مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فارس الجهاد وعملاق الشعر أبو سفيان بن الحارث

الأستاذ السبحاني‏


كان من بني هاشم... 1
وكان ابن عم للرسول العظيم...
وأخاه من الرضاعة...
لأنه كان - كمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - واحداً من أحفاد عبد المطلب وقد رضع من حليمة السعدية، مرضعة الرسول بعض الوقت.
إلا أنّ سفيان - هذا - لم يكن مجرد ابن عم للرسول بل كان زميل طفولته - كذلك - يوازيه في سنيّ عمره الشريف...
من هنا كان عارفاً بشخصية الرسول العظيمة، وخُلُقه وسجاياه... معرفة كاملة...
ولهذا كان طبيعياً جداً أن يسارع إلى الإيمان بالنبيّ بعد مبعثه بالإسلام..
ويعتنق دينه في يسر وإقبال..

ولكن أبا سفيان هذا لم يتقاعس عن الإيمان فحسب بل وقف ضد الرسالة الإسلامية وفي صف خصوم الرسول الألداء، رغم أواصر القرابة والزمالة التي تربطه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والغريب أنّ هذا الموقف العدائي لم يكن موقفاً عابراً بل دام قرابة عشرين سنة لم يتأخر فيها توجيه ما عرفه من أذى إلى الرسول!!
وحيث أنه كان يتمتع بقريحة شعرية فيَّاضة فقد راح يهجو المسلمين، وربما هجا النبيّ - أيضاً - هجاءً مؤذياً2...
ومن الواضح جداً كم يكون للهجاء بالشعر من التأثير في ظروف لم يكن أعداء الإسلام والرسول من المشركين، ليتقاعسوا عن استخدام أيّة وسيلة عدائية ضد الرسول وضد دينه وضد أتباعه...
ومن الواضح كم كانت أشعار أبي سفيان في مصلحة المشركين إذا أخذنا الاعتبارات السابقة بنظر الاعتبار...

ولكن لماذا ذلك العداء والهجاء؟
وما هو الدافع إليه والباعث عليه؟
لماذا يعادي المرء بمثل هذه المعاداة دين ابن عمّه وهو يعرف عن شخصيته أفضل من الآخرين، إذ خُبَر - من قبل - بخلقه وسجاياه بصدقه وطهره... وتورعه عن سفاسف الأخلاق...؟!
لا شي‏ء يقوله لنا التاريخ في هذا المجال...
ولكن لعلّ السبب هو ما كان عليه المسلمون من الضعف... وما كان عليه الأعداء من القوّة، في بدء أمر الإسلام.. ومطلع بزوغه..
أليست بديهيّة جداً أنّ أكثر الناس يخضعون عادة لضغط الدعايات المضّللة، وعوامل البيئة والمحيط أكثر ما يتأثّرون - وقبل أن يتأثّروا - بمنطق العقل... وعامل الدليل...؟!

أجل:
وكان أبو سفيان هو أيضاً: تأثّر بدعايات أعداء الإسلام الضخمة.
فهو - ربما - كان يفكّر في نفسه: إذا كان الإسلام على حقّ. فلماذا أتباعه في منتهى الضعف.. وأعداؤه في منتهى القوّة؟
أجل هذا هو شأن الكثيرين من الناس وتقييمهم للأمور.
فأكثرهم يقيّمون الأوضاع من خلال هذه السطحية المهلهلة دون أن يتعمّقوا...
فإذا هم لا يرون سوى القشور، أمّا اللباب والأعماق.. فلا.. ولا..
ومهما يكن، فقد تغيّرت نظرة أبي سفيان أخيراً وأبدى ميله إلى الإسلام في نهاية المطاف...
وكان هذا - تماماً - يوم كان الرسول قد أعلن النفير لفتح مكة..
وكانت جحافل الجيش الإسلامي تتقدّم صوب مكة: قاعدة الوثنيين ومحطّ أصنامهم...
في ذلك الوقت الذي كان الإسلام يشهد فيه تألُّقَ صفحة جديدة في تاريخه...
فإذا كان المسلمون - ذات يوم - مستضعفين، يعانون على أيدي خصومهم، ألواناً من العذاب القاسي وأنواعاً من الأذى الأليم.
وإذا كانت ضربات المشركين تُلجئهم إلى الفرار بأنفسهم وبدينهم من مواطنهم إلى حيث يجدون الأمن والاستقرار في أرض الحبشة...
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك مكة وهو يحمل على كتفيه أوجاع ثلاثة عشر عاماً من المطاردة والتشريد والأذى والتنكيل؟
فها هي صفحة جديدة من المجد الشامخ الساحق تفتح أمام المسلمين...
فإذا كان كل ذلك صحيحاً وواقعاً بالأمس وفي أوّل عهد الإسلام فقد تغير كل شي‏ء الآن...
ها هو عسكرٌ لجبٌ عظيم...
ها هي سمعته طائرة في الأفاق...
وها هي صفوف المجاهدين الأشداء من المسلمين متراصة، متآلفة، هادفة، كأنها الجبال في عظمتها وكأنها القمم في طموحها... وكأنها الصخور في صلابتها.

نعم قد تغيّر كل شي‏ء.
وبهذا التغير لا بدّ أن تتغير النظرات إلى الإسلام، ولا بد أن ينظر إلى أمر المسلمين الآن من منظار آخر... وجديد... لا لما علم أبو سفيان عن تحرك المسلمين - وفي مقدمتهم الرسول الأمين - صوب مكة، دخل منزله، وأمر أهله بالتهيؤ للالتحاق بموكب الرسول على الفور...
... ويكون هذا الموقف مفاجأة لأهل منزله...
مفاجأة حلوة، وعظيمة، وشيّقة دفعتهم - فور سماعهم هذا الكلام من أبي سفيان إلى القول بصوت واحد:
قد آن لك أن تُبصر أن العرب والعجم قد تبعت محمداً... وأنت في موضع عداوته... وكنت أولى الناس بنصرته3...
ثم أمر أبو سفيان غلامه بإحضار راحلته، وغادر مكة بصحبة ولده - جعفر - بسرعة كبيرة متوجهاً صوب مدينة الرسول.
وهناك في الأبواء (وهي منطقة بين مكة والمدينة) التقى بالرسول وأسلم على يديه...

أمّا كيف تمّ إسلامه وكيف تغاضى الرسول العظيم عن مواقفه المعادية، وحملاته الشعرية التي شنّها على الرسول والمسلمين، طوال عشرين عاماً تقريباً، فلكل ذلك قصة طريفة ولذيذة نفضل أن نسمعها من لسان أبي سفيان نفسه...
يقول أبو سفيان:
خرجنا من مكة نريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسرنا حتى نزلنا الأبواء... وقد نزلت مقدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأبواء تريد مكة.. فخفلت أن أُقتل... وكان رسول الله، قد نذر دمي (أي أهدره وأباحه) فتنكّرت وخرجت وأخذت بيد ابني جعفر فمشينا على أقدامنا نحواً من ميل في الفدارة التي صبّه فيها رسول الله الأبواء.. فتصدينا له تلقاء وجهه صلى الله عليه وآله وسلم فعرفني فاعرض عنّي مراراً إلى الناحية الأخرى... فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى فاعرض عني مراراً فأخذني ما قرب وما بعد (من الظنون) وقلت في نفسي: أنا مقتول... قبل أن أصل إليه، وأتذكّر رحمه، وبره.. وقرابتي به فتمسك ذلك مني...
وكنت أظن أن رسول الله يفرح بإسلامي... فأسلمت
4..

* إرشاد الإمام عليّ‏

أجل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستطع أن ينسى تلك الأوجاع التي خلفتها في نفسه عداوات أبي سفيان له.. طوال عشرين عاماً... فتلك الذكريات المرة القاسية لم تغادر قلبه إلى ذلك الحين...
ولذلك كان على أبي سفيان أن يلتمس وسيلة عاطفية مؤثرة إذا أراد أن ينجو.. وأن يجلب - بالتالي - رضا رسول الله بعد أن يثير فيه مشاعر الرحمة والحنان والقربى وما أسرعها إلى الإثارة... وهو رسول الرحمة والمحبة...
ولكن ترى أية وسيلة يمكن لها ذلك؟ ومن ينبغي أن يكون الشفيع... إلى الرسول الأعظم.. الموجوع فؤاده جداً من أذى أبي سفيان ونظرائه؟!
لم يكن ثمّة أهل لهذه الوساطة الخطيرة والشفاعة سوى الإمام علي عليه السلام ابن عم الرسول بل أخيه.. لأنه أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخصّهم لديه منزلةً وأدناهم إلى فؤاده مكاناً... وأعرفهم بخُلُقه وحاله وأدراهم بمواضع العاطفة من قلبه وكل قلبه صلى الله عليه وآله وسلم عاطفة...
نعم: لم يكن هناك - غير (عليّ) يصلح بل يستطيع أن ينقذ أبا سفيان من موت محتّمٍ، ويدخله إلى أحضان الإسلام؟
وكان هذا فعلاً...
فقد قال الإمام علي عليه السلام لأبي سفيان: "إذهب واقرأ عليه ما قال أخوة يوسف له":﴿تالله لقد آثرك الله علينا وإنا كنا لخاطئين.فتأثر يوسف لهذه الكلمة وقال: ﴿لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين5.
وأخذ أبو سفيان بإرشاد الإمام علي عليه السلام وفعل ما قال له عليٌّ حرفاً بحرفٍ، وقرأ على الرسول ما علّمه... فقبل الرسول عذره... وعفا عنه، وقال له ما قال يوسف لإخوته...
وهناك قال الرسول للإمام علي عليه السلام: "بصر ابن عمك الوضوء والسنة ورح به إليّ...".
وبعد أن تعلّم أبو سفيان الوضوء والسنة راح إلى الرسول - مرة أخرى - فأمر رسول الله: عليّاً أن ينادي في المسلمين ويعلن عن رضا النبي عن أبي سفيان:
فنادى عليّ:
"ألا إن الله ورسوله قد رضيا عن أبي سفيان، فارضوا عنه"6.

كل هذا الذي شاهده أبو سفيان من عطف الرسول وعظمة روحه وسمو أخلاقه وعفوه المطلق عن ما سبق منه...
كل ذلك كان حرياً بأن يعمق في نفسه الإحساس بالندم والاستحياء من رسول الله...
وكان ذلك فعلاً...
فقد ظلّ أبو سفيان ما دام في حضرة الرسول لا يرفع رأسه إلى الرسول ولا ينظر في وجهه الشريف خجلاً وحياءً7...
حقيقة أن أبا سفيان - هذا - قد أثبت - بعد إسلامه - لياقته وصلاحيته، وسرعان ما أخذ مكانه في صف الشخصيات الإسلامية العظيمة ورجال الإسلام الكبار الكبار....
على أنّ أبا سفيان الذي كان يتمتع بقريحة شعرية غنية التي طالما استخدمها ضدّ الرسول والمسلمين، كان حزيناً لما بدر منه من هجاء للرسول والمسلمين بشعره: فإذا به يقول في ندمه على ما سبق منه، أبياتاً ظلّت مع الزمن وثيقة إيمانه، وإخلاصه ودليل حبّه واعتقاده...
يقول أبو سفيان:

لتغلَب خيلُ اللات خيل محمد

لعمرك إنّي يوم أحمل رايةً

فهذا أواني اليومَ أُهدى واهتدى‏

لك المدلج الحيران الصلم ليلُه‏

على الله من طردتُ كل مطرد8

هداني هاد غير نفس ودلنيّ‏


ويحلّ العام الثامن من الهجرة...
... وهذه مكة التي اتخذها أعداءً الإسلام الوثنيون قاعدة لهم، واتخذوا بيتها المعظم محطاً لأصنامهم!!
ها هي تُفتح على أيدي جنود الله الذين يناهز عددهم اثني عشر ألفاً.
ها هي مكة تصبح تحت تصرف النبيّ والمسلمين...
وها هي الكعبة المعظمة تطهر من أرجاس الأصنام، وتعود المدينة المقدسة التي كانت مسقط رأس الرسول وموطنه الأصيل تضاف إلى أقطار الدولة الإسلامية ويرفرف على ربوعها ألوية التوحيد، ويرتفع على ذراها نداؤه.
كل هذا كان لا يزال في بدايته. والمسلون لا يزالون يعايشون فرحة (الفتح) ساعة نمي إلى الرسول خبرٌ عن استعداد قبيلة (هوازن) لمحاربة المسلمين في قوة كبيرة وعسكرية كاملة...
وفور أن يسمع الرسول بهذا النبأ يُصدرُ أوامره فوراً بالتهيؤ العام... ويعدُ المسلمين بالنصر في المواجهة القادمة، وهزيمة الأعداء...
ثم تحرَّك الجيش الإسلامي ذو الاثني عشر ألف جندي نحو مركز تجمع مقاتلي هوزان... وقد انتدب رسول الله أمير المؤمنين علياً لحمل لواء المسلمين.
ووصل الجيش الإسلامي خلف وادي (حنين) وخيموا هناك وباتوا ليلتهم...
من جانب آخر انتدبت هوزان لقيادتها واحداً من رجالها المعروفين وهو مالك بن عوف النصريّ.

وعبأ مالك جيشه ونظّمهم... وجمعهم في وادي حنين وخطب فيهم خطبة عسكرية قال فيها:
"ليصبر كل رجل منكم أهله خلف ظهره، واكسروا جفون سيوفكم، واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشجر فإذا كان في غبش الصبح فاحملوا حملة رجل واحد فهدوا القوم... فإن محمداً لم يلق أحداً يحسن الحرب"!!!9.
ولم تكن قبيلة هوازن - على استعدادها وكثرة عددها وقوّة عدتها - لتقاس بحجم الجيش الإسلامي في شي‏ء...
فقد كانوا قلة أمام عدد المسلمين الهائل الذي كان يبلغ اثني عشر ألف جندي.
ولهذا اغتّر المسلمون بكثرتهم وقلّة العدد في جانب العدو وحسبوا أن النصر سيكون من نصيبهم لا محالة... لكثرتهم. وبعد أن أتم الرسول صلاة الصبح أمر جيشه بالانحدار إلى وادي (حنين).
وفي هذا الوقت - تماماً - كان مقاتلو هوازن قد كمنوا للمسلمين في الشعاب والأنحاء... فباغتوا المسلمين من كل صوب... فلم تطق صفوف المسلمين الكثيرة - التي أعجبتهم - لم تطق تلك الحملة المباغتة، والصمود أمامها.
فاضطّرت قبيلة (بني هاشم) التي كانت تشكل مقدمة الجيش الإسلامي - آنذاك - اضطّرت إلى التراجع ولاذت الكتائب التالية هي الأخرى - بالفرار والتراجع... أيضاً وانفرط نظام الجيش الإسلامي وواجه المسلمين خطرُ هزيمة كبرى، وأشرف المعسكر الإسلامي على أعتاب سقوط محتّم وذريع تضاءل معه كل أمل بانتصار المسلمين!!
وكانت ساعات في غاية الحراجة - حقاً.

* صمود على طريق الله‏
هنالك ابتلي المسلمون وهناك تميز أصحاب الفداء الحقيقيين عن مدَعيه في غير ما حقيقة.
هناك حيث سطّر أصحاب الصحوب - بصمودهم البطولي واستقامتهم في سبيل الله - أسمائهم في صفحات التاريخ بمداد من الخلود والأبدية...
أجل لقد فرّ المسلمون أمام المباغتة القاسية في ذلك اليوم وولوا وجوههم شطر مكة هاربين دون أن يلوى أحد على أحد. وثبت عشرة رجال أبطال من المسلمين يضربون بالسيف بين يدي رسول الله كان أحدهم الإمام علي الذي ظلّ يدافع عن الرسول ببسالة مستميتة.
وكان الآخر أبو سفيان الذي ظلّ - لفرط علاقته بالنبي وحرصه على سلامته - آخذاً بزمام بغلة الرسول يتقدّم معه إلى الأمام يدفع عنه ويدافع بروح فدائي...
كل هذا والرسول لا يعلم به.. حتى إذا انجلت الغبرة التفت إليه الرسول وقال: من هذا؟
فأجابه أبو سفيان قائلاً: (أخوك أبو سفيان)
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم نعم... إنه أخي.
ولما أحاط المشركون برسول الله نزل النبي من بغلته وراح يرتجز قائلاً:

أنا ابن عبد المطلب

أنا النبي لا كذب‏


في هذه الأثناء - تماماً - كان أبو سفيان قد التزم الدفاع المستميت عن الرسول بنفسه...
فقال العباس: هذا أخوك وابن عمّك. أبو سفيان فارض عنه.
قال النبي: فعلت فغفر الله كل عداوة عادانيها.
ثم التفت إلى أبي سفيان وقال: أنت أخي لعمري.
فسرّ أبو سفيان لهذه الكلمة العطرة سروراً عظيماً... فأكب يطبع قبلات الشوق على ركاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم10.
ولقد أنشد أبو سفيان حول مواقفه بحنين شعاراً رائعة تعكس إيمانه الصادق بقدر ما تعكس شاعرتيه الفذة...
يقول أبو سفيان:

غداة حنين حين عم التضعضع‏

لقد علمت افناء كعب وعامر

أمام رسول الله لا أتتعتع‏

بأني أخو الهيجاء أركب حدّها

إليه تعالى كل أمر سيرجع11

رجاء ثواب الله والله واسع‏

ولقد كانت وفاة الرسول أكبر فاجعة ألمت بالمسلمين فقد تركت كل المسلمين مقرح الفؤاد.. فكان ذلك الحادث الجلل الذي عبر عنه كبار الشعراء - في صدر الإسلام - بأشعار وقصائد تفطر أسى بقدر ما تعبر عن هول الفاجعة العظمى...

