مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كلام الله إكسير الحياة

الشيخ محمد جمعة

 



﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (الأنعام: 115) قال أمير المؤمنين عليه السلام: "مغرس الكلام القلب، ومستودعه الفكر، ومقومه العقل، ومبديه اللسان، وجسمه الحروف، وروحه المعنى، وحليته الإعراب، ونظامه الصّواب" (1). رغم أن الكلام هو لغة التخاطب والتفاهم بين الناس إلا أن القلب هو المكان الذي يقع فيه فيتأثر به الإنسان سلباً أو إيجاباً. وقد كان القرآن الكريم، كتاب الله، قد نزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله بلغة البشر لأن غايته إيصال وإفهام الناس ما يريده الباري تعالى منهم، سواء لإيصال التشريعات الإلهية، أم على سبيل أخذ الحكمة والموعظة أو الزجر والنهي...

* مفهوم الكلام في القرآن
ورد الكلام اصطلاحاً في القرآن في أوجه متعددة:

1ـ الكلام اللفظي: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص: 30).
2ـ الكلام بالإيحاء: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (الشورى: 51).
3ـ نفس وجود الأشياء: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ (النساء: 171).
4ـ القضاء والحكم الإلهي: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُوا (الأعراف: 137).

وقد فسّر أمير المؤمنين عليه السلام كلام الله فقال:
"يقول لمن أراد كونه كن فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثّله" (2). ولذا ورد كلام الله تعالى في القرآن بصيغة البشير تارة ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (الحج: 24) وتارة أخرى ورد بصيغة النذير ﴿وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة: 217).

بين لغة الأمر ولغة الحكمة
وتعدّدت الأساليب التي اتبعها تعالى في حديثه إلى الرسول صلى الله عليه وآله فكان منها ما جاء:

1ـ بلغة الأمر: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل: 125).
2ـ على سبيل الرد إذ قال تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ (يوسف: 3) كقصة المؤمن والكافر صاحب الجنتين.
3ـ على سبيل أخذ العبرة: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الألْبَابِ (يوسف: 111) وهو ديدن القرآن الكريم إذ تنتشر العبر في أنحائه فتشجع المؤمنين على الالتزام بالأحكام الإلهية.
4ـ على سبيل الحكمة: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (البقرة: 269). لعل أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر الحكمة هو لقمان الذي اشتهر في التاريخ بالحكيم، وقد منّ الله عليه بالحكمة ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَة (لقمان: 12) وقد سميت سورة قرآنية باسمه وذلك لعظمة الصفة الإلهية التي حظي بها.

5ـ على سبيل التشريع: حمل القرآن الكريم في طياته الكثير من الآيات التشريعية التي تساعد الإنسان وتعينه في مسيره الطويل للوصول إلى الكمال ومنها:
أ- التشريعات الفقهية:
- موضوع الإرث: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ (النساء: 11).
- موضوع القصاص: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَاب (البقرة: 179).
- موضوع الصيام: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (البقرة: 183).

ب- التشريعات الاجتماعية، مثلاً:
- ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا (الحجرات: 9)
- ﴿وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً (الحديد: 18).

ج- التشريعات الأخلاقية:
- ﴿وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً (الحجرات: 12).
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ (الحجرات:11)
- ﴿وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ (الحجرات: 11).

* نورٌ للسالكين
هذا غيض من فيض كلام الله تعالى في كتابه الكريم وفرقانه المجيد. هذه الهدية التي أرسلها الله لنا مع أفضل رسول وأعظم نبي، فمهما اجتهدنا في الكشف عن أسرارها سنظل قاصرين عن الوصول إلى كنه جوهرها. ذاك النور الذي إذا تعقّبت أثره وجدته يمسك بأشعته يد السالك ويدله على الطريق، ويضم بأجنحته دعائم المجتمع فيرفعها إلى السماء وجدته كل شيء: الحكمة والموعظة، الفكرة والعبرة، القصة والرواية، القانون والدستور، البشير والنذير، الهادي والمرشد، الأنيس والحبيب، وجدته يتحدث بلسان الله سبحانه وتعالى. فالتمسك بهذا القرآن والالتزام بتعاليمه والاقتداء بهداه يوصلنا إلى أسمى درجات الكمال وسيتجلى في عالمنا مثال المجتمع المتماسك الموحد الخالي من المفاسد الأخلاقية، الذي تسوده الشعائر الإسلامية وتغمره المحبة والمودة والسلام وتنتشر منه أعمال الخير والبر، وسيُبنى المجتمع الذي أراد الأنبياء بناءه ويُحقق فيه رضى الله سبحانه وتعالى ويُمهَّد فيه لمولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الذي ينشر فيه عدالة السماء. وفي الختام: إن كلام الله هو إكسير الحياة. والهدف من رسالة السماء إنقاذ البشر وهدايتهم وإيصالهم إلى السمو والكمال. نسال الله تعالى أن يجعلنا من جنوده الذين يحملون هذه الأمانة ويكونون على قدر هذه المسؤولية ويجاهدون في هذه الحياة حتى نكون كما أرادنا الله تعالى تجلياً لكلامه الطيب.


(1) عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص488.
(2) نهج البلاغة، (خطب الإمام علي عليه السلام)، الشريف الرضي، الخطبة 185، ج2، ص122.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع