فضيلة الشيخ شفيق جرادي
الولاية من الموضوعات التي شكلت مثار اهتمام كبير في حقل المعرفة الإسلامية؛ وقد دخلت إلى عمق البحث العقيدي كأصل انبنى عليه القبول بالمضمون العملي ـ المعتقدي للأصول والفروع الإسلامية؛ فهو بحسب الإمام الخميني ـ قده ـ سر التكامل العقيدي لكل أصل من أصول العقيدة، وبدونه بلا جدوى لمضامين الأصول(1).
فبدون الولاية في التوحيد والتبري مما سوى الله سبحانه وتعالى يبقى التوحيد مفهوماً أجوف؛ إذ كيف نركن لتوحيد لا نوالي فيه الإله الواحد الأحد الذي بيده مقاليد كل شيء؛ ولا نتبرى فيه من الغيرية الافتراضية للأشياء والأسماء والموجودات؛ مع أن القواعد الحكمية بهذا الشأن تتجه للإيمان أن الواحد الأحد سبحانه مطلق كامل وهذا يقتضي صرافة وجوده عز شأنه و"صرف الشيء لا يتثنى ولا يتكرر" و"كلما افترضنا له ثانياً عاد أولاً"...
من هنا سرت الولاية الإلهية إلى الإنسان الكامل مظهر التجلي الإلهي حتى ورد في كتاب الحجة من الكافي "الأوصياء هم أبواب الله عز وجل التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تعالى على خلقه".
لذا كان لا بُدَّ لمن يريد معرفة الله سبحانه أن يتعرف إليهم ويرتبط بهم وأن يسعى لمخاصمة أعدائهم "وارحمني في حشري ونشري واجعل في ذلك اليوم مع أولئك موقفي"(2) "ولا تخزني يوم تبعثني للقائك ولا تفضحني بين يدي أوليائك"(3).(وهذه السراية الولائية من الباري للأولياء الذين اصطادهم هي على نحو البقاء بالله بعد الفناء عن كل ما سواه ورفع كل حجاب بين الخلق وبينه سبحانه؛. "والحل الوحيد لرفع الحجاب هو الانقطاع إليه بنحو لا يكون هناك شيء محلاً للتوجه الحسي والخيالي والوهمي والعقلي من ناحية الإدراك... إلا أن يكون بعنوان أنه وجه الله ... عندما يتحرر بلحاظ شهود الحق من نظر الشرك ومكره وذكره ورؤيته وطبيعته فسيشاهد تلك الذات المحيطة الصرف التي امتزج جمالها بجلالها وقهرها برحمتها"(4).
من هكذا نظرة لموضوع الولي يكون حكم الكائنات ـ بما هي موجودات وبما هي حية عاقلة ـ بيد الولي، ومن هنا دخلت الولاية لتكون بحسب الإمام استحقاقاً تكوينياً بل وتشريعياً منصوصاً عليه بنصٍ إلهي ومحكوم بالضرورة الثابتة في الدين(5)...
وبهذا فإن "سائر العبادات بل العقائد والملكات بمنزلة الهيولي والولاية صورتها وبمنزلة الظاهر وهي باطنها، ولذها من مات ولم يكن له إمام فميتته ميتة الجاهلية وميتة كفر ونفاق وضلال"(6) ومن كلام الإمام هنا يمكن أن ندرك الحقائق التالية:
أولاً: أن العقيدة كالعبادة لا كمال لها ولا أحقية إن كانت خالية "من الولاية".
ثانياً: إن لكل شيء ظاهراً وباطناً، وكما لا يمكن الاقتصار على الباطن وترك الظاهر؛ كذلك لا يمكن الاقتصار على الظاهر وترك الباطن، وباطن وحقيقة هذا الدين تقوم على الولاية ومن هنا تكون أهمية الولاية متناسبة بالضرورة مع أهمية موقعها في الفهم الديني.
ثالثاً: إن عالم الآخرة الذي هو عالم كشف السرائر وما في الضمائر يعود حكمه وتكون نتائجه تابعة للحياة التي نحياها في جنبة الولاية.
وعلى هذه الأسس يمكن تقدير السبب في أهمية الولاية بالجانب الفقهي والإداري ـ الولائي عند الإمام الراحل الخميني ـ قده ـ بحيث أن كل الأطروحة التي قدمها ـ رضي الله عنه إنما تقوم على هذه الموضوعة العظيمة.. ومن هنا ندعي أن مرجعية الفكر هي إسلام الإمام وعرفانه.
(1) راجع شرح دعاء السحر للإمام الخميني ـ قدس سره ـ
(2، 3) الصحيفة السجادية.
(4) ولاية الإنسان ـ الآملي.
(5) انظر الحكومة الإسلامية.
(6) شرح دعاء السحر للإمام الخميني.