وكان أبو سفيان من جملة من عصرت مأساة الوفاة قلبه فقال في ذلك المصاب شعراً فيه الكثير من لون النازلة بقدر ما فيه من روعة الفن...
فهو يقول:

عشية قيل قد مات الرسولُ‏

لقد عظمت مصيبتنا وجلّت‏

تكاد بها جوانبها تميل

وأضحت أرضنا مما عراها

إيروح به ويغدو جبرئيل12

فقدنا الروحي والتنزيل فينا

لقد شهد أبو سفيان في عهد الرسول أحداثاً كثيرة ونقل عنه من الأحاديث شيئاً كثيراً... إلا أن من أجمل ما نقل هو قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
"لا يقدّس الله أمةً لا يأخذ الضعيفُ فيها حقّه من القويّ"13...

والآن حيث تصل صفحات حياة أبي سفيان المشرقة إلى نهايتها تعالوا نشاهد معاً آخر صفحة من تلكم الصفحات الخالدة الوضيئة...
في أيام الحج ابتلى أبو سفيان بمرضٍ عاد معه إلى المدينة وما أن أحس بقرب أجله حتى خرج إلى البقيع - قبل ثلاثة أيام من موته - واحتفر لنفسه قبراً بيديه.. غير أنه حينما مات - بعد ذلك - بثلاثة أيام دفن إلى جانب قبر عقيل.
وفيما كان أبو سفيان راقداً على فراش المرض تحيط به زوجته وأبناؤه وعرف ببكائهم لمفارقته. التفت إليهم وقال: لا تبكوا عليّ فأنا لم أتنظف بخطيئة منذ أسلمت14...


1- أبو سفيان هذا غير أبي سفيان بن حرب والد معاوية.
2- الإصابة ج‏4 ص 90 - الاستيعاب، بهامش الإصابة ج‏4 ص‏84، طبقات ابن سعد ج‏4 ص‏49 - 90 - الدرجات الوفية ص‏165.
3- طبقات ابن سعد ج‏4 ص‏50.
4- طبقات ابن سعد ج‏4 ص‏50 - 52.
5- الدرجات الرفيعة ص‏165 - الإصابة ج‏4 ص‏90 - الاستيعاب ج‏4 ص‏84.
6- طبقات ابن سعد ج‏4 ص‏52.
7- الدرجات الرفيعة ص‏165 - الإصابة ج‏4 ص‏91.
8- طبقات ابن سعد ج‏4 ص‏51 - سيرة ابن هشام ج‏4 ص‏43 - الإصابة ج‏1 ص‏90.
9- مجمع البيان، ج‏5 ص‏18.
10- طبقات ابن سعد ج‏4 ص‏50 - 52 بحار الأنوار ج‏21، ص‏148 - 156. سيرة ابن هشام ج‏4 ص‏82 - 88. تاريخ اليعقوبي ج‏3 ص‏51 - 52. لقد انتصر المسلمون ف غزوة حنين في المال وينصر وتأييد عيبي واندحرت قبيلة هوازن اندحاراً عجيباً وكانت هذه الواقعة أبلغ درس للمسلمين حيث كان عليهم أن لا يغتّروا بكثرتهم بل يعتمدوا على الروح القتالية والمواقف الذاتية.. بدل الاغترار بالنفس ولذلك أنزل الله في كل هذا قرآناً يقول:
﴿لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم خنين، إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين (التوبة: 25 - 26).
11- طبقات ابن سعد ج‏4 ص‏52.
12- الاستيعاب ج‏4 ص 84 - 85.
13- الإصابة جلد 4 ص‏91.
14 طبقات ابن سعد ج‏4 ص 53. الحق أنه ليس بين أيدينا ما يدل بوضوح على تشيع أبي سفيان إلا ما فعله صاحب كتاب الدرجات الرفيعة حيث عدا أبا سفيان - هذا - في طبقات الشيعة. ثم إن أبا سفيان بعدما أرشده علي عليه السلام إلى طريقة يجلب بها رضى النبي - كما عرفت - فأحبّ لذلك علياً يستبعد جداً أن يكون قد ترك علياً بعد وفاة الرسول والتزم خطاً آخر غير خط الإمام متناسياً وصايا النبي في حقّه عليه السلام المؤلف.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع