مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: آخيتك في الله


تحقيق: سوسن زراقط


زينة تضيء الأزقّة، وأعلام خضراء تلوح فوق شرفات المباني. هلاهيل ومواويل يملأ صداها المناطق، وحناجر تصدح بالتبريك والتآخي في عيد الله الأكبر، عيد الغدير.

هكذا اعتدنا أن نحتفل كلّ عام. ما غابت أناشيد "علي علي مولاي" و"ولايتي لأمير النحل تكفيني" عن واقع احتفالاتنا سنةً، ولطالما رددنا على حبّه تراتيل الولاية.

كنّا في المدارس نشدّ اليد باليد، ونكرّر نصّ المؤاخاة حتّى قبل أن ندرك عظمته، فضلاً عن أنّنا جميعاً كنّا نتساءل: "لماذا نتآخى؟ وكيف لا أدخل الجنّة إلّا وفلان وفلان معي؟ وهل أصبح هؤلاء حقّاً إخوتي في الله؟ وماذا يعني أن يكون لي إخوة في الله؟".

أمّا اليوم، وفي ظلّ انتشار فيروس كورونا، فقد كثرت الأسئلة وأصبحت أكثر تعقيداً: "كيف نتآخى والتصافح مرفوض؟ وكيف نحتفل والتجمهر ممنوع؟ بل كيف نبقي ذكر الولاية حيّاً في نفوسنا الموصدة خلف الأبواب؟". فكيف يحيي الموالون هذه المناسبة؟ وما هي أهميّتها بالنسبة إليهم؟


"تتجلّى المؤاخاة في الله بالقول والفعل؛ أن أكون أخاً للآخر، يعني أن أكون جاهزاً لتلبية ندائه للمساعدة والمشورة"

* الاحتفال الخجول
 تقول وهيبة. م: "عيد الغدير هو عيد الموالي الأوّل، نحييه بالتبريك والمؤاخاة، وارتداء كسوة العيد، وتوزيع الحلوى والعيديّة، وإبراز مظاهر الفرح كلّها. ولكنّنا اليوم في وضع لم نألفه من قبل؛ إذ بات الاحتفال بعيدنا الأكبر يقتصر على المعايدة الهاتفيّة، والتآخي عبر مواقع التواصل وأجهزة الهواتف! أمّا الاحتفالات الكبرى التي كانت تملأ الساحات، فقد استُبدلت بأجواء احتفاليّة متواضعة في البيوت لتجنّب انتشار العدوى".

* قول وفعل
"أنا أحبّ لأخي كما أحبّ لنفسي"، هكذا اختصر علي الهادي تفسيره لمعنى: "آخيتك في الله"، ويقول: "تتجلّى المؤاخاة في الله بالقول والفعل؛ أن أكون أخاً للآخر، يعني أن أكون جاهزاً لتلبية ندائه للمساعدة والمشورة"، مستشهداً بعلاقة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام، ويضيف: "هكذا كانت علاقة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام؛ إذ كانا عند حُسن ظنّ أحدهما بالآخر، وما خانا الأمانة يوماً، وكانا خير أخوين في الله ولله، وهكذا ينبغي أن نكون".

وتوضح منال. م. بدورها أنّ "التعهّد في نصّ المؤاخاة أن لا ندخل الجنّة إلّا وأخونا معنا، يدفعنا إلى الشعور بالمسؤوليّة لنعمل بجدّ، فنرتقي لنكون أهلاً للشفاعة ولدخول الجنّة مع أحبّائنا. إنّ نصّ المؤاخاة لا يحفّزنا على تطوير أنفسنا روحيّاً في المستقبل فحسب، بل أيضاً يزيح عنّا ثغرات الماضي كلّها. فأن نتآخى ونتصافح في الله، فهذا يعني بداية جديدة ملؤها الصفاء والعطاء بحبّ".

* التربية الولائيّة 
بروح تربويّة تخبرنا سكنة. د. عن طريقتها المتواضعة في الاحتفال، قائلة: "مضافاً إلى برامج الاحتفالات البسيطة التي نقوم بها على صعيد العائلة، أقوم بتوزيع الهدايا على الأطفال في دكّاني الصغير، ليس بهدف استقطاب الزبائن، بل لنشر أجواء الفرح والبهجة، وتحفيز أطفال اليوم، على الاهتمام بهذه المناسبة علّها تنبت في عقولهم أسئلة حول العيد والشخصيّات الدينيّة. فعيد الغدير اليوم هو فرصة لتربية شباب الغد تربيةً حسنة".

* على حبّ الأمير عليه السلام
تقول منال. ح: "احتفالي بعيد الغدير مميّز، فقد اخترت وزوجي أن نعقد قراننا تبرّكاً بصاحب المناسبة أمير المؤمنين عليه السلام. كلّ ما في عقد القران مرتبط بحبّ الأمير عليه السلام، من الإهداء على حبّه حتّى التبريكات، وقد عقدنا حبّنا على حبّ الأمير عليه السلام ليكون وليّنا وشفيعنا في الدنيا والآخرة. وتكلّل عقد قراننا بأجمل ما يمكن أن تُحيا به المناسبة، ألا وهو التآخي في الله، وفي سبيل الله، وعلى حبّ الأمير عليه السلام".

* الأثر الحسّيّ
 يقول إبراهيم. س: "إنّ فعل التآخي يبعث في النفس شعور الألفة والوحدة؛ إذ تتصافح الأيدي وتجتمع القلوب. فنصّ التآخي هو أشبه بالتزام يرفع العلاقة بين المتآخين من الصداقة إلى أرفع درجات الأخوّة". ويضيف: "علاقة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام كانت أسمى علاقة عبر التاريخ، وأجمل ما اتّسمت به هذه العلاقة هي الأخوّة البارزة في تعاملهما مع بعضهما بعضاً".

وعن التآخي وأثره، تقول سارة. م: "التآخي يدفعنا إلى أن نكون يداً واحدة وقويّة، فيسند بعضنا الآخر. وإنّ عمليّة التآخي التي تحصل هنا وهناك وفي كلّ مكان، تخلق جيشاً من المتآخين والموالين للإمام عليّ عليه السلام".

* حبل ذو طرفين
ما هي حقيقة الولاية المتمثّلة بعيد الغدير؟ يقول الشيخ عبد المنعم قبيسي: "الله هو الوليّ، وقد منح هذه الولاية للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ تجلّت في الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في عيد الغدير، فهذا منصب إلهيّ تكوينيّ تشريعيّ، من هنا، تصبح العلاقة بين عيد الغدير والمؤاخاة علاقة تكوينيّة". ويكمل قائلاً: "يقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (ألست أولى بكم من أنفسكم)، قالوا: (بلى)، فهذه الولاية التي سرت من النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام هي ولاية الرابطة والتربية والتنمية، والتي تهدف إلى السير بالمخلوقات في طريق الخالق. والوليّ هو جامع لقلوب المؤمنين، حيث إنّ المرء لا يصبح مؤمناً إلّا إذا اتّبع الوليّ؛ لأنّ الولاية هي حبلٌ ذو طرفين؛ الطرف الأوّل هو الإيمان بالله عزّ وجلّ، والطرف الثاني هو التمسّك بالطريق التي توصل إلى الله تعالى". ويضيف فضيلته: "تتجلّى هذه الولاية تحت عنوان الأخوّة، وهي تلك الحقوق التي يتبادلونها فيما بينهم لمساعدة بعضهم بعضاً، من أجل الوصول إلى الكمال. بالتالي، لا يوجد إيمانٌ من دون أخوّة، ولا حقيقة للأخوّة من دون الإيمان. وقد نُصّ على الأخوّة في عيد الغدير من أجل توحيد الأمّة، وحتّى يسري نور الولاية في نفوس أبنائها وأعمالهم".

