مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: الحضارات الإنسانية صراع أم حوار؟


الأستاذ موسى حسين صفوان


يبدو أن الحديث في موضوع صراع الحضارات بات ضرورياً في ظل ما تشهده الساحة العربية والاسلامية من هجمات تغريبية، وأخرى تجدّدية، مدفعوة تارة الآثار السلبية للغزو الثقافي الغربي، وأخرى بالنوايا الطيبة للمفكرين الغيارى على تراث أمتهم الفكري وموقعها الحضاري.
لقد كانت الأمة الاسلامية، ومنذ ولادتها، تختزن في داخلها عوامل القوة، والممانعة والتحدي مما جعلها قادرة على الاستمرار حية متجددة، رغم كا ما واجهته في تاريخها من تيارات فكرية وسياسية عاصفة، وهذا ما يبعث على الإطمئنان في زمن بات الهاجس الأكبر الذي يستولي على الباب المفكرين في العالم ما يسمونه "نهاية التاريخ".


وإذا كان للمفكرين الغربيين مبرراتهم للإعتقاد بقرب موت الحضارة الإنسانية، لما يشاهدونه من استشراء عوامل الفناء في البنية الحضارية والمدنية الغربية في كل إمتداداتها الجغرافية والمرافقية، فإن هذا الهوس لا ينطبق بحال على الأمة الاسلامية، والترث الفكري الإسلامي.

* لقاء الحضارات:
في المفردات الاسلامية لا يوجد تعبير الصراع على النحو الذي تعود المفكرون اعتماده جرياً على عادتهم في تتبع المصطلحات الغربية، بل أنه وانطلاقاً من سماحة الاسلام التي تؤسس علاقاتها الإنسانية على مفاهيم رسالية، يتوجه سبحانه إلى الناس بقوله في سورة الحجرات: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".
ولسنان هنا بصدد شرح تفصيلي لكلامه سبحانه، ويكفي أن نشير إلى طبيعة العلاقة بين الشعوب والقبائل وهي التعارف. والت يتعني فيما تعنيه تبادل الأعراف ومكارم الأخلاق.
وإذا كانت هذه هي القاعدة في العلاقات الانسانية، والتي يقترحها الاسلام – لا بإعتبارها أسلوباً إسلامياً في الدعوة وحسب، بل بإعتباره أسلوباً انسانياً في العلاقات بين الشعوب، حيث أن النداء لا يتخذ أية خصوصية دينية – فإذا كانت هذه هي القاعدة فإن ما اتخذ سبيله إلى حيز التطبيق كان مختلفاً إلى حد بعيد في معظم الأحيان، ولم يسجل التاريخ سوى حالات نادرة كان الحوار وحده هو السبيل إلى العلاقات الحضارية الانسانية.

* الصراع بين الأمم:
على أن سيادة الاستثناء على مدى التاريخ، بما فيه التاريخ الاسلامي، لا تعني أبداً أن الصراع كان صراعاً حضارياً، بل إن ما يمكن قراءته في تاريخ الانسانية، إن الصراع كان صراعاً بين الأمم والشعوب على أسس الهيمنة والسيطرة بكل أشكالها.. وكانت الحضارات لاتلبث أن تنتقل مع أصحابها المنتصرين، وهذا ما جعل حركة الحضارات تابعة لحركات الشعوب، فعندما سيطر الاسكندر المقدوني على المشرق، لم يكن هدفه نشر الحضارة الإغفريقية وإنشاء الحضارة الهلليّنية، وكذلك حال الرومان، والفراعنة وغيرهم.. لقد كانت الشعوب تندفع إلى غزو بعضها البعض من أجل السيطرة السياسية والإقتصادية، مما أثّر في حركة الحضارة بحيث كانت تزدهر عندما تسود الشعوب المتحضرة، وتتدنى عند سيطرة الشعوب الأقل تمدناً..

* ميزة الحضارة الإسلامية:
ولعل الحضارة الاسلامية هي الوحيدة التي تميزت من بين الحضارات الإنسانية التي كانت سائدة، بأنها لم تنتشر في ظل الانتصارات العسكرية للأمة العربية والاسلامية، بل كانت هي الدافع لحركة الدعوة التي اتخذت فيما اتخذته من أشكال، أسلوب الفتوحات العسكرية، إلاّ إننا لا بد أن نذكر، وللإنصاف، أن المسلمين لم يصارعوا الحضارات التي كانت سائدة أو الأديان التي كان الناس يدينون بها سواء كانت اليهودية أو المسيحية أو غيرها من الأديان، بل أنهم كانوا يحربون الدول الحاكمة التي كانتتحول بينهم وبين إيصال دعوتهم الحضارية وهذا يدلنا إلى أهمية عنصر القوة لإستمرار الحضارة وترعرعها في أجواء آمنة وهادئة، فكم من الحضارات ذات المضمون الفكرية الغني والرفيع ماتت بموت الأمة التي حملتها.

* اختلاف الناس:
لقد واجهت الدعوة الحضارية الاسلامية، القوى الاستكبارية، القتت بالمستضعفين، كما واجهت على مستوى الأفارد العناصر الإيجابية من لمبالين بالرسالات الذين سمّاهم الله في كتابه بأولي الألباب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
كما واجهت اللامبالين الذين لا هم لهم سوى الحياة البهيمية.
وهناك العناصر المفسدة التي أثّرت في طباعتها ظروف شتى فأصابتها بعلل نفسية واجتماعية كثيرة، مما يدفعنا لتصنيف عناصر الحياة والموت في الحضارة إلى عناصر داخلية وأخرى خارجية، وفي كل مجموعة منهما هناك عناصر حياة إيجابية، وأخرى عناصر موت سلبية. وقد اهتم الإسلام من خلال تشريعاته بعناصر الحياة، وواجه بتشى الوسائل عناصر الموت الحضاري "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.." الأنفال 24.

* عناصر الحوار وعناصر الصراع:
ونستطيع في هذه العجالة أن نشير إلى أن الاسلام بما هو مشروع حضاري لم يهمل عناصر الحوار مع التيارات الإيجابية التي تنشد الحق من خلال الأساليب الحوارية القائمة على أسس عقلية فوضع لهذا الحوار أسسه، وحدد منهجه ومفاهيمه.. كما أنه لم يهمل عناصر الصراع التي لا بد منها للأمة عندما تواجه أمماً أخرى لا هم لها سوى السيطرة الإستكبارية والهيمنة على المقدرات الحيوية للأمة.. ومنها قوله تعالى: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة.." وغيرها الكثير في تفصيل أساليب الإعداد، وأساليب معرفة الأعداء وتمييزهم من الأصدقاء..

واليوم في ظل الهجمة التغريبية الإستكبارية سواء كانت هجمة اقتصادية أو فكرية أو ثقافية.. لا بد لنا من إعادة قارءة عناصر القوة الاسلامية من خلال وعينا التام لما هوحولنا من مشاريع استكبارية، تلهث الدول الكبرى لإسقاطها علينا بهدف إطالة عمر الحضارة الغربية المريضة التي بدأت تظهر عليها ملامح الاحتضار.. ولعله، لولا المقدرات الإقتصادية التي ما زالت تهيمن عليها في بلادنا وغيرها من بلدان العالم النامي، لما كانت استمرت إلى هذا الوقت تلك الحضارات المادية الجافة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع