الشيخ محمّد الحْمُود
"أفتح عينيّ كلّ صباح لأبدأ سباقاً مع عقارب السّاعة قبل أن يأتي أولادي من مدرستهم وزوجي من عمله، ولكنَّه عندما يدخل إلى البيت، ويجدني مشغولة بالأعمال المنزليّة، لا يفكّر أن يسألني -بعد أن يأكل ويرتاح- إن كنتُ بحاجة إلى مساعدة ولو بسيطة كنقل بعض الأغراض من مكان إلى آخر، أو مراجعة الدّروس لأبنائنا.
وفي حال طلبتُ منه المساعدة في الأعمال المنزليَّة، يبدأ بالتّذمّر ويشكو من التّعب من عمله -حتَّى يوم العطلة- فأقوم بأعمال المنزل كافّةً ورعاية الأبناء بشكلٍ كامل، ووحدي، وحتَّى أداء المناسبات الاجتماعيَّة، فأجد نفسي وحيدةً في خضمّ هذه المسؤوليّات الّتي لا تنتهي!
حبّذا لو يستجيب لندائي أو يبادر إلى المساعدة من دون طلب منّي! وساعتئذٍ، سيغمرني إحساسٌ جميل وشعور بالراحة والرّضى، لأنَّ ذلك يعبّر عن تقديره لجهودي".
•التّعاون من ضروريات الحياة
لا يمكن للإنسان أن يقوم بكلّ أعباء هذه الحياة منفرداً. وقد جعل الله التّعاون فطرة في جميع مخلوقاته، حتَّى في أصغرهم حجماً كالنحل؛ فنرى هذه المخلوقات تتّحد وتتعاون في جمع طعامها، فعند صنع العسل، تقوم جماعات النّحل بتوزيع الأدوار فيما بينها، ولا يمكن أن يُصنع العسل من عمل فئة واحدة فقط! وقد قيل: "اليَدُ الواحدةُ لا تُصَفّقُ"، أمَّا الجماعاتُ المتعاونةُ فتستطيعُ أن تُصَفّقَ. وهكذا أنت، فعندما تزوّجْتَ وعشتَ مع زوجتكَ تحت سقف واحد، فحتماً ستوجد بعض الوظائف المشتركة بينكما، الّتي تحتاج إلى أن تمدّ يد المساعدة إليها، لأنَّ الزّواج مبنيٌّ على مبدأ الشراكة والتّعاون، وتوزيع المهام والأدوار، كما روي أنَّ عليّاً عليه السلام كان وفاطمة عليها السلام يطحنان، فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهما كذلك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّكما أعيا (أي تعب)؟". فقال الإمام عليّ عليه السلام: "فاطمة، يا رسول الله". فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم: "قومي يا بنيّة"، فقامت عليها السلام، وجلس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم موضعها مع الإمام عليّ عليه السلام، وواساه بطحن الحَبّ(1).
•ثواب مَن يعين زوجته
ولكنَّ بعض الأزواج يترك لزوجته "الجمل بما حمل". لذا، التفت أيّها الزوج إلى ذلك، وكنْ رفيقاً ورؤوفاً بزوجتكَ، وبادر إلى مساعدتها في بعض الأعمال المنزليّة، وإن لم تطلب منكَ، ولا تخجل من ذلك، فالتاريخ يحدّثنا أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم بمساعدة زوجاته في أمور البيت، فقد كان "يرقّع ثوبه، ويخدم في مهنة أهله(2)، ويقطع اللحم معهنَّ"(3)، وكان صلى الله عليه وآله وسلم "يحلب الشّاة، ويطحن مع الخادم"(4)، ولا يترفّع عن أمثال هذه الخدمات. وكذلك وصيّه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كان في كثير من الأحيان يعود ليعين زوجته الزهراء عليها السلام في أعمال المنزل. فتأسَّ بهما في معونة زوجتكَ لتكون على خير، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"(5)، ولكَ جزيل الأجر. ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنَّه قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفاطمة عليها السلام جالسة عند القِدر، وأنا أنقّي العدس، فقال: يا عليّ! اسمع منّي، وما أقول إلّا عن أمر ربّي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلّا كان له بكلّ شعرة على بدنه عبادة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه من الثّواب مثل ما أعطى الصابرين: داود ويعقوب وعيسى.
يا عليّ! من كان في خدمة العيال، ولم يأنف، كتب اسمه في ديوان الشهداء، وكتب له بكلّ يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكلّ قدم ثواب حجّة وعمرة...
يا عليّ! ساعة في خدمة العيال في البيت، خير له من عبادة ألف سنة وألف حجّة وألف عمرة...
يا عليّ! من لم يأنف من خدمة العيال، دخل الجنّة بغير حساب.
يا عليّ! خدمة العيال كفّارة الكبائر، وتطفئ غضب الربّ، ومهور حور العين، وتزيد في الحسنات والدّرجات.
يا عليّ، لا يخدم العيال إلّا صدّيق أو شهيد، أو رجل يريد الله به خير الدّنيا والآخرة"(6).
•التعاون يعزّز المودّة والتواصل
مضافاً إلى ما ذكر من الثّواب، فإنَّ معاونتكَ لزوجتكَ ستعمل على توطيد علاقتكما، وتعزّز التّواصل بينكما، فتصبح زوجتكَ أكثر اهتماماً بكَ ورضى عليكَ، فما أروعكَ وأنتَ تشاركها في بعض الأعمال المنزليّة من باب المودّة. وهي فرصة طيّبة للتّعبير عن تقديركَ لها، وتطييب نفسها، والتقرّب منها، حتَّى ولو كانت هذه الأعمال بسيطة مثل: حمل الأطباق إلى المائدة، أو فرش السّجاد، وسيترك هذا العمل أثراً طيّباً في قلبها، وسيشعرها بالرّضى والسّعادة.
•تجربة زوج
يقول أحد الأساتذة الجامعيين: منذ ارتباطي بزوجتي، أي منذ نحو سنتين، وأنا ما زلتُ أساعدها في بعض الأعمال المنزليّة، من تنظيف وتوضيب وإعداد الطّعام. وفي يوم التنظيف (التّعزيل)، أشاركها في كلّ شيء من حملٍ للأثاث وإزاحة السّجاد ومسح الأرضيّات، علماً أنَّني أستاذ جامعيّ. وعندما أنجبت زوجتي طفلنا الأوّل، صرتُ أساعدها في إطعامه وتحميمه، حتَّى أنَّني أستيقظ ليلاً إذا استيقظ. كــم تشــعرني مساعدتــها بالسّرور! وكم قرّبني ذلك منها أكثر، وزادت الألفة بيننا! وبالمناسبة، زوجتي تقدّر هذا التّعاون، ودائماً تشكرني على هذه المبادرات.
•من توصيات القائد دام ظله
"عندما يعيش اثنان جنباً إلى جنب ويتزوّجان، فإنَّه توجد بعض الوظائف المشتركة بينهما، مثل تحمُّل أعباء الأُسرة، أو التّعاون المتنوّع والمؤثّر في تقدُّم الأُسرة، فعليهما أنْ يتعاونا، فهذه الأمور هي أمور مشتركة بين الزّوج والزّوجة.. والحالة الأمثل –هنا– أنْ يُقسَّم العمل، فتُنجز المرأة بعض الأعمال، ويُنجز الرّجل بعضها الآخر"(7).
•زوجتكَ موظّفة
إذا كانت زوجتكَ عاملة، فهي لا تحبّ أن تتّهمها بالتّقصير في بيتها بين الفينة والأخرى، فإذا وجدْتَ صحوناً غير مغسولة، أو غباراً هنا أو هناك لم يُمسح، أو لم تجد طعاماً، فرفقاً بها، وساعدها ما أمكن، ولا تقل لها كلاماً يؤذيها مثل: "أنتِ صرتِ مهملة لبيتِك..."، فإنَّ مثل هذه الكلمات تؤذيها جدّاً، فكن معها لا عليها.
•هكذا تكون القادة!
قالت السيّدة زهراء مصطفوي ابنة الإمام الخمينيّ قدس سره: "في أحد الأيَّام، جاءت ضيفة لوالدتي بصورة مفاجئة، ولم تكن قد أعدّت من قبل ما تقدّمه لها، فتركَتْ ضيفتها وجاءت -وهي مضطربة- لإعداد الشّاي والحلويات، فقال لها والدي: (اذهبي إلى ضيفتك، لا بأسَ عليكِ)، ثمَّ قام بنفسه بإعداد الشّاي، وكان (السّماور)(8) يعمل يومئذٍ بالفحم، وإيقاده صعب عادةً، فعالجه حتَّى اتّقد، وأعدّ الشّاي، ورتّب باقي مستلزمات الضّيافة بنفسه، ولم يسمح لأمّي أن تترك ضيفتها"(9).
وقالت أيضاً زوجة الإمام الخمينيّ قدس سره: "عندما كان أولادنا يبكون كثيراً في بعض الليالي ويبقون مستيقظين إلى الصّباح، كان الإمام قدس سره يقسّم اللّيل؛ مثلاً، يبقى مستيقظاً ساعتين ثمَّ أستيقظ أنا ساعتين".
وتروي ابنة العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ M صاحب كتاب تفسير الميزان، أنَّ والدها كان "يهتمّ كثيراً بأداء أموره الشّخصيّة في البيت بنفسه، وأنَّه كان يسبقنا لترتيب مكان نومه، وينظّف غرفته بنفسه، ويتسابق مع والدتي في ذلك، حتَّى في أواخر أيّامه عندما كان مريضاً، لم يرضَ أن أخدمه.
وعندما مرضت أمّي، لم يسمح لها أن تقوم بأيّ شيء من أعمال البيت، وطلب منها أن تبقى مستلقية على السّرير، وترتاح، وقد قام هو بخدمتها وخدمتنا، وعطّل جميع أعماله لمدّة 27 يوماً حتَّى فارقت روحها الحياة (رحمة الله عليها)".
•مدّ يد العون
ختاماً، التعاون من نواة السعادة والاستقرار في الحياة الزوجيّة، ومن أسرار نجاحها وتماسكها واستقرارها، والله تعالى قد أكّد عليه بقوله: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2).
أيّها الزوج، صحيح أنَّكَ تكدح طوال النّهار من أجل توفير حياة سعيدة لعائلتك، فباركَ اللهُ بكَ وسدّدكَ وأيّدكَ لما تبذل من جهد كبير، ولكن زوجتكَ تكدح أيضاً في الأعمال المنزليّة، وربَّما تعمل أيضاً خارج المنزل، فهي تمضي ساعات طويلة واقفة على قدميها، وتقوم بكلّ ما يحتاج إليه الأولاد والبيت من عناية، والله يعطيها العافية، ولكن، ألا ينبغي أن تقدّم لها يد المساعدة عندما تحتاج إليها؟
أوَليست الحياة الزّوجيَّة تقوم على التّعاون ومساعدة كلٌ منكما للآخر؟
1.الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، لشاذان بن جبريل القمي، ص 56.
2.المهنة: الخدمة، ومهنة أهله خدمتهم.
3.إمتاع الأسماع، المقريزي، ج 2، ص 189.
4.أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 10، ص 391.
5.من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 3، ص 555.
6.بحار الأنوار، المجلسيّ، ج101، ص132.
7.خطبة العقد المؤرخة 22 /12/ 1378هـ. ش.
8.وعاء إعْدَاد الشَّاي ويعرف باسم السَّماوَر وهو وعاء معدني يستخدم لغلي الماء وتحضير الشاي.
9.قبسات من سيرة الإمام الخميني قدس سره، الحياة الاجتماعيّة، ص 72.