العقل ما عبد به الرحمان
فسّر القرآن الكريم وكذلك روايات المعصومين عليهم السلام، العقل بالشيء الذي يفهم الإنسان بواسطته الحق ويعمل به، فمجموعة الإدراك والعمل تسمى العقل في قاموس الدين، والذي لا يدرك صحيحاً ليس عاقلاً، والذي يدرك وهو عالم ولكنّه لا يعمل بعلمه فهو ليس عاقلاً أيضاً. فالشخص الذي لا يعلم لا يستطيع كسب الجنة، والشخص الذي يعلم ولكنه لا يعمل لا يستطيع كسب الجنة. حقيقة: "العقل ما عبد به الرحمن" هي خلاصة الجزم والعزم، أي إذا وصل الإنسان إلى مقام الجزم بالبرهان النظري ووصل إلى مقام العزم من أثر قوة العقل يصبح ذلك العزم بإضافة هذا الجزم العقل الذي يعبد به الرحمن ويكتسب به الجنان.
قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ .
هذا الخطاب هو علامة على أنّ الواعظ غير المتعظ ليس عاقلاً، وإن كان عالماً. الذين يدعون الناس إلى البر، أو يدرسون، أو يؤلفون، أو يخطبون أو يرشدون ويعظون هم علماء ولكنّهم ليسوا عاقلين، لذا يشير تعالى بالآية المتقدمة:
إنّ الشخص الذي يفكر بإصلاح الآخرين وينسى نفسه ليس عاقلاً؛ لأنّ ذلك ينفع في إصلاح نفسه ولا في إصلاح الآخرين، لأنّ إصلاح الآخرين ليس مجرد الأمر بالمعروف اللفظي، بل ورد في هذا الحديث: (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم).
أي كونوا أسوة، أي عندما تعيشون في المجتمع بوصفكم علماء صالحين، فأنتم أسوة للمتقين، بسيرتكم ادعوا الناس إلى الاقتداء بكم، وليس مراد الحديث الشريف أن ادعوا الناس إلى أنفسكم واكسبوا قلوبهم إليكم حتّى يحبوكم. يجب دعوة الناس إلى الله، وواضح أنّ الشخص الذي لا ينبض قلبه من أجل حب الناس لا ينجح أبداً في أن يكون أسوة للآخرين.
بناء على هذا نجد القرآن الكريم لا يعتبر الواعظ غير المتعظ عاقلاً، فالعقل في رأي القرآن الكريم هو مجموع العلم والعمل الذي يعبر عنه (الإيمان الجامع)، والشخص إذا كان فاقداً لكليهما أو أحدهما فهو ليس عاقلاً في قاموس القرآن بل هو سفيه. كما جاء في القرآن: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين﴾َ .
فمعيار العقل هو أن يتخلص الإنسان من الوهم والخيال في المسائل النظرية ويتخلص من سائر الشبهات والشهوات بالعزم العملي.