من كلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إن للشيطان مصالي وفخوخاً، وإنّ من مصاليه وفخوخه البطر بنعم الله تعالى والفخر بعطاء الله والكبر على عباد الله واتباع الهوى في غير ذات الله".
في المخلوقات الحية المختارة - سواء الإنس والجن - يوجد خصلة وهي أنها تنسب النواقص والقبائح والأمور السيئة إلى غيرها من الآخرين وتنسب الأمور الحسنة والفضائل والانتصارات إلى نفسها.
مثلاً: إذا نجح طالبٌ في امتحان أو عدة امتحانات فإنه ينسب هذا النجاح لنفسه. ولو أن نفس هذا الطالب رسب في امتحان آخر فإنه ينسب هذا الفشل إلى أستاذه.
لو أن مقاتلاً حقق انتصارات في حربه ضد العدو سيعتبر تحقق ذلك من خلال علمه وقوته وعمله. ولو هزم سينسب سبب هذه الهزيمة إلى الآخرين.
إذا حصل إنسان على شهرة ومحبة. سيحسب هذه الشهرة والمحبة من آثار كمالاته وفضائله. ولكن إذا قلّت شهرته وسقطت، يرى هذا السقوط بسبب الآخرين وينسبه إلى غيره.
ظاهراً أن هذه الخصلة ممزوجة بالروح المختارة وقد تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن هذه الصفة حيث أراد أيضاً من ذلك المخلوق المختار أن يواجه هذه الخصلة، ويقف بوجه هذه الصفة "بالثورة على نفسه" ليخلصها من براثن هذا النوع من أفكاره حتى يستطيع وبشكل أفضل رؤية وجه الحقائق الجميل ويشيح النقاب من أمامه عن الأسرار الإلهية.
لقد قرأنا حتماً قصة خلق آدم أبي البشر.. عندما أمر إبليس بالامتثال للأمر الإلهي والسجود لآدم، فلم يسجد واستكبر واعتبر نفسه أفضل من آدم. وكانت النتيجة أنه أصبح طريداً من العتبة الإلهية بالأمر الإلهي العظيم:
﴿فاخرج إنك من الصاغرين﴾، ﴿واخرج منها فإنك رجيم﴾.
وعندما سقط من المقر الرفيع، وابتعد عن المحل الربوبي صمم على الانتقام. فوقف في طريق آدم عليه السلام وبمكره وأحابيله خدع آدم وزوجه وأخرجهما من أرض القداسة ومن الجنة الرائعة والنعمة الدائمة:
﴿قلنا اهبطوا منها جميعاً﴾.
وهبطوا إلى الأرض المليئة بالألم والغم والهم.
فأحدهما سقط واسمه إبليس والآخر هبط واسمه آدم.
أما الأول وكان إبليس فقد نسب علة إخراجه وإبعاده إلى الله سبحانه وقال بصراحة - عبادة النفس:
﴿رب بما أغويتني﴾ لكن الثاني الذي كان آدم وزوجه فصاحا بالصوت الطاهر:
﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾.
فإبليس قال: يا رب أنت أغويتني وضللتني وآدم وزوجه قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وتسببنا بإخراجنا من الجنة.
الأول من خلال نظرته إلى عبادة النفس لم يستطع أن يرى وجه الحقيقة الجميل فاشترى لنفسه اللعنة الأبدية، وصار مطروداً مرجوماً دائماً.
والآخر: اعتبر نفسه مسؤولاً ومقصراً فشاهد حقيقة المعاني الإلهية وأنشد لحن تحقير النفس في المحشر الأبدي، ودخل محل القدس الإلهي.
فاختير، وسلك في عالم النور.
لعل أحد أسباب ذكر هذه القصة في القرآن هو أن كل من يضع ذنبه وتقصيره على الآخرين ويجعل من نفسه محوراً ومعبوداً سيسلك طريق إبليس وسيكون ذلك سبباً لفساده وإفساد الآخرين.
وكل شخص ينسب عيوبه ونواقصه وتقصيراته إلى نفسه ويعتبرها سبباً لسقوطه وتهاويه فإنه يسلك طريق آدم وفي نهاية هذا الدرب سيسلك إلى عالم القداسة والطهارة.
ولهذا أيضاً يعتبر أمير المؤمنين عليه السلام هذه الصفة من الصفات البارزة للمتقين... حيث أن الأحرار يتهمون أنفسهم ولا يتهمون الآخرين فيقول: "ألا وإن المؤمن لا يمسي ولا يصبح إلا ونفسه ظنون عنده".
نعم عندما تجدون في مجتمع ما أو في صنف من مجتمع انتشار الغيبة والتهمة والشتيمة للآخرين، ويروج البحث عن العيوب والتوهين والافتراء وتنسب المعايب والنواقص والقبائح إلى الآخرين، اعلموا أن هذه خصلة الشيطانية.
وعندما تشاهدون أن الأشخاص ينسبون عيوبهم ومساوئهم إلى أنفسهم ويرددون عاجزين في المحراب الإلهي بصدق نغمة:﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾ اعلموا أن هؤلاء سلكوا طريق آدم وطريق الأصفياء الإلهيين.
نعم فالقرآن الكريم اعتبر هذه الصفة والخصلة - حيث ينسب الإنسان معايبه وذنوبه ونواقصه إلى الآخرين - موجودة في واقع الإنسان وقد أوصى كثيراً بمواجهة هذه الصفات والثورة على هذا النوع من الأفكار، وكذلك نوه بالذين انتصروا في هذه الثورة واستطاعوا إبعاد تلك الصفات السيئة عنهم.