نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

معارف إسلامية: السيرة النبوية ومصادرها الأصلية


فضيلة الشيخ علي دعموش


كلمة السيرة مشتقة من كلمة السير، والسير يعني المشي والحركة، بينما السيرة تعني طريقة المشي والحركة والسلوك.
وبعبارة أخرى: السيرة عبارة عن الأسلوب والنمط الذي يتبعه الإنسان في حركة حياته وفي أعماله اليومية.
وعندما نبحث في السيرة النبوية فإننا نريد التعرُّف إلى الأسلوب والنمط الذي كان يتبعه النبي محمد بن عبداللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في أعماله اليومية للوصول إلى أهدافه النبيلة. فمثلاً: كيف كان سلوكه؟ وكيف كانت أخلاقه وعلاقاته مع أصحابه وزوجاته ومجتمعه؟

وكيف كان يبلغ رسالته: وما هي الأحداث التي واجهها في طريق الدعوة إلى الله وكيف يتعامل معها؟ وكيف كان يقود مجتمعه إدارياً وسياسياً واقتصادياً وغير ذلك.

إن الكشف عن جوانب لشخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما يرتبط بحياته ومواقفه وسلوكه وأوضاعه وطريقة تعامله مع الأحداث والتحديات والمستجدات وغير ذلك هو ما يراد بحثه عادة في السيرة النبوية.
ومن المعلوم إن السيرة العظيمة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تعرضت للكثير من الجهل والافتراءات والتشويه على أيدي بعض الحكام والسلاطين.. حيث كانت لدى هذا البعض خطة خبيثة تستهدف النيل من شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصورته وسيرته، وقد نفذت هذه الخطة عن طريق دس نصوص مختلفة ومزيفة في كتب السيرة والتاريخ تسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتنسب إليه ما لا يليق به. ولذلك أصبح من الضرورة جداً إذا أردنا أن نكوّن صورةً واضحاً ونقيَّةً عن حياة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نعتمد على مصادر صحيحة، ومعايير وضوابط تكون قادرةً على إعطاء الصورة الحقيقية الأكثر نقاءً وصفاءً عن شخصية النبي، وتكون قادرة أيضاً على إبعاد ذلك الجانب المصطنع والمزيّف من النصوص عن محيطنا الفكري والعملي بصورةٍ كاملة.
فما هي تلك المصادر التي ينبغي اعتمادها لاستخراج سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وما هي تلك المعايير والضوابط والقواعد التي يجبُ أن نعتمدها لتمييز النصوص الصحيحة من النصوص المزيَّفة؟؟

في الحقيقة هناك عدة مصادر يمكننا أن نستخلص بالاعتماد عليها معالم شخصية النبي وتفاصيل حياته وسيرته وهي:
أولاً: القرآن الكريم، فإن القرآن الكريم أعطى صوراً واضحة ورائعةً عن شخصية النبي وصفاته وخصائصه ومواقفه في كثير من السور والآيات، ويستطيع قارئ القرآن بالتدبُّر التام في الآيات التي نزلت في شأنِ رسول الله، أنْ يحيط بمختلف جوانب شخصيته وحياته مُنذ أن بعثه الله وإلى أن فارق هذه الدنيا.
فقد أشار القرآن مثلاً إلى مكانة النبي ومنزلته وعظمته، في سورة الحجرات والنور والأحزاب وغيرها. وأشار إلى أسمائه وألقابه في سورة الصفّ وآل عمران والمائدة، وإلى صفاته وخصائصه كالعصمة والطهارة والرأفة والرحمة والعطف والشجاعة، في سورة آل عمران والتوبة والأحزاب والأنبياء وغيرها. وأشار القرآن إلى أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإلى صبره وثباته في مواقع المواجهة والتحدّي وإلى طريقة تبليغه للرسالة وإلى مواقفه من عدم استجابة قومه لدعوته إلى غير ذلك مما يرتبط بحياته وسيرته في كثير من الآيات والسور.
فالرجوع إلى نفس القرآن واستخراج سيرة النبي وصفاته وأفعاله من خلال ما عرضته الآيات يُعتبرُ من أوثق وأصحّ الطرق والمصادر لدراسة شخصية النبي وتكوين صورةٍ واضحةٍ ونقية عن حياته وأخلاقه وعلاقاته ومواقفه وقيادته والتحديات التي واجهها في طرق الدعوة وغير ذلك.

ثانياً: النصوصُ الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التي عرضت سيرة وحياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنَّ هذه النصوص تعتبر بعد القرآن أحد أهمّ المصادر التي نأخذ منها خصائص ومميزات شخصية النبي وتفاصيل حياته، على اعتبار أن أهل البيت (عليهم السلام) أدرى بما فيه. وخصوصاً ما ورد عن عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي لازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع مراحل حياته، اتباع الفصيل أثرَ أمه، ويراه في الأوقات التي لا يراه فيها غيرُه.
وقد ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) مئات بل آلاف النصوص والروايات التي تحدّثت عن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العامة والأحداث الكبرى التي عاشها في حياته، وعن حياته الشخصية والخاصة. وقد جمعنا هذه النصوص في مؤلفٍ مستقلٍ نعملُ على إنجازه وإخراجه في أقرب فرصة ممكنة إن شاء الله.

ثالثاً: الروايات التاريخية المروية بالتواتر عن المسلمين الأوّلين، فالنصوص المروية عن الصحابة التي تتحدّث عن سيرة النبي تُعتبرُ من مصادر السيرة والتاريخ إذا ثبتت صحتها بالتواتر أو بإحدى وسائل الإثبات الأخرى.
أما النصوص والروايات التاريخية الأخرى التي لم تروَ عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ولم تكن متواترةً، فلا بدَّ إذا أردنا تقويم هذه النصوص من أن نعتمد ضوابط وقواعد نستطيع من خلالها تمييز النص الصحيح الذي يعكس الواقع التاريخي بصورة صادقة من النص المصطنع أو المحرف.

وأهمُّ الضوابط والقواعد التي ينبغي اعتمادها في هذا المجال هي:
أولاً: دراسة أحوال وأوضاع الناقلين للحديث، فإنَّ أول ما ينبغي ملاحظته في الحديث المنقول هو سنده، والسندُ هو عبارةٌ عن مجموع أسماء الأشخاص الذين نقلوا لنا الحديث أو الحدث التاريخي، فلا بُدَّ من دراسة أحوال وأوضاع هؤلاء الرواة لمعرفة ميولهم وارتباطاتهم السياسية والمصلحية، والمعرفة مدى صدقهم ودقتهم في ما أخبرونا به، وبالتالي مدى إمكانية الوثوق والاعتماد على نقلهم.
وطبيعيٌّ أنه من عرف عنه أن يكذبُ في خبره أو لا يدقق ولا يحقِّق فيه، فلا يمكن الاعتماد على خبره وحديثه، إلاَّ بعد أن نتأكد من صحته من مصادر وجهاتٍ أخرى.
وكذلك من عُرف عنه أنه ينساقُ وراء هواه السياسي أو طائفةٍ أو جهة معينة فإنه لا يمكن الأخذ بما يُنقله لنا لأنه يكون بذلك قد أخلَّ بدرجة الوثوق والاطمئنان بالنصّ الذي ينقله.

ثانياً: أن يكون مضمونُ النص الذي يحكي لنا فعل وسلوك النبي منسجماً ومتناسباً مع صفات وخصائص الشخصية النبوية ومميزاتها، فإذا جاء النص منسجماً ومتناسباً مع الوضع الطبيعي لشخصية رسول الله المثالية بما لها من خصائص ومميزات رسالية، فإنه يكون مقبولاً ونأخذُ بمضمُونه، إذاً توافرت فيه سائرُ شروط القبول الأخرى.

فمثلاً: إذا ثبت لدينا بالدليل القطعي الصحيح أن شخصية النبي هي في أعلى درجات الطهر والعصمة والحكمة والشجاعة، وأنَّه يتحلَّى بكلّ الصفات النبيلة والفضيلة جامعاً لكلّ القيم الإنسانية فلا بُدّ من جعل كلّ ذلك معياراً أو ميزاناً لأيّ نصٍ يروى بشأنه ويريدُ أن يسجلُ لنا قولاً أو فعلاً أو سلوكاً أو موقفاً له صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا جاء النصُّ منسجماً مع هذه الخصائص والمميزات الثابتة بالدليل القطعي الصحيح فإنه يكونُ مقبولاً، وإلاَّ إذا لم يتوافق مع هذه الصفات فلا يمكن قبوله، كما لو نسب النصُّ الرذيلة أو الفجور لرسول الله أو عبادة الأصنام أو التصرفات التي تعبر عن جهله أو عدم اتِّزانه، فإنَّنا لا نتردّدُ في رفض مثل هذا النص. فكما أننا لا يمكنُ أن نقول بأن يكون مرجعٌ دينيٌّ معروفٌ بالورع والتقوى قد ألَّف أغنيةً أو لحنها للمغنية الفلانية مثلاً، فكذلك لا يمكنُ أن نقبل أن تُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى أحد من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصرفاتٌ هي مثلُ ذلك أو أقبحُ وأسوأُ من ذلك.

ثالثاً: عرضُ النصوص التاريخية وغيرها على القرآن الكريم فما وافق كتاب الله نأخذ به وما خالفه نتركه، وهذه قاعدةٌ لا بُدَّ أن نعتمدها ليس في أحاديث سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط، بل في كلّ الأحاديث المنقولة عنه أو عن أحدٍ من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) سواءٌ أكانت تاريخاً أو فقهاً أو أخلاقاً أو غير ذلك، فقد رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: تكثُر لكم الأحاديثُ بعدي، فإذا رُوي لكم عنّي حديثٌ فاعرضوهُ على كتاب الله فما وافق كتاب الله فاقبلُوهُ وما خالفَ فردُّوهُ.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ما لم يوافق كتاب الله فهو زُخرُف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع