مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حصون الإسلام: المحقق الكركي نموذج مبكر للولي الفقيه

 


شهدت الساحة الشيعية في بلاد الشام وإيران في أواخر القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر ـ شهدت ـ بروز اتجاه قوي وضاغط نحو تمكين الفقيه من ممارسة ولايته، وقد سبقت التجربة في بلاد الشام مع الشهيد الأول التجربة في إيران إلا أن النتائج كانت مختلفة بينهما برغم هذا السبق الزمني للتجربة الأولى على التجربة الثانية، فالشهيد الأول قائد التجربة الأولى خلال هذه الفترة لم تتوفر له الظروف المناسبة ليقدم نموذجاً متكاملاً في ولاية الفقيه، أما في الساحة الأخرى فقد استطاع المحقق الكركي أن يقود العملية بتوفيق أكبر ولمدة زمنية لا بأس بها.

وفي مطلق الأحوال فإن التجربة بمجموعها انتهت على الصعيد الشخصي بإبعاد المحقق عن موقع القرار والسلطة إلا أن نتائجها العامة على صعيد الأمة والفقه والفكر السياسي أدت إلى محصِّلة إيجابية كبيرة كرَّست ولاية الفقيه كأساس نظري لإقامة الحكومة الإسلامية وظهرت ثمار التجربة الإيجابية في المراحل التاريخية التي تلت وإلى الآن.
هنا محاولة متواضعة لتسليط الضوء على سيرة حياة المحقق الكركي بما تتضمن من تجربة خاصة لولاية الفقيه:.
بدأ المحقق الكركي حياته العلمية طالباً في بلدته كرك نوح عروس البقاع يومها والتي كانت حاضرة علمية تدب فيها حركة علميَّة واسعة.
وكان من الطبيعي أن يلج المحقق الحياة من باب العلم وهو ابن أحد علماء القرية الشيخ حسين عبد العالي، فكان والده أستاذه الأول وكان شيخاً ورعاً وتقياً كما يصفه ثاني أساتذة المحقق الشيخ محمد بن علي بن محمد بن خاتون، وهذا الأخير درس المحقق على يديه فترة غير محددة ختمها بنيله إجازة من الشيخ ابن خاتون في 29/2/900هـ 15/10/1495م قبل أن ينال إجازة ثانية من أستاذه الآخر والمرجع الفقهي الكبير في تلك الفترة والذي كان يسكن كرك نوح الشيخ علي بن حلال الجزائري كان ذلك في 15/9/909هـ 13/8/1503 بعد أكثر من ثماني سنوات على نيله الإجازة الأولى.

وقد فصل بين الإجازتين رحلة علمية طويلة بدأها الشيخ الكركي من دمشق ومر فيها على بيت المقدس وزارة مكة المكرّمة وانتهى به المطاف إلى مصر حيث كانت على ما يبدو فيها محطته الأطول. وفي محصلة رحلته هذه عاد المحقق بمجموعة من الإجازات من علماء أهل السُنَّة الذين قرأ عليهم عدداً كبيراً من صحاحهم وكتبهم وتعرف إلى فقه مذاهبهم.
وتذكر المصادر التاريخية وجود الشيخ المفاجئ في العام 916هـ/1510م في هراة التي تقع الآن في شمال غربي أفغانستان قرب الحدود مع إيران، واستقراره في كاشان التي تقع الآن في وسط إيران.
يبدأ النشاط العلمي للمحقق بالبروز بشكل واضح عبر قيامه بمهمة كبيرة ودقيقة وهي إنشاء ما يمكن تسميته حوزة علمية لا نعرف شيئاً عن مبناها أو موقعها، ولكن كان الهدف منها واضحاً وهو إعداد مجموعات كبيرة من العلماء تقوم بالمهام التبليغية في أنحاء الدولة الصفوية وحتى خارج حدودها.

أمضى المحقق في هذا المضمار ما يقرب من اثني عشر عاماً كانت في الحقيقة ذات أثر بعيد فيما بعد على الدور الكبير الذي سيلعبه المحقق في عهد الشاه طهماسب الصفوي حيث سيمضي ما يقرب من عشر سنوات أخرى في تتميم ما كان قد بدأه من نشاط علمي ولكن هذه المرة معززاً بتحوله إلى مرجعية دينية سياسية بعد أن مثل في الفترة الأولى إلى حد ما مرجعية دينية ـ فقهية وقد كان نبوغه العلمي وآراؤه السديدة دافعاً لإطلاق لقب المحقق عليه.
وقد أثمرت الحركة العلمية التي قادها المحقق. في المرحلة الأولى من وجوده في إيران. ومن موقع مرجعيته للأمة عن تتلمذ العشرات من العلماء على يديه وتخرج عدد كبير من المجتهدين من حلقات بحثه بلغ وفق بعض الروايات ما يقرب من أربعمائة مجتهد بينهم العديد من الطلبة اللبنانيين الذين شجعهم على القدوم إلى إيران وكان من أشهرهم علي بن عبد العالي الميسي ـ أحمد بن محمد بن خاتون ـ علي المنشار ـ أبو القاسم نور الدين علي بن عبد الصمد العاملي (والد الشيخ البهائي) ـ الأمير نعمة الله الحلي وغيرهم كثر.
آثاره: ترك المحقق العشرات من المؤلفات التي كانت عبارة عن رسائل في أبواب متعددة من الفقه أفرد لكل باب رسالة خاصة به وقد زاد عدد مؤلفاته عن الثلاثين وتطرقت إلى بعض الموارد التي كان لها أهمية معينة في تلك الفترة الزمنية وحملت هذه الرسائل عناوين (الخراجية ـ الجمعة ـ صيغ العقود والإيقاعات ـ السجود على التربة ـ السبحة ـ الجنائز ـ السلام والتحية ـ الطهارة ـ الحج ـ الجيرة ـ المواتية...) ورسالة (الجمعة الخراجية ـ المواتية) إضافة إلى رسالة (المنع من تقليد الميت) تتضمن الآراء التي كان المحقق يعتبرها ذات أهمية وموضع حاجة كبيرة في ظل الوضع السياسي والاجتماعي والديني الذي كان يعيشه الشيعة عامة وخاصة في إيران في تلك المرحلة التاريخية المفصلية. وقد لاقت هذه الرسائل الكثير من النقد من بعض علماء تلك الفترة كان أبزرهم الشيخ إبراهيم القطيفي وقد كان له إضافة إلى هذه الرسائل مجموعة من الحواشي على بعض المؤلفات. وفي كل الأحوال فإن أبرز كتب المحقق كان جامع المقاصد في شرح القواعد، والثاني هو في الحقيقة شرح لقواعد الأحكام للعلامة الحلي وقد وصل فيه المحقق إلى باب النكاح ولم يكمله. وكانت الطريقة المختصرة والسهلة التي تميز بها جامع المقاصد سبباً في شهرته ومن ثم اعتماد طلبة العلم عليه فضلاً عن الفقهاء الذين اتخذوه مرجعاً لهم في أبحاثهم ومؤلفاتهم حتى أنه يروى أن صاحب جواهر الكلام كان يقول: «من كان عنده جامع المقاصد والوسائل والجواهر لا يحتاج بعدها إلى كتاب آخر للخروج عن عهدة الفحص الواجب على الفقيه في آحاد المسائل الفرعية"(*).

* ولاية الفقيه:
شعر المحقق في وقت مبكر ومع بدايات الدولة الصفوية أن هناك واجباً ما عليه أن يقوم به وأنه عليه تقع مسؤولية الدعوة إلى تطبيق أحكام الإسلام الأصيل، ومن هنا بدأ بتعاون وثيق مع الشاه إسماعيل الصفوي، الذي التقاه أول مرة على ما يبدو في هراة عام 916هـ/110م، بدأ في عملية إحياء للمفاهيم الإسلامية الأصيلة، وقام بحملة توعية ثقافية كبيرة جعل روادها من العلماء وأهل الشرع الذين نشرهم في المدن والقرى وطلب إليهم إعادة صوغ فهم سليم لدى الناس عن الإسلام بعيداً عن أفكار التصوف السلبية التي كانت منتشرة والتي كانت سبباً في دخول العديد من الأفكار الضالة إلى نفوس سكان تلك البلاد.. وعلى ما يبدو أن حركة المحقق قد أعطت نتائج إيجابية ولاقت قبولاً لدى الناس وأدت إلى توسع نفوذه في داخل الدولة الصفوية، ولكن الشاه إسماعيل بعد أن لمس ما أنجزه المحقق وتزايد شعبيته لم يكن ليقبل بدور هامشي وأن يصبح المحقق قطب الرحى والحاكم الفعلي في البلاد وهكذا كان لا بد من الفراق ولم يكن أمام المحقق خيار إلا الابتعاد عن الساحة التي لم تكن بناها ـ الاجتماعية والسياسية والعسكرية وحتى الدينية ـ في تلك الفترة تتقبل النفوذ الكبير للفقيه وخاصة أن أمراء القزلباش وهم من زعماء قبائل واتباع طرق صوفية وكانوا يشكلون ركيزة الحكم الصفوي عارضوا بشدة المسار الذي كان ينطلق فيه المحقق، وهكذا فإن المحقق وبعد ما يقرب من اثني عشر عاماً أمضاها في إيران قفل راجعاً إلى النجف كان ذلك في العام 928هـ/1521م أي بالتحديد قبل عامين من وفاة الشاه إسماعيل الصفوي، ولكن مغادرة الشيخ علي لإيران لم تكن أبداً لتعني تخليه عما كان يعتقده من ولاية للفقيه ودعوة لممارستها بل كانت خطوة في خانة اختيار المكان المناسب للبقاء فيه في حالة انتظار للظرف المواتي لإعادة طرح الفكرة مجدداً، وقد حصل ذلك فعلاً بعد عام من استلام الشاه طهماسب الطوسي الحكم أي في حدود العام 931هـ/1525م فعاد المحقق إلى إيران مجدداً ليأخذ دوره على مسرح الأحداث وباندفاعة أكبر هذه المرة.

لقد كان طهماسب على العكس من والده إسماعيل رجلاً يغلب عليه التدين ويتمتع بثقافة واسعة، ولا شك أنه كان يمثل إحدى ثمار الحركة التبليغية الكبيرة التي كان قد باشرها المحقق قبل هذا التاريخ بما يزيد عن 15 عاماً والتي نفذت بتأثيراتها إلى داخل قصر الشاه نفسه وإلى قلب ابنه طهماسب، ولذا فقد كان هذا الأخير بعيداً عن الصوفية في الوقت الذي كان فيه قريباً من الاعتقاد وافهم السلم لحقيقة التشيع ودور الفقهاء، وما يستتبع ذلك من اعتقاد بأهمية الكركي والدور الكبير الذي يجب أن يؤديه، وهنا كان طبيعياً أن يترجم الشاه اعتقاده هذا بسلسلة من الإجراءات العملية على أرض الواقع وبالفعل فقد أصدر فرماناً شهيراً يعتبر أول نص ذي صياغة سياسية قانونية فقهية حديثة تتبلور فيه رؤية واقعية لمبدأ ولاية الفقيه في وضوح نظري تام.
لقد تضمن الفرمان اعترافاً واضحاً بولاية الفقيه ونيابته عن المعصوم عليه السلام وبالتالي على وجوب طاعته وحرمة مخالفته، ولا يبدو النص ـ بالصيغة التي قدم فيها ـ توصيلاً من الشاه إلى المؤسسات والدوائر السلطوية في الدولة الصفوية وإنما يبدو أمراً تكليفياً موجهاً لكل الناس. ولم يكن فيه أي إشارة للسلطان أو موقعه في حق إصدار الأمر كما لم يشر إلى أي نوع من أنواع مشاركة الشاه للفقيه في الولاية على الأمة، وفي هذه الصيغة ما يكفي من الدلالة على حجم ولاية الفقيه التي أراد النص التأكيد عليها والتي تشمل فيمن تشمل الولاية على الشاه نفسه...

ولكن هل استطاع الفقيه أن يمارس الولاية الفعلية وإلى أي حد كان ذلك؟
في الحقيقة لم يكن هذا النص كلاماً نظرياً فحسب بل أنه كان النص الدستوري الرسمي الذي على ما يبدو أصبح نصاً حاكماً على غيره من الأنظمة والقوانين الجارية وعلى ما يبدو فإن المحقق قد حرص على نشره وتعميمه على الناس ليرسّخ قناعة في نفوسهم بولاية الفقيه وبالتالي يصبح نصاً غير قابل للتعديل أو التأويل بمعنى آخر غير موضع للنقاش.
وقد شهدت السنوات التي تلت صدور هذا الفرمان ـ شهدت ـ في الواقع التطبيق العملي لهذا المبدأ ومن هنا بدأت تكبر الهواجس التي كان يستشعرها الفريق المعارض لولاية الفقيه حيث بدأ يتحسس السلطة الفعلية التي كان يرسمها الفقيه (الكركي) وهذا ما دفع هذا الفريق للقيام بمجموعة من الأعمال التي مثلت ردود فعل عنيفة ومتنوعة على ممارسة الفقيه لولايته، ومحاولات متعددة لرفع يد الفقيه عن السلطة وبالتالي إطلاق يد أمراء القزلباش وإعادة السلطة إليهم ممثلة من الناحية الشكلية بالشاه الذي يتولاها وعليه تقع مسؤولية إدارة الدولة بما يتماشى مع مصالح هذه الفئة ذات السيطرة والنفوذ على امتداد الأراضي التي كانت تحكمها الدولة الصفوية.
ولاية الفقيه في مواجهة الصعوبات:

واجه المحقق معارضة عنيفة في مسيرته وقامت أمامه العديد من الصعاب والمشاكل وحارب على أكثر من جبهة وبأكثر من سلاح في آنٍ واحد.
استهدف المحقق في مستويات ثلاث: آرائه العلمية، سيرته وسمعته، حياته، خاض المحقق أشد المعارك مع فقهاء تلك الفترة وكان شيخ الحملة عليه الشيخ إبراهيم القطيفي الذي رغم تأثره بالمنهج الاجتهادي للمحقق إلا أنه عارضه في الكثير من آرائه ومواقفه وشن حملة كبيرة عليه يمكن تلخيصها بمعارضته لآراء المحقق المتعلقة بالولاية زمن غيبة الإمام عجل الله فرجه الشريف وتحريمه إقامة صلاة الجمعة وجباية الخراج، وتضمنت حملات الشيخ القطيفي على المحقق نقداً لآرائه وردوداً عليها واستخدم فيها وباندفاع كبير أوصافاً ونعوتاً نابية ما أثار شكوك وتعجب العديد من المؤلفين فيما بعد.

وهنا لا يجب الفصل بين هذه الهجمة العلمانية وما تعرض له المحقق من مؤامرات وحملات قادها تحالف المتضررين من النافذين السابقين من كبار أمراء القزلباش والحملة الإعلامية الكبيرة التي استهدفت ولاية وآراء الشيخ المحقق والتي تضمنت إضافة إلى ما تقدم من حملات قاد بعضها الشيخ القطيفي، قُدمت للشاه تقارير متعددة في محاولة لتشويه صورة المحقق أمامه ودفعه لأخذ موقف سلبي تجاهه.
واستكملت فصول المؤامرة بتدبير عملية اغتيال لم تتوفر لنا كل تفاصيلها إلا أنها انتهت بمقتل أحد العناصر المتآمرة (محمد بك مهردار) والذي كان أحد أمراء القزلباش.
هنا أصبح الوضع خطيراً ومضطرباً ويؤذن بانفجار كبير بين أنصار المحقق وولايته وأعدائها، وأمام هذه الصورة نعرف بالتحديد ما الذي فعله في ظل عدم وجود مصادر تحدثت عن الموضوع، الوثيقة الوحيدة التي بين أيدينا هي بيان صادر عن الشاه ينص على أن رخصة قد أعطيت «لخاتم المجتهدين (المحقق الكركي) بالتوجه إلى عراق العرب" إضافة إلى ذلك هناك بعض الإشارات التي تفيد أنه قد تم إبعاد عدد ممن قاد الحملة ضد المحقق.
إلا أن المحقق توفي بعد سنة بالتحديد من الفرمان في 8 ذي الحجة 940هـ/1/8/1524م دون أن نعلم أي شيء عن حقيقة موقفه من فرمان الشاه وما إذا كان في طريقة للعودة إلى إيران أو لا.

* الإنجازات:
إن المحقق الكركي خاض تجربة من أغنى التجارب ومن أكبرها في العصر الحديث على صعيد تشكيل الحكومة الإسلامية وتطبيق الشريعة من خلال الوصول إلى الموقع الطبيعي للفقيه في المجتمع والدولة والذي يستطيع من خلاله أن يلي الأمر. وقد كان لتجربة المحقق الآثار الكبيرة والخطيرة على مستقبل إيران وإله يعود جزء من الفضل في إرساء التشيع واحتضان الشريعة في هذه البلاد والتي أضحت بعد ذلك بمئات السنين في الصورة التي هي عليها الآن والتي ساهم في الوصول إليه المسار الذي شارك في تحديده المحقق نفسه. وعمل على إرسائه واستمراره الخلف الصالح من الفقهاء بإقامة الحكومة الإسلامية في إيران العام 1979م وقد كان الإمام الخميني قدس سره من عداد هذه القافلة.
لم يكن ما قام به المحقق من أعمال أمراً بسيطاً أو عادياً لقد أطلق حركة علمية واجتماعية وسياسية وثقافية ونوعية وفي عهدة تهافت الكثيرون على طلب العلم وأصبحت هذه السنة الصالحة مورد إعجاب الكثيرين ومن أيام المحقق افتتحت العلاقة العلمية التي تشعبت فيما بعد ـ بين إيران وبلاد الشام في العصر الحديث ـ وإلى المحقق يعود الفضل في فتح باب الهجرة الشيعية الشامية إلى إيران التي لا تزال مستمرة حتى الآن.
وفي عهده أيضاً خلع اتباع أهل البيت رداء التقية في إيران خاصة رغم أن الكثيرين ومن بعض من كانوا يسمون بالعلماء كانت التقية منهجهم المتبع.
لقد أطلق المحقق عملية تغيير فعلي وكبرى في بنى المجتمع الإسلامي الشيعي في إيران اعتبر فيها أن منع ممارسة التقية إحدى المقومات الضرورية لنجاحه.
لقد أحدث الخط الفقهي السياسي الذي سار به المحقق، والذي ابتعد فيه بالناس عن طرق الدراويش، وساهم بشكل كبير في عملية تنقية الثقافة الإسلامية الشعبية من المفاهيم والتقاليد الصوفية والمغلوطة عن الإسلام ونظام الحدود (عقوبات) ونظام تواصل بين الأمة وقيادتها العلمائية (صلاة الجمعة، صلاة الجماعة، أئمة المدن والقرى) نهضة كبرى في إيران وأدى إلى إرساء دعائم دولة وهيكلتها بالشكل الذي جعل الدين فيها المصدر الأساسي والوحيد لكل تشريعاتها كرئيس مرجعية الفقهاء بعد أن أعطى بشخصيته المميزة صورة ناصعة ومحببة عن العلماء وعدل في مناهج الدراسة الدينية ورتب الهيكلية العلمائية لتصبح أكثر فعالية.
لقد قاد المحقق المجتمع الإسلامي في زمنه نحو اتجاه جديد في ثقافته وجعل الناس أكثر التصاقاً بقضاياهم الكبرى وإسلامهم العزيز ودفعهم باتجاه التطلع إلى أخذ دورهم الطبيعي في تعزيز مواقع الإسلام وتقدمه.

* خاتمة:
لقد كان فهم العامة المغلوط لدور العلماء وأطماع رجال السلطة والنفوذ إضافة إلى الدور السلبي الذي مارسه بعض رجال الدين المتحجرين عوامل أساسي اجتمعت على الحؤول بين المحقق الكركي وبين النجاح في مشروعه، إلا أن غرسة الإسلام التي سقاها المحقق في مرحلة عطائه استطاعت أن تستمر بعد وفاته لتينع فيها ثمار الولاية مع الإمام الخميني قدس سره في بدايات العام 1979 من خلال انتصار الثورة وإقامة الحكومة الإسلامية على أساس ولاية الفقيه التي طالما تكلم عنها ودعا إلى تطبيقها المحقق الكركي.
نسأل الله تعالى أن يوفق الباحثين للوصول إلى حقائق أكمل وأفضل فيما يخص الشيخ الكركي لما يمثل هو وقلة آخرون من حالات فريدة إلى حد ما في التاريخ العلمائي الشيعي.

* المحقق الكركي:
اسمه: علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي.
كنيته: أبو الحسن.
ألقابه: نور الدين، الشيح العلائي، المحقق الثاني، المحقق الكركي.
مكان وتاريخ الولادة: كرك نوح، البقاع 868هـ/ 1463م.
مكان وتاريخ وفاته: النجف الأشرف 940هـ/ 1534م.

(*) انظر مقدمة جامع المقاصد.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع