بات "أفيخاي أدرعي"، الناطق باسم جيش الاحتلال، أشهر شخصيّة إسرائيليّة عند العرب؛ يقتحم بيوتنا عبر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعيّ، ويحصل على آلاف المتابعات والتعليقات السلبيّة والإيجابيّة؛ ليكسب مزيداً من الانتشار والاختراق. ويتواصل الضابط "يؤاف مردخاي" في الأراضي المحتلّة عبر صفحة (المنسّق) في فايسبوك مع الناس، ويقدّم لهم العروض لتوفير العمل وتراخيص التنقّل وغيرها.
من هنا، أصبحت فكرة الانفتاح على العدوّ وضبّاطه والحوار معهم على مواقع التواصل حالةً تنتشر في مجتمعاتنا، وتُطرح لها مبرّرات واهية، كالإقناع أو طرح وجهات نظرنا، وهي غير مقبولة لا دينيّاً ولا عقليّاً ولا وطنيّاً.
* أهداف خطيرة
يهدف من يطرح فكرة الانفتاح على العدوّ ويشيعها، إلى تحقيق الأهداف الآتية:
أوّلاً: التسلّل والنفوذ إلى مجتمعاتنا تدريجيّاً، لكي يعتاد الناس على الكلام مع العدوّ الصهيونيّ.
ثانياً: إزالة النفور والحسّاسيّة تُجاه التواصل مع العدوّ الإسرائيليّ.
ثالثاً: طرح المسائل المسلّمة للنقاش، وتحويلها إلى مجرّد رأي ووجهة نظر، وخاضعة للنقاش، كمسألة فلسطين التي هي قضيّة المسلمين وكلّ إنسان شريف وعاقل ومنصف.
رابعاً: الوصول إلى التطبيع مع العدوّ بشكل انسيابيّ ولا شعوريّ، من خلال بعض وسائل التواصل، التي لا يشعر المواطن أنّه يتعامل من خلالها مع العدوّ.
خامساً: استدراج الشباب والفتيات للتواصل مع العدوّ، وتجنيدهم تدريجيّاً؛ للتعامل معه وتحقيق أهدافه العدوانيّة والتوسّعيّة.
لذلك، لا بدّ من فهم خطورة هذا الأمر وأبعاده الاستراتيجيّة والتكتيكيّة، ومعرفة ما يخطّط له العدوّ، والأساليب التي يستخدمها؛ لتحقيق مآربه الخطيرة علينا وعلى مجتمعاتنا الإسلاميّة الممانعة.
* حرمة التواصل مع العدوّ
يقول الله عزّ وجلّ: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 8-9).
تبيّن هاتان الآيتان الشريفتان، أنّ العداوة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللإسلام وللأمّة الإسلاميّة هي صفة الشيطان ومَن كان من حزبه، الذي يجب أن نتّخذه عدوّاً هو وحزبه، وخصوصاً إذا قاتل المسلمين وأخرجهم من ديارهم، أو ساعد عدوّهم على ذلك وأعانه على إخراجهم، ويكون أيّ تعامل معهم مخالفة ومعصية لأمر الله تعالى. أمّا الذين لم يقاتلوا المؤمنين ولم يخرجوهم من ديارهم، فلا مانع حينها من التواصل والتعامل معهم بالمثل والقسط والعدل، كما أمر الله تعالى.
وقد يرى بعض الناس أنّ التواصل عن بُعد ليس معاملةً مع العدوّ، ومجالسةً له، لكنّ ذلك تبرير للتواصل معه وخداع للناس ليستهينوا بذلك ويعتبروه جائزاً وغير محرّم، والله تعالى يقول: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ (القلم: 9). فالتواصل مع الأعداء على وسائل التواصل، بات يأخذ شكل غرفة واحدة، يرى فيها أحدنا الشخص الآخر ويحادثه، كما لو كنّا نجالسهم، فنسمع كذبهم وطعنهم بالدين وبمقدّساتنا!
وقد أمرنا الله تعالى بترك مجالسة الكافرين الذين يعادون الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ويخوضون في آيات الله، فيكذّبون بها، ولو بغير المحادثة، وحرّمها علينا، فيقول: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنعام: 68). وقد فسّر علماؤنا الآية بمجرّد المجالسة مع أعداء الدين، ووجوب تركها، وحرمة البقاء معهم.
* لا تجالس أتباع الشيطان
وقد ورد عن الأئمّة عليهم السلام النهي عن مجرّد مجالسة أتباع الشيطان، وبيان نتائجها السيّئة، ومنها:
1- عصيان الله: عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يُعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره"(1).
2- مورد سوء الظنّ: لأنّه مجلس شرّ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "مجالسة الأشرار تورث سوء الظنّ بالأخيار"(2).
3- تفسد الدين: بسبب سماع شبهاتهم، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "خلطة أبناء الدنيا تشين الدين، وتضعف اليقين"(3).
4- تنسي الإيمان وتفسده: بسبب سماعه لأهوائهم المضلّة: "مجالسة أهل الهوى منساة للإيمان، ومحضرة للشيطان"(4).
5- مكان نزول البلاء: عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا تأمن مجالسُ الأشرار غوائلَ البلاء"(5).
ولطالما ذكّر الإمام الخامنئيّ دام ظله بأنّ العدوّ يخطّط، فينشئ ساحة يستدرجنا إليها، ومجرّد دخولنا هذه الساحة وفق قواعده سيكون خطأ، سواء ربحنا أم خسرنا، ففيه منفعة له. ونبَّه سماحته في كثير من خطاباته إلى أنّ مخطّط العدوّ هو إيجاد التفرقة، وإيجاد اليأس والإيقاع بين الناشطين السياسيّين، وتحييد الخطّ الأصيل والقيم الإسلاميّة.
* الحرب الإلكترونيّة مع العدوّ الإسرائيليّ
تستعر الآن بيننا وبين العدوّ الإسرائيليّ، إلى جانب العمليّات العسكريّة، حرب ساحتها الإنترنت. والهدف الرئيس من هذه الحرب ليس احتلال أرض العدوّ، بل السيطرة على عقل جمهوره، وضرب معنويّاته، وتشويه صورته، وإلحاق الهزيمة النفسيّة به، وتعزيز معنويّات جمهورنا، وكسب تأييده.
أسلحة هذه الحرب هي الحاسوب والهاتف، وساحة المواجهة هي مواقع التواصل الاجتماعيّ، وكلّ مواطن لديه حساب في الإنترنت، ينشر المعلومات والصور والأخبار، هو جنديّ فاعل في هذه المعركة. أمّا رصاص هذه الأسلحة وقذائفها، فهي المعلومات والصور والفيديوهات والرسائل الإلكترونيّة، التي يريد كلّ طرف إيصال أكبر كميّة ممكنة منها إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور وضمان إعادة نشرها.
* مخطّطات استخباريّة
يمتلك العدوّ الإسرائيليّ قدرةً ضخمةً في مجال "السايبر"، فأنشأ مكتب "السايبر الوطنيّ" التابع لرئيس حكومة العدوّ، لتطوير التكنولوجيا. وقد استحدثت الاستخبارات الإسرائيليّة وحدة (8200) المتخصّصة في حرب الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات.
وتتضمّن وحدة سلوك الجمهور التابعة للوحدة المركزيّة لجمع المعلومات الاستخباراتيّة قسماً لجمع المعلومات وإجراء الأبحاث لدراسة سلوك الجمهور، وتجنّد هذه الوحدة ضبّاطاً ذوي خبرة وعشرات الباحثين في مجالي علم الاجتماع وسيكولوجيا الجماهير والأنثروبولوجيا، يجمعون المعلومات عن العالم الإسلاميّ والعربيّ ويحلّلونها. وكشفت صحيفة "لاتريبيون" الفرنسيّة أنّ ضابط الاستخبارات الإسرائيليّ "أدون وردان" أطلق موقع "شباب حرّ" الذي استقطب أكثر من 10 ملايين زائر من بلدان العالَمَين العربيّ والإسلاميّ منذ إطلاقه عام 2003م.
وقد أشارت تقارير صهيونيّة عدّة إلى أهميّة دراسة مواقع التواصل الاجتماعيّ في المدن اللبنانيّة؛ لبحث سُبل التأثير في رأي الناس في الأحداث الجارية، وخصوصاً في الصدامات بين "حزب الله" ومعارضيه في لبنان.
* سيطرة "إسرائيليّة"
يستخدم العدوّ الإسرائيليّ وسائل التواصل الاجتماعيّ لتعزيز صورة أكثر إيجابيّة عن نفسه عبر الإنترنت، وتبرير مجازره وجرائمه في حروبه على غزّة ولبنان وغيرهما.
وقد أعلنت إدارة موقع فايسبوك عن تعيين المُدير العام السّابق لوزارة "العدل" الإسرائيليّة كعضوٍ في مجلس الإشراف الجديد في الشركة، الذي يقوم بشكل فعّال بتحديد المحتوى الّذي يتعيّن مراقبته أو السماح به على منصّتها، ويشمل موقعي إنستغرام وواتساب. وهذا يعني أنّ العدوّ الإسرائيليّ صار شريكاً لهذه المؤسّسات، في جمع المعلومات لصالحه، وصالح الإدارة الأمريكيّة، عن الجهات المستهدفة من قِبَلهم.
وتقوم الآن مواقع تواصل عالميّة عدّة بمنع المستخدمين من الوصول إلى أيّ معلومة تضرّ العدوّ الإسرائيليّ، بل وتحذف حساباتهم. كمثال على ذلك: يفرض موقع تويتر الرقابة على المستخدمين بطلب من السلطات الإسرائيليّة المعادية، ويجبرهم على حذف تغريدات محدّدة، وقد أغلق حسابات مؤسّسات إعلاميّة معارضة للعدوّ الإسرائيليّ دون سابق إنذار أو تفسير. في المقابل، أعلن موقع تويتر أيضاً عن تقديم استثناءات للمجموعات التي تدعو إلى التفاوض أو تشارك في عمليّات حلّ سلميّ. ويدلّ هذا الإجراء على تواطؤ شركات التواصل الاجتماعيّ مع كيان العدوّ لطمس الأخبار والمعلومات حول جرائمها في لبنان وفلسطين والعالم. وتأتي حملة تويتر حالياً بعد أن فرض موقع فيسبوك رقابة منذ زمن طويل.
وتتمّة الموضوع في العدد المقبل، بإذن الله.
1- الكافي، الكليني، ج 2، ص 374.
2- الأمالي، الصدوق، ص 531.
3-غرر الحكم، الآمدي، 4746، 5072.
4-نهج البلاغة، خطب الإمام عليّ عليه السلام، (صبحي صالح)، ص 767.
5-عيون الحكم والمواعظ، الليثيّ الواسطيّ، ص 541.
المريجة مشروع الأمير
حسان مكي
2021-11-01 17:25:13
نطرح أنشاء حلقات بعنوان الديمقراطية الأمريكية ومن خلال هذا البرنامج يتم الاضائة فيه على داخل الولايات المتحدة الأمريكية حول الحرب الاتنية والعنصرية والفساد وعدد المنتحرين سنويا والاغتصاب للنساء... الحرب بين السود والبيض.