د. جعفر
بالرغم من تعدّد الأمراض الفتّاكة والمزعجة، إلاّ أنّ السرطان يبقى أكثرها إزعاجاً وتهديداً. وفي الواقع، يعتبر السرطان مجموعة من الأمراض فهناك أكثر من مائة نوع مختلف منه، إلاّ أنّها جميعاً مرضٌ يصيب بعض خلايا الجسم.
قبل أن نبدأ بشرح ماهية عمل الخلايا السرطانية ولكي يتسنّى لنا فهم هذا المرض، يجب أن نعرف أنّ الخلايا السليمة تنمو وتنقسم، وتموت، وتستبدل بغيرها وفق نظام دقيق ومتوازن. وهذه العملية تحافظ على الجسم وخلاياه التي بدورها تتكفّل بما يسد أي نقص ينجم عن موت بعضها. إلاّ أنّه في بعض الأحيان، تفقد الخلايا الطبيعية قدرتها على التحكم بنموها، من حيث توجيهه أو تحديده وفقاً لمقتضيات الحال. ومن هنا تبدأ الخلايا بالنمو المطّرد والانقسام العشوائي بدون ضابط. ونتيجة لهذا تزداد كميات النسيج ويتكون المرض، حميداً كان أو خبيثاً، والفرق بينهما شاسع.
الأورام الحميدة لا تصنف كسرطان، والسبب في ذلك أنّها لا تمتد إلى أجزاء أخرى من الجسم ونادراً ما تهدّد الحياة، وغالباً يمكن استئصال هذه الأورام الحميدة جراحياً واحتمال تجدّدها غير وارد في أكثر الأحيان.
أمّا الأورام الخبيثة، فهي قادرة على تدمير الأنسجة المجاورة، كما تستطيع الانتشار إلى أجزاء أخرى من الجسم حيث تستقر وتكون نواةً لأورام مثيلةٍ جديدة.
* الأسباب والوقاية:
لقد أجريت دراسات عديدة تتضمن المؤثرات البيئية، أي الأمور التي تتعلّق بالمكان وأسلوب الحياة ونوع العمل، ومنها اتضح أنّ الناس معرّضون للسرطان في مختلف الفئات العمرية، إلاّ أنّ السرطان أكثر حدوثاً في أواسط العمر ولدى الناس المتقدمين في السن، بمعنى آخر فوق الــ45 سنة. وكلّما ازداد الإنسان في السن، كلّما أصبح أكثر تعرضاً للإصابة بالسرطان. ومع ذلك كله، فإنّ الأطفال والأحداث ليسوا مستثنين من التعرض للإصابة بالسرطان. ومن المعروف أنّ بعض السرطانات أكثر شيوعاً عند الأطفال مثل سرطان العين Retimoblastoma وورم "ويلم" الذي يؤثّر على الكلية وكذلك اللوكيميا اللمفاوية الحادة كما وأنّ بعضها أكثر وجوداً عند النساء مثل سرطانات الثدي والغدة الدرقية. وأخيراً، فإنّ سرطانات الرئتين أكثر وجوداً بين الرجال مع العلم أنّ الوفاة نتيجة الإصابة بهذه السرطانات بدأت تزداد حتّى بين النساء أنفسهن وذلك لازدياد نسبة النساء المدخنات.
يؤيد كثير من الخبراء أنّ الإصابة بالسرطان تنجم عن التعرض مراراً ولمددٍ طويلة للعوامل المؤدية للسرطان. ولكن بعض الناس أكثر تأثراً بهذه العوامل من غيرهم، وبذلك تزداد فرص الإصابة بينهم.
كما يعتقد العلماء أنّ السرطان، أو معظم أنواعه، يتكون على مرحلتين، بنوعين من المسببات، وهذ المسببات هي:
1- المباشرة.
2- المطورة.
أمّا المباشرة فهي التي تتلف الخلايا الصحيحة، فمثلاً تدخين السجائر يتلف الخلايا ويمكن أن يشكل البداية.
أمّا المطورة أو المحولة فهي العوامل التي تحول الخلية التالفة أصلاً إلى خلية سرطانية. ثمانون في المئة من أنواع السرطان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأشياء التي تؤكل أو تشرب أو تدخن، إضافة إلى البيئة التي فيها نعيش والعمل الذي نمارس. أمّا عوامل المخاطر الأخرى المتعلّقة مثلاً بالاستعداد الوراثي فيه من الأشياء التي يتعسّر وربما يتعذّر تجنبها.
أ- المخاطر التي يمكن تجنبها:
كما ذكرنا سابقاً، فإنّ معظم أنواع السرطان ترتبط إلى حدٍ كبير ببعض المخاطر والمسببات التي يمكن تجنبها:
1-التبغ: إنّ استعمال التبغ بأي طريقة مرتبط إرتباطاً وثيقاً ومباشراً بالسرطان، فهي يسبّب 30% من الوفيات السرطانية. كما أنّ مخاطر الإصابة بالسرطان هي عشر أضعاف المخاطر الموجودة لدى غير المدخنين. ويعتمد نوع المخاطرة لدى المدخنين على عدد السجائر، نوعها، والمدة التي مرت على عادة التدخين، كما وأسلوب التدخين من حيث عمق استنشاق الدخان، والمدخنون معرّضون عموماً للإصابة بسرطان الفم، الحلق، المريء (الزلعوم)، الرئتين، البنكرياس، المعدة، القولون، المثانة وعنق الرحم. والمعروف تماماً أنّ الإصابة بالسرطان تبدأ حالاً بالإنحسار والتدني لدى التوقف عن التدخين.
2-الغذاء: إنّ تناول وجبات معتدلة ومتوازنة يقلّل من مخاطر الإصابة بالسرطان وينصح دوماً بالإكثار من الطعام الذي يحتوي على الألبان والحبوب والخضار والفواكه والإقلال من أكل الدهنيات.
ولقد وجد أنّ هناك ترابطاً وثيقاً بين الغذاء الغني بالدهنيات والإصابة بسرطان القولون والثدي والرحم والبروستات، والسُمنة ترتبط، كما يعرف، بزيادة نسبة الوفيات الناجمة عن سرطان البنكرياس والبروستات والثدي والمبيضين. كما إنّ هناك دراسات تربط بين سرطان المعدة والمريء والإفراط في تناول المخللات والأطعمة المدخنة كما في اليابان وإيران.
3-أشعة الشمس: إنّ مداومة التعرض للشمس يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الجلد إذ أنّ الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس هي من أهم أسباب الإصابة بسرطان الجلد. وهذه الأشعة تكون أقوى ما تكون بين الساعة 11 والساعة 2 ظهراً في الصيف. لذلك فإنّ الألبسة الواقية مثل غطاء الرأس والأكمام الطويلة تحد من هذه المخاطر بدرجة كبيرة.
4-الكحول: إنّ تناول الكحول بإفراط أو لمدّة طويلة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بسرطان الفم والحلق والمريء والكبد والبنكرياس.
5-الأشعة: أي التصوير الطبي أو من يعمل في هذا المجال. مع أنّ التعرض مرة واحدة للأشعة لا يشكل خطراً، إذ تكون الجرعة قليلة جداً، إلاّ أنّ التكرار قد يكون ضاراً. لذا، يستحسن عدم التعرّض للأشعة إذا لم يكن ذلك ضرورياً.
6-المواد المستخدمة في الصناعة: التعرض لهذه الكيماويات قد يؤدي إلى السرطان. لذلك يجب الحرص على تفادي كثرة وطريقة استعمال هذه المواد مثل مبيدات الحشرات أو الفطريات، وكذلك مزيلات الأصباغ المختلفة.
7- إنّ استعمال هرمون الإستروجين (الهرمون الأنثوي) لتخفيف متاعب وأعراض انقطاع الطمث يرتبط بازدياد ونسبة حدوث سرطان الرحم والثدي.
ب- المخاطر التي لا يمكن تجنبها:
إنّ بعض المخاطر مستحيلة التجنب ولا يمكن السيطرة عليها، إلاّ أنّ الأشخاص المعرضين لمثل هذه المخاطر قادرون على تخفيف حدتها بالخضوع وبانتظام لفحوص دورية.
1- الأشخاص الذين لهم علاقة قرابة مع أشخاص مصابين بسرطان الجلد melanoma أو سرطان القولون أو سرطان الثدي.
2- الأشخاص الذين تعرضوا للمعالجة بالأشعة في منطقة الرأس أو العنق مثل الأشعة الداخلة في علاج بعض سرطانات الغدة الدرقية.
3- أبناء وبنات الإناث اللواتي اضطررن لاستعمال هرمون Diethyl stiblesterol لتفادي الإجهاض أثناء الحمل بهم أو بهن. وهناك علاقة وثيقة بين هذا الهرمون وبين تكوّن سرطان المهبل وعنق الرحم عند الطفلات عندما يكبرن. كما أنّ الأمهات أنفسهن معرضات للإصابة بسرطان الثدي، أكثر من غيرهن.