نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كيف نرقى بدور المرأة المسلمة على هدي الزهراء عليها السلام



الشيخ خضر نور الدين


الحديث عن السيدة الزهراء عليها السلام حديث ذو شجون وعِبر وهي المرأة الكاملة ولدت في بيت الرسالة وترعرعت عند سيد الخلق والمرسلين أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت سرّ أبيها، وأم أبيها، وتزوجت من سيّد الأولياء أمير المؤمنين علي عليه السلام فكانت نعم الشريكة له في تحمّل المسؤولية وتحمل الآلام والصبر في سبيل بقاء الرسالة وتحمّلت معه بعد وفاة أبيها المحنة الكبرى التي مرّ بها الإسلام العزيز لتحاجج المسلمين في مسجد أبيها على ما فعلوه من اغتصاب للحق، وجاءت بسيدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين عليهما السلام وبطلة كربلاء زينب.

سنوات قصيرة قضتها هذه السيدة الجليلة في هذه الدنيا حيث أنّها لم تتجاوز العشرين عند رحيلها حيث توفيت بعد أشهر قليلة من رحيل والدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، بعد اجتيازها للمحنة التي تحدثت عنها كتب السيرة عند محاصرة بيتها مع زوجها وأولادها، وبعدها يئست من المسلمين الذين ساهموا في ظلم زوجها واغتصبوا السلطة، ولم يتسنَ للباحثين الحصول على ما يحتاجوه في تقرير حياة إنسان مهم لرحيلها المبكر عن هذه الدنيا، سلّم لها الجميع بأنّها أفضل النساء لما ورد فيها من أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم "فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله".

* الزهراء مثال للمرأة المحترمة:
بشكل عام يمكن القول أن الزهراء عليها السلام مثال للمرأة بحيث تكون القدوة للمرأة المسلمة المجاهدة وبنفس الوقت مثال للمرأة المحترمة من قبل الرجال بحيث يكن مقامها مقصداً لزيارة الرجال فضلاً عن النساء، بحيث تُزار ويسلّم عليها ويتوسّل بها إلى الله من قِبل الرجال فضلاً عن النساء أيضاً. ولم تكن المرأة قبل الإسلام كذلك إلاّ إذا كانت هي الحاكمة وصاحبة الفضل أو السلطة، وفاطمة لم تكن كذلك بل بشخصيتها وبما ورد فيها عن أبيها وما تناقلته الأخبار في زمانها جعلت منها امرأة غير عادية لترفع بذلك شأن المرأة في المجتمع وليحترمها الجميع بعد أن كانت المرأة قبل الإسلام في الجزيرة العربية سلعة للمتعة وللخدمة ليس أكثر مهضومة الحق يتوارثها الورثة وتدفن وهي صغيرة هرباً من العار ولا تحترم عند زوجها، ولا ترث من أبيها، ويكفي اليوم للتأكيد على احترام الإسلام للمرأة واهتمامه بها أن نقول انظروا إلى اهتمام المسلمين عبر الأجيال بالزهراء عليها السلام وهي امرأة وإلى ما تعني لهم لنخلص بنتيجة إن المرأة إذا ما سلكت مسلكاً معيناً وكانت ملتزمة ومسؤولة يمكنها أن تفرض نفسها على مجتمعها بحيث تكون صاحبة دور مهم وأساسي، وهذا ما أودّ تفصيله في هذا البحث.

* نظرة المجتمع إلى المرأة اليوم:
من خلال نظرة موجزة إلى المجتمعات المختلفة والتعاطي مع المرأة يمكن القول: صحيح وأنّ تمايزت هذه المجتمعات ببعض المسائل في تعاطيها مع المرأة إلاّ أنّها بشكل عام لا تعطيها مكانتها ودورها الأساس، ففي المجتمعات الغربية وإن وصلت المرأة إلى تولّي السلطة في السياسة والإدارة والاقتصاد وغيرها إلاّ أنّها لا تزال سلعة للترويج ومادة لإثارة الغرائز والشهوات وأداة للتسلية والترويج وإذا ما تجاوزت سناً معيناً تُهمل وتترك حتّى من قِبل أولادها وعائلتها لتوضع في دور العجزة أو لتهمل في منزلها إن كانت تملك منزلاً وتتولاّها المؤسّسات الاجتماعية بعيداً عن عائلتها.

أعطيت الحرية في مجالات متعدّدة وشعرت باستقلاليتها التي يبحث عنها الإنسان عادةً ولكن النتيجة كانت بسبب الإفراط والبعد عن الضوابط الإنسانية الوقوع في مشاكل جديدة ومن نوع آخر بحيث ساءت التصرّف بالحرية وأساء الآخرون في الاستفادة منها، وللدلالة بشكل سريع نقول من الذي جعل من المرأة مادّة في الأفلام والدعايات بحيث صار النظر إليها كجسد للنزوات، أليس الغرب وحضارته الزائفة، عروض الأزياء، الإعلانان للمواد الغذائية وغيرها، عروض ملكات الجمال، الأفلام الإباحية، الشركات التجارية والسكرتاريا وغيرها، ففي كلّ هذه المسائل أين احترام المرأة أوليست سلعة لتحصيل المال من قبل الجشعين يشترونها بثمن بخس وهي في سن الشباب لزيادة ثرواتهم.
وفي المجتمعات الشرقية حيث بدأت عدوى التقليد للغرب منذ فترة طويلة بحيث عملت مؤسّسات عديدة تحت عنوان تحرّر المرأة واستقلالها وحقوقها على تشويه المرأة أكثر بحيث لم تصل إلى ما وصلت إليه في الغرب ولم تبقَ محفوظة ولو بالحدود الدنيا، فصارت سلعة ومادة للشهوات دون أن تحقّق شيئاً يذكر على المستويات المحترمة.

ومن خلال هذا الجو العام نجد المرأة في مجتمعنا تعيش إلى جانب مظلوميتها في كثير من الميادين خوفاً من أن تقع فيما وقعت فيه المرأة الغربية حيث لا حدود ولا ضوابط ولا ضمير ولا دين ولا خوف من الله، وإذا ما أردنا الحديث بموضوعية يمكن القول أنّ المرأة في الغرب حصلت على بعض حقوقها في مشاركتها للرجل في أكثر من ميدان ولكن النظام العام الحاكم والعقلية العامة الحاكمة أوقعتها في أماكن عديدة وخسرت بذلك أموراً هامّة وأهمها إنسانيتها وأمومتها واحترامها كزوجة وكأم وكأخت وتُركت للظروف، فإذا ما عانت من أوضاعها الاقتصادية سقطت شر سقطة حيث تجرّها الحاجة إلى ما لا تحمد عقباه لتكمل حياتها تعيسة غريبة محطّمة.

وأنا من الذين يعترفون أنّ المرأة في مجتمعنا الإسلامي الكبير لا زالت تعيش مظلومية غير عادية وسبب ذلك أنّنا لا زلنا نعيش الجاهلية في كثير من القضايا والذكورية لا زالت حاكمة في مجتمعنا وهذا له تداعيات كثيرة تدفع المرأة ثمنها وبشكل موجز تسلب حقّ اختيار الزوج المناسب لها، تمنع من الإرث الذي جاء به الإسلام، لا تساعد عند زواجها كما يساعد الصبي من قبل الأهل، إذا لم تطلب الزواج تبقى عانساً وتخسر بذلك أمومتها، إذا ما طُلّقت تعيش البؤس في تعاطي الآخرين معها، وإذا ما ترمّلت كذلك تفرض عليها البقاء مع الزوج السيء أحياناً خوفاً من الطلاق، وإن أخذت بعض أدوارها في ميادين العلم إلاّ أنّها تبقى بنظر الرجال حتّى المثقفين امرأة للخدمة والمطبخ وغير ذلك، ولا يفسح لها المجال لتحصيل الخبرة في ميادين الشأن العام تحت عناوين مختلفة.
كلّ هذا في مجتمعنا لا يتحمّل الإسلام مسؤوليته، لأنّه بشكل عام، الأحكام المسيطرة في التعاطي مع المرأة منذ صغرها وحتّى مماتها أحكام هجينة قد تلجأ أحياناً إلى بعض التشريعات التي تقيّدها ولكن نبتعد عن التشريعات التي تؤمن لها حاجياتها وتدفعها باتجاه تحمّل مسؤوليتها والقيام بدورها.
وهنا أدعو إلى إعادة النظر في المفاهيم الحاكمة والمسيطرة على ذهنيتنا ولا يمكن في هذا المجال ترك المرأة في مجتمعنا لتتخذ من المرأة الغربية القدوة والمثال في التحرّر والتحرّك، فلا الواقع الموجود جيد ومرضٍ ولا الانجراف وراء الأفكار الغربيّة في هذا المجال مريح ومرضٍ، وبنفس الوقت لا يمكن السكوت والانتظار والترقّب.

* أهمية المرأة ودورها:
يجب التوقّف ملياً عند الكثير من التفاصيل في مسائل تعاطينا مع المرأة لأنّه بالعودة إلى ديننا الحنيف نقرّ ونعترف بأهمية دور المرأة وهي صانعة الرجل وهي المريحة للرجل وهي المساعدة للرجل والمعينة له على تخطّي الكثير من المشاكل، حتّى في ميدان الإنتاج باعتبارها نصف المجتمع، فإهمالها سيؤدّي إلى خسارة هذا النصف فضلاً عن انعكاسات ذلك على النصف الباقي وهي اليوم بالإضافة إلى الأدوار المعروفة لها على مستوى المنزل والأسرة والعائلة شريكة حتّى في الحياة السياسية ورأيها مساوٍ لرأي الرجل في صناديق الاقتراع، ويمكن أن تكون فاعلة في عمليات الإصلاح والتغيير. وهنا أشير إلى أقوال الإمام الخميني المقدّس وآراء السيد القائد الخامنئي حفظه الله بموضوع المرأة ودورها في انتصار الإسلام في إيران وفي استمراره على الرغم من كلّ المحن والمؤامرات، فالمرأة في إيران استطاعت تجسيد دور المرأة المسلمة المجاهدة في ميادين السياسة والإدارة والإنتاج ومن أراد التفصيل فليراجع.

وبكلمتين أقول، أم صالحة واعية مرتاحة تعطي المجتمع أولاداً واعين منتجين ومفيدين، وزوجة مؤمنة صابرة واعية تدفع بالزوج لأخذ دوره بشكل أفضل وتعينه على تحسين إنتاجه وعطاءاته، وأخت مؤمنة واعية تساعد أخوتها وخصوصاً الصغار على أخذ أدوارهم عندما يكبرون، فهي الصانعة للأجيال والشريكة والمعينة ولا يمكن إهمالها والتعاطي معها بالشكل القائم، ولا تترك لوحدها لأنّها يمكن أن تؤذي المجتمع بعد أذيّتها لنفسها.

* الطرق الممكنة للتغيّر:
بعد هذه الجولة القصيرة والسريعة يمكن القول أنّ المرأة في مجتمعنا تحتاج إلى مساعدة لأخذ الأفكار المطروحة والتي يسوق لها من قِبل أجهزة متعدّدة لإفسادها، كان علينا كمسؤولين أن نبحث عن السبل الممكنة والتي تساعد ولا تؤذي. والإسلام الذي صنع لنا نساءً كالزهراء وابنتها زينب عليه السلام يمكن أن يكون الطريق السليم والصحيح لذلك، لكن بعيداً عن الذهنية الجاهلية والعقلية القبلية ولتطبيق أحكام الدين كلّها وليس بعضها دون البعض الآخر، فجميعنا بالتالي سيدفع الثمن إن كانت هناك أخطاء، ومجتمعنا يتقدّم إنّ أحسنّا التعاطي معها وساعدناها في عملة التغيير والإصلاح.

إنّ مجتمعنا الذي يعاني من مشاكل سياسية، واقتصادية، وتربوية، واجتماعية يحتاج إلى عنصر المرأة، وللمرأة فيه دور أساس، ولنبتعد عن عقلية المحاذير والمخاوف ولنخفّف عنها الضغط ولنتعاطَ معها كإنسان له حقوقه وكمخلوق لله يتطلّب منّا الرعاية والاهتمام، وليحبّ أحدنا ابنته لا لنفسه بل لها وليحبّ لها ما تحب ضمن دائرة أحكام الله عزّ وجل وليرفق الزوج بزوجته إن بقيت معه في الإحسان إليها أو ليتركها بحيث لا يظلمها أو يظلم بذلك عائلته، ولتكن الزهراء عليها السلام هي القدوة، كيف تعاطى معها أبوها وكيف تعاطى معها زوجها وكيف تعاطى معها أولادها وعلى أساس الأجوبة عن الأسئلة التي مرّت لنتعاطَ مع بناتنا وأزواجنا وأمهاتنا، فالسكوت على ما يجري سيدفع الأمور إلى الأسوأ، وهنا أشير إلى أنّه على العالم أن يأخذ دوره وعلى الأب أن يأخذ دوره والزوج والولد والأخ كذلك نحتاج إلى نظائر الزهراء، لكن الزهراء لم توجد هكذا لوحدها بل كان وراءها من صنعها وأراحها فأعطت وكانت سيدة نساء العالمين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع