تحمل المرجعيَّة التي كان يراها الشهيد الصدر موقفاً
واضحاً وصريحاً من القضايا التي تمسّ الأمَّة الإسلاميَّة، فلا يقف بعيداً عن تحمّل
مسؤوليّاته اتِّجاهها وإبداء موقفٍ صريحٍ وواضحٍ منها. ومن أهمِّ المسائل التي دهمت
الأمَّة الإسلاميَّة، مسألة فلسطين بما تحمله من مآسٍ إنسانيَّة وتعدٍّ على بلاد
المسلمين واحتلال لأرضهم، وكان موقف الشهيد الصدر واضحاً وجليَّاً في الدعوة إلى
مواجهة المشروع الصهيونيّ المدعوم من الاستعمار، وبذل الوسع في نُصرة المظلومين
والمضطهدين ودعم المقاومين.
* الصهيونية وليدة الاستعمار
يرى الشهيد الصدر وبوضوح أنّ ما تقوم به الصهيونيَّة هو دور يسّره الاستعمار لها،
يقول: (إنّ تاريخ الصهاينة الغاصبين على أرض فلسطين العزيزة قد أُقيمَ على الغصب
وانتزاع الأرض وتشريد الشعب منذ قَدَّر لهم الاستعمار أن يلعبوا هذا الدور اللئيم)(1).
* دعم المقاومة والشعور مع الناس
لم يقتصر دور الشهيد الصدر على