خاصّة للمفاصل لحمايتها من الإصابة، ولتجنّب التنكسّات المفصليّة. كما يُنصح بالمشي بشكلٍ متكرّر؛ لأنّ الحركة تعزّز زيت المفصل المسؤول عن الحفاظ على مفصل صحّيّ، والّذي يحميه من تفتّت سطحه وتدميره؛ لئلّا يتعرّض إلى التنكّسات والجفاف مع مرور الوقت.
3. الغذاء: الغذاء الصحّيّ يزيد المفاصل والعضلات والعظام قوّة، وذلك عبر تناول المأكولات التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين، كاللحوم والأسماك، وتلك التي تحتوي على الأوميغا 3، وأيضاً المأكولات التي تحتوي على فيتامين C وD اللذين يعزّزان معدّلات الكولاجين، ويؤثّران في صحّة المفاصل، ومن الأطعمة التي تحتوي على فيتامين D، نذكر: الألبان والأجبان ومشتقّات الحليب، كما يُنصح بتناول فيتامين K.
4. عادات أخرى: يُنصح بوضع وسادة بين الركبتين أثناء النوم، من أجل تخفيف الاحتكاك بين المفاصل. كما يجب تجنّب الجلوس في وضعيّة الجثو على الركبيتن أو القرفصاء لفترات طويلة.
* التّدخّل الطّبّيّ
عندما يصبح الألم مزعجاً بشكلٍ لا يحتمله المريض، ويعيقه عن الحركةpain and disability، عندها، يتدخّل الطبّ بطرق عدّة للعلاج. وهنا، يذكر الدكتور فادي بعضها، وهي:
1. تناول الأدوية المسكّنة وأدوية التهابات المفاصل، التي تحسّن من أداء المفصل.
2. تناول الأدوية المقوّية والمغذّية للمفصل وللغضروف، وهي عبارة عن مادّتي الكوندرويتين والغلوكوزامين Chondroitin & Glucosamine اللّتين توصفان بشكل حبوب، ووظيفتهما زيادة الزّيت في المفصل، الذي من شأنه تحسين أدائه.
3. أخذ حقن (هايلورونيك أسيد) في المفصل، وهي مادة موجودة في المفصل بشكلٍ طبيعيّ، وتسمّى باللغة الدارجة بزيت المفصل، التي تحسّن أداء المفصل وتقوّي الغضروف المتنكّس.
4. إجراء عمليّة جراحيّة، وهي الخطوة الأخيرة التي يلجأ إليها الطبّ عند فشل كلّ تلك الإجراءات السابقة.
* لتقوية بنيتنا الجسديّة
وأخيراً، حتّى لا يطرق هذا المرض أبواب بيوتنا، فيعيقنا عن الحركة، فلنعمل على تقوية أجسادنا وتحسين بنيتنا النّفسيّة والجسديّة في آنٍ معاً.