آية الله الشيخ حسين مظاهري
لا ريب في أنّ كلّ عمل يلزمه رئيس. ولو اتّفق أن تكون إحدى دوائر الدولة خالية من رئيس، ستكون الأمور مضطربة في تلك الدائرة، حتّى لو كان من فيها لا يتجاوزون السبعة أو الثمانية أشخاص.
ومَثَلُ البيت كمثل إحدى دوائر الدولة الرسميّة، أو على حدّ قول علماء النفس، إنّ مثل البيت كالدولة الصغيرة، وهذه الدولة لا بُدّ لها من رئيس. وإنّ الطبيعة تقول، وكذا فطرة المرأة: إنّ الرجل يجب أن يكون رئيساً لهذه الدولة الصغيرة أو المؤسّسة الصغيرة، خصوصاً حينما يكون هو الذي يؤمّن نفقة زوجته ونفقات البيت بشكلٍ عامّ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: 34).
من هنا، فإنّ طاعة الزوجة لزوجها أمر طبيعيّ، بمعنى يوافق طبيعة خلق المرأة وفطرتها أيضاً، وإذا لم تلتزم الزوجة بذلك، تكون قد عملت شيئاً مخالفاً للأمر الطبيعيّ.
•الطاعة: حقٌّ للرجل
يجب أن تكون رئاسة البيت بيد الرجل، كونه يعدّ وجوداً تعقّليّاً (بخلاف المرأة، فإنّ وجودها عاطفيّ)؛ لذا تكون الآية المباركة السابقة مطابقة للطبيعة والفطرة. وعليه، ينبغي لأهل البيت أن يلتزموا السمع والطاعة له؛ فالمرأة تطيع زوجها، والفتى يطيع قول الأبوَين، وكذا الفتاة، وإذا خرجوا على تلك الطاعة، لم يستطع الزوج أو الأب إدارة البيت بالشكل الطبيعيّ، وعندها، تبرز النزاعات والخلافات، ممّا يبعث على المصائب والبلايا. فالطاعة حقّ أوّل للرجل.
أمّا الحقّ الثاني للزوج فهو المباشرة، وبصدد هذه المسألة يجب أن تكون الزوجة مطيعة لزوجها وتراعي حقّه، وإلاّ عُدّت ناشزاً، والناشز لا حقَّ لها في مسكن ولا ملبس ولا مأكل.
إنّ القرآن الكريم أكّد على هذه القضيّة بشدّة، وإنّ الروايات الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام تعرّضت كثيراً لحقوق الزوج على زوجه، وحسبتها أعظم مرتبةً من حقوق الزوجة على زوجها. منها ما جاء عن أبي جعفر الإمام الباقر محمّد بن عليّ عليه السلام أنّه قال: "جاءت امرأة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه، ولا تعصيه، ولا تتصدّق من بيته، إلّا بإذنه، ولا تصوم تطوعاً إلّا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب(1)، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه، وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض، وملائكة الغضب، وملائكة الرحمة حتّى ترجع إلى بيتها، قالت: يا رسول الله، من أعظم الناس حقّاً على الرجل؟ قال: والده، قالت: فمن أعظم الناس حقّاً على المرأة؟ قال: زوجها..."(2).
•قيمومة الرجل
أراد الإسلام أن يحرّك الزوجة نحو الزوج للتجاوب معه؛ حفاظاً على حبل المودّة والألفة، فحسَّسَها بعظمةِ الزوج باعتباره أقوى الموجودين وأفضلهم، ولذا جُعلت القيمومة، وهي "القيادة إلى أفضل السبل في الحياة"، بيد الزوج.
وهذه القيمومة هي التي جعلت حقّ الزوج على زوجته أكثر من حقّها عليه، فقد قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ (البقرة: 228).
وهذا التعبير يشير إلى أنّ حقوق الزوجة الواجبة والمستحبّة على الزوج تعادل حقوق الزوج الواجبة والمستحبّة على الزوجة، إلّا أنّ الرجال يفوقون النساء درجةً، وهذه الدرجة هي: "القيمومة" التي جُعلت للزوج في قيادة الحياة الزوجيّة إلى أفضل السبل في الحياة، ويكفي أن تكون هذه القيمومة سبب زيادة حقّ الرجل على المرأة، باعتباره مُحسِناً إليها أكثر ممّا لها من الإحسان إليه، لو قامت بكلّ المستحبات نحوه؛ وذلك لأنّه هو أيضاً يقوم بالمستحبّات التي له تُجاه زوجته.
•"شاوروهنّ وخالفوهنّ"
إنّ بعض الرجال يتبجّح بمقولة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ويعتبرها ذمّاً للنساء، على الرغم من أنّها تعني أهميّة مشاورة الزوجة -وخصوصاً المجرّبة بالكمال- ليبقى التصميم للرجل، وهذه المقولة هي: "شاوروهنّ وخالفوهنّ"(3).
إنّ مقولة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لا تتناقض بالمرّة مع ما هو موجود في القرآن المجيد، ولا تتناقض أيضاً مع أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي وردتنا في حقّ المرأة.
قال العلّي العظيم في محكم كتابه المجيد: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمرن: 159).
أيّها النبيّ، إنّك برحمةٍ من الله تلين للمؤمنين والخيّرين من حولك، ولو كنت جافياً قاسي القلب لتفرّقوا عنك، فاعفُ عنهم في ما يختصّ بك، واستغفر لهم في ما لله، وشاورهم في الأمر؛ أمر الحرب ونحوه ممّا لم يوحَ لك؛ تطييباً لنفوسهم، وتأسيساً لسنّة المشاورة للأمّة، فإذا عزمتَ على شيء بعد الشورى، فتوكّل على الله في إمضائه.
وبناءً على ما تقدّم، تكون المشاورة للنساء تطييباً لنفوسهنّ، والتصميم القطعيّ والقرار النهائيّ يكون بيد الرجل، فإن رأى الرجل من زوجته رأياً سديداً، موافقاً لما جاء في الكتاب الحكيم وسنّة المعصوم عليه السلام، أخذ به وعمل، وإن لم يكن كذلك، امتنع عن الأخذ به.
(فيكون معنى الحديث -لو صحّ- شاوروا النساء. ولا تتركوا مشاورتهنّ، وخذوا برأي المجرّبة منهنّ أو الحكيمة، وخالفوا غيرها).
(*) مستفاد من كتاب: الأخلاق البيتيّة، من الفصل التاسع.
1. قتب: ما يوضع على سنام الجمل، كنايةً عن انشغال الزوجة وشروعها بالسفر.
2.الكافي، الكلينيّ، ج 5، ص 507.
3.شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 18، ص 191.