* الأخوّة في الميدان الدنيويّ والأخرويّ
- الآثار الأخرويّة: يستحبّ في عيد الغدير مجموعة من الأعمال. وحول ذلك يقول سماحة الشيخ: "ورد في الروايات أنّ عيد الغدير يسمّى بـ (يوم التبسّم)، (فمن تبسّم في وجه أخيه يوم الغدير، نظر الله إليه يوم القيامة بالرحمة، وقضى له ألف حاجة، وبنى له في الجنّة قصراً من درّة بيضاء، ونضّر وجهه)(1)، وأيضاً يُستحبّ إطعام المؤمن: (ومن أطعم مؤمناً كان كمن أطعم جميع الأنبياء والصدّيقين)(2). ومن الأعمال كذلك زيارة المؤمن(3)، والمصافحة كما جاء في الروايات: (إذا صافح المؤمن أخاه المؤمن، مدّ الله يده بين يديهما وصافح أشدّهما حبّاً لأخيه)؛ أي إنّ المؤمن هو مظهر من مظاهر التوحيد والولاية، وإنّ من يؤاخي عبد الله، الروح التوحيديّة، والله يجعل الأخوّة تجلّياً من تجليّات الولاية".

- الآثار الدنيويّة: وعن الآثار الدنيويّة للاحتفال بعيد الغدير، يقول سماحته: "مضافاً إلى الآثار الأخرويّة وعظمتها، ثمّة آثارٌ دنيويّة كثيرة، وأبرزها: إسقاط الحقوق بين الإخوة المؤمنين، والتي تصل إلى أكثر من مئة حقّ، ولكن ببركة عيد الغدير نتسامح فيما بيننا، بحيث لا يشكّل أحدنا عبئاً على الآخر في التمسّك بحقوقه. كما ترمّم هذه الأخوّة الكثير من النقص فيما بين الناس، فعلى المستوى الماديّ مثلاً، نجد أنّ التكافل الاجتماعيّ في عيد الغدير يزداد رعايةً. وهذا يؤدّي إلى التكامل في عالم الاحتياجات الماديّة. إذاً، عيد الغدير هو فرصة لتجديد الميثاق، والتواصي بالحقّ والثبات عليه، والارتباط الوثيق الذي أعزّنا وأكملنا، وفيه نتقوّى على نشر مفهوم الأخوّة ونعمّم حقّ الولاية الذي لا يختصّ بالشيعة فحسب، بل بالناس كلّهم".

* هندسة الاحتفال
يقول الشيخ قبيسي: "تبرز قيمة الاحتفال بعيد الغدير بحسب درجة المعرفة بأهميّته وبما يمثّله من جوهر معرفيّ وعقائديّ". من هنا، يدعو سماحته إلى: "إعادة هندسة وقراءة عيد الغدير بأبعاده المعرفيّة والعقائديّة وأبعاده الأخلاقيّة الفلسفيّة. ولا يقتصر المطلوب على أن نفرح بتنصيب الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام، ونلبس الثياب الجديدة، ونحتفل فحسب، بل المطلوب أيضاً التعرّف على هذا النهج، وإعادة تجديد العهد، واتّخاذ القرار بالالتزام بنهج الولاية قولاً وفعلاً، فيرتقي عندها جوهرنا. فالمصافحة على سبيل المثال، ليس القصد منها هذا الفعل الفيزيائيّ، بل مصافحة القلوب، فالمطلوب أن نزيل حواجز الجهل والضياع، وهذا كفيل بإدراك حقيقة وجودنا المرتبط بعيد الولاية، لذا علينا أن نُبقي هذا العيد حيّاً فينا".

1- إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج2، ص261.
2- (م. ن.).
3- (م. ن.)، 262.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع