مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

ومضات إشراقية من وصايا الإمام

 


عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: تجهزوا فقد نودي فيكم بالرحيل.
نعم فالإنسان في هذه الدنيا في سفر، ولكنه ليس سفراً من مكان إلى مكان بل هو سفر معنوي نحو الآخرة وسلوك عبادي في طريق الرجوع إلى الله عز وجل.
والسلوك إلى الله يحتاج إلى مقدمات لا بد من تهيئتها، وإلى زاد مناسب ينبغي توقيره والمحافظة عليه، كما لا بد من الحذر من الأشواك المعترضة على الطريق واقتلاعها إن لزم الأمر.


وقد بين الإمام قدس سره آراءه في كل ذلك متفرقة في كتبه ورسائله ووصاياه، وقد عملنا على جمعها لينتفع بها المحبون والمريدون ويرووا بها ظمأ قلوبهم إلى الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة. فإلى النبع الصافي والماء الزلال، إلى ومضات إشراقية من وصايا الإمام.

* مقدمات السلوك
العودة إلى الفطرة: أيها التائهون في وادي الحيرة، وأيها الصانعون في صحراء الضلالة بل أيتها الفراشات الدائرة حول شمع جمال الدين المطلق، ويا عشاق المحبوب الخالد والكامل. عودوا قليلاً إلى كتاب الفطرة وقلّبوا أوراق كتاب ذاتكم، ستجدون فيه هذه الكلمات مدونة فيه بقلم قدرة الفطرة الإلهية: {وجَّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض} {فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها} إلى متى يتوجه هذا العشق الفطري الموهوب من قبل الله، وهذه الوديعة الإلهية نحو هذا وذاك عبثاً؟! فلو أن محبوبك هو هذه الجمالات الناقصة والكمالات المحدودة، فلما إذاً لا تُخمد نيران اشتياقك مع الوصول إليها، بل وتزداد شعل شوقك؟ انهض من نوم الغفلة وابشر وافرح، لأن محبوبك خالد وغير زائل وكامل بلا نقص ونور بلا ظلمة: {الله نور السماوات والأرض}.
عدم الإساءة إلى الوالدين: أيها العزيز: لو أن أولادك أو باقي أقربائك قاموا بأعمال سيئة وغير مناسبة ومخالفة لمرامك، فكيف سيكون حالك أمام الناس، وكم ستخجل وتستحي وتصاب بالهوان أمامهم؟

إذاً أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين علياً (عليه السلام) هما أبوا هذه الأمة الحقيقيان بنص ذلك القائد الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: "أنا وعلي أبوا هذه الأمة، فلو أحضرنا في محضر الربوبية وحوسبنا هناك أمام أولئك العظام، ولم يكن في صحيفة أعمالنا غير السوء والقبح فتأكد أن ذلك سيكون صعباً عليهم، وسيخجلون في محضر الحق تعالى والملائكة والأنبياء... إذاً أي ظلم كبير اقترفناه بحقهم، وبأي مصيبة ابتُلينا وكيف سيعاملنا الله سبحانه وتعالى؟!!

اغتنام فرصة الشباب: أي بني: ما دمت في عمر الشباب فاجهد في العمل وتهذيب القلب وفي تكسير الأقفال ورفع الحُجَب لأن آلاف الشباب أقرب إلى أفق الملكوت من عجوز واحد لم يوفق في هذا الطريق. إن القيود والأغلال والأقفال الشيطانية لو تغافل الإنسان عنها في عمر الشباب فإنها تتجذر وتقوى كلما تقدم عمر الإنسان.

* أشواك الطريق
سرّ الخطايا:
أ - حب الدنيا: ولدي! لا تلهث وراء تحصيل الدنيا، حتى لو كان حلالها، لأن حب الدنيا، حتى لو كان حلالها، رأس جميع الخطايا، وإنه حجاب كبير يجر الإنسان. مرغماً. إلى دنيا الحرام.
إنك شاب، ويمكنك بقوة الشباب التي وهبها الحق لك أن تقطع دابر أول خطوة نحو الانحراف، وتحول دون الانتقال إلى خطوات أخرى، لأن كل خطوة في هذا الطريق تتبعها خطوات وخطوات.

ب - حب النفس: ولدي! هناك نقطة مهمة وحساسة جداً بالنسبة لنا نحن المتأخرين عن قافلة "الأبرار" وهي كما اعتقد لها دور في بناء الإنسان الذي يريد أن يبني نفسه ذاتياً.. يجب أن ننتبه إلى أن حب النفس هو منشأ فرحنا وسرورنا عندما نُمتدح أو يُثنى علينا من قبل الآخرين وكذلك انزعاجنا من النقد والشائعات، وهو أكبر شراك إبليس اللعين.
التساهل في الذنوب: ولدي! لا تتساهل أبداً في الذنوب، حتى لو كانت تبدو صغيرة عندك، بل: "انظر إلى من عصيت"، وبهذه النظرة فإن كل الذنوب هي كبيرة. إن كل ذنب من الذنوب، رغم كونه صغيراً يجر الإنسان إلى ذنوب كبيرة، وأكبر، بحيث تبدو ذنوباً كبيرة جداً، لا شيء في نظر الإنسان، بل يتفاخر الأشخاص فيما بنيهم أحياناً بارتكاب بعض الكبائر وفي أحيان أخرى وبسبب شدة الظلمات والحُجُب الدنيوية يبدو المنكر معروفاً والمعروف منكراً.

آفات اللسان:
ابنتي! هناك آفات كثيرة في طريقك. إن كل عضو ظاهري وباطني من أعضائنا له آفات كل منها يعتبر حجاباً، إن لم نتمكن من اجتيازه لن نتمكن من رفع الخطوة الأولى في السلوك إلى الله.
أشير هنا إلى بعض آفات هذا العضو الصغير وهذا اللسان الأحمر الذي بإمكانه أن يفني الروح والفؤاد عندما يكون لعبة في يد الشيطان وآلة في يده، فلا تغفلي عن هذا العدو الكبير للإنسانية والمعنويات، عندما تجلسين مع صديقاتك حاولي أن تعدي. ولو لمرة واحدة، الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها هذا العضو الصغير، حتى يتبين لك ما الذي يفعله هذا اللسان خلال ساعة واحدة فقط من عمرك كان ينبغي أن تُصرف لكسب رضا المحبوب، وكم من المصائب يسبّبها، وإحداها: استغابة الإخوان والأخوات. ابنتي! إن نظرة قصيرة وعابرة على ما ورد بشأن استغابة المؤمنين وإيذائهم والكشف عن عيوبهم وأسرارهم واتهامهم تهز القلوب التي لم يختم الشيطان عليها، ويجعل حياة الإنسان مرة.
ونظراً لما أكنَّه لك ول-(أحمد) من حب، أوصيكما: أن تحذرا من الآفات الشيطانية، لا سيما آفات اللسان الكثيرة، وأن تجهدا أنفسكما لحفظه وصوته.. بالطبع البداية تكون صعبة، ولكن الأمر سيسهل أن تسلح الإنسان بالعزيمة والإرادة والتفكير بعواقبه.. وأدعوك لأن تعتبري من المفهوم العظيم الوارد في الآية المباركة: "ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً".

* براق العروج
القيام لله: أي بني.. استمع بقلبك... وروحك إلى موعظة الله الوحيدة، اقبلها بكل قوة، واسلك سبيل قوله تعالى: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا للَّه مثنى وفرادى}.
فالميزان في أول السير. سواء في الأعمال الشخصية والفردية أو في النشاطات الاجتماعية. هو القيام لله.
ابنتي.. إذا كان الانشغال في العلوم. حتى العرفان والتوحيد. من أجل التعرف إلى المصطلحات.. فهو الحجاب الأكبر، وإذا كان الدافع هو طلب الحق وعشق لله. وهو نادر جداً. فإنه سراج الطريق ونور الهداية.

الإدراك القلبي للتوحيد:
ولدي! جاهد لتسلّم قلبك لله، ولا تعتقد بأي مؤثر آخر سواه؛ أليس عامة المسلمين المتعبّدين يصلون عدة مرات ليلاً ونهاراً، والصلاة مليئة بالتوحيد والمعارف الإلهية.. ويرددون عدة مرات في اليوم {إياك نعبد وإياك نستعين}، وهم بذلك يخصّون الله بالعبادة والاستعانة (في التعبير) ولكنهم عدا المؤمنين الحقيقيين وخواص الله. ينحنون أمام كل عالم ومقتدر وثري ويعظمونهم، وأحياناً يجلونهم أكثر مما يجلون معبودهم، ويستمدون العون من أي أحد، ويتشبثون بكل قشة للوصول إلى الآمال الشيطانية، ويغفلون عن قدرة الحق المتعال.
إسع لكي توصل كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) وهي أكبر الكلمات وأسمى الجمل من عقلك إلى قلبك، لأن نصيب العقل يكمن في الاعتقاد البرهاني الجازم، وإن حاصل البرهان هذا إن لم يصل إلى القلب بالمجاهدة والتلقين فإنه لا شيء يُذكر لفائدته وأثره.

زاد السير
الذكر الدائم: أيها العزيز! مهما تتحمل من مشاق في طريق ذكر الله والمحبوب فإنه قليل.. عوّد قلبك على ذكر المحبوب، واسع لتكون الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) هي الصورة الأخيرة والكمال الأقصى للنفس، ولا زاد أفضل من هذا الزاد للسلوك إلى الله ولا وُجِد مصلح أجمل منه لمعايب النفس في المعارف الإلهية.

الوضوء والفرائض اليومية: اسعَ جهدك للبقاء على وضوء فإنه يحول دون شر النفس والشيطان فإن (شيخنا) (العارف الكبير المرحوم الشيخ شاه آبادي) كان يقول: "الوضوء بمنزلة لباس الجندي".
إن هذه الفرائض اليومية الخمس التي تعتبر عمود الدين وأساس الإيمان الراسخ تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في الإسلام بعد الإيمان. إنها مليئة بالتوجهات النورانية الباطنية والصور الغيبية والملكوتية التي لا يدركها غيره سبحانه وتعالى والخواص من عباده. ولكي يكون دينه مستقراً وليس مستودعاً وزائلاً يعرض عليه النسيان مع أقل ضغط يوجه إليه. فيا أيها العزيز! إيَّاك ثم إياك، هذه الصلوات الخمس أن تتساهل بها.

التدبر في القرآن الكريم: ابنتي.. تدبري في القرآن الكريم، هذا الينبوع الإلهي الفيَّاض.. مع أن الاكتفاء بقراءته الذي يعتبر رسالة المحبوب يترك آثاراً كبيرة على قلب القارئ المحجوب، إلا أن التدبر فيه يرشد الإنسان إلى مقامات أعلى وأسمى. {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب إقفالها}.
ولن يجدي التدبر ثمراً إلاَّ بعد أن تفتح هذه الأقفال والقيود وتتحطم والله سبحانه وتعالى بعد القسم العظيم يقول: {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} وعلى رأس هؤلاء أولئك الذين نزلت في حقهم آية التطهير وأنت أيضاً لا تيأسي لأن اليأس من الأقفال الكبيرة واسعي بالقدر الميسور من أجل رفع الحُجُب وتكسير الأقفال للوصول إلى الماء الزلال وينبوع النور.

الآيات الأخيرة لسورة الحشر: ولدي! اقرأ سورة الحشر المباركة، فهي مليئة بكنوز المعارف والتربية وهي تستحق أن يقضي الإنسان عمره بالتفكر فيها ويأخذ منها زاداً لطريقه بعون الله، لا سيما الآيات الأخيرة في السورة في قوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}. إن التدبر في الآيات المباركة الواردة في آخر سورة الحشر ابتداءً من هذه الآية وحتى آخر السورة والتمعن فيها في تعقيب الصلوات، وبالأخص في أواخر الليل حيث يفرغ القلب، له أثر كبير في إصلاح النفس.

الإكثار من قراءة الأدعية: اجعل من قراءة أدعية المعصومين (عليهم السلام) وتحرّقهم وتألمهم خوفاً من الحق والعذاب على رأس اهتماماتك الفكرية والسلوكية. إن ما نجده في أدعية ومناجاة المعصومين (عليهم صلوات الله وسلامه) قلما نجده في الأخبار التي وصلت غالباً بلغة العرف والعموم.

على أية حال، إن لكل من الكتب الفلسفية، لا سيما تلك المؤلفة من قبل الفلاسفة المسلمين وكذلك كتب أهل الحال والعرفان، أثراً خاصاً بها.. فالأولى تعرف الإنسان ولو عن بعد، بعالم ما وراء الطبيعة، والثانية، لا سيما البعض منها. مثل: منازل السائرين ومصباح الشريعة الذي يقال إنه من تأليف عارف كتبه باسم الإمام الصادق (عليه السلام) بشكل روايات، تعد القلوب للوصول إلى المحبوب.. وأكثر هذه الكتب التصاقاً بالقلب هي مناجاة وأدعية أئمة المسلمين (عليهم السلام) التي تعتبر عاملاً مرافقاً ومحركاً نحو المقصود وليس دليلاً مرشداً وحسب، هي تأخذ بيد الإنسان الذي يبحث عن الحق نحوه... ويا للأسف الشديد إننا بعيدون عنها عدة فراسخ وهي مهجورة للأسف. ومن هذه الأدعية المناجاة الشعبانية. فهل قرأتها؟ أدعوك لقراءتها، لأنها مناجاة لو تمعن الإنسان في محتواها بدقة فإنها تأخذه إلى مكان سامٍ، حيث إن الشخص الذي قال هذه المناجاة وكذلك جميع الأئمة الذين كانوا يقرأونها كما تذكر الروايات، كانوا متحررين من كل شيء.

التوسل بالأئمة المعصومين: عند الصباح ومع بداية دخول الإنسان لأمور الدنيا ومواجهته لخطر الانتقال بالخلق والغفلة عن الحق، حبّذا لو توسل الإنسان السالك الواعي بالحق المتعال، وهو يهم بالدخول إلى هذه الخيمة المظلمة، وحيث إن كل يوم من أيام الأسبوع يختص بأحد أو عدد من أولئك العظام والشفعاء، فإنه من المناسب أن يتوسل الإنسان في تعقيب صلاة الصبح بخفراء ذلك اليوم، وهو يهم بالدخول إلى هذا البحر المظلم الهالك والفخ الشيطاني المهيب ويطلب شفاعتهم من الحق المتعال وهم المقربون للذات المقدسة، ويدعو الله أن يرفع عنه شر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ويُوسِّط أولئك العظماء لإتمام وقبول عباداته الناقصة والمناسك غير المناسبة. بالطبع فإن الحق المتعال قد جعل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام (سلام الله عليهم) وسطاء لهدايتنا وإرشادنا ويبركتهم أنقذ الأمة من الضلالة، والجهل، وبفضلهم وبواسطتهم وشفاعتهم سيرمم قصورنا ونقصنا في أعمالنا، ويقبل طاعاتنا وعباداتنا المتواضعة: "إنه ولي الفضل والإنعام".

الإنفاق والإيثار في سبيل الله: جاء في الآية المباركة: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. يجب أن نعرف أن الإنسان تربى على ملكة تعلقه وحبه للمال والزخارف الدنيوية، وقد ترسخت هذه الصفة في أعماق قلبه، وهي منشأ أكثر المفاسد الأخلاقية والعملية بل والمفاسد الدينية.. فلو استطاع الإنسان أن يقطع دابر هذه الخاصة أو يحدْ منها عن طريق الصدقات والإيثار على النفس، فإنه يكون قد قطع مادة الفساد وجرثومة القبائح، وفتح أمامه طريق نيل المعارف والانقطاع بعالم الغيب والملكوت وحصول الملكات الفاضلة والأخلاق الكاملة والحمد لله رب العالمين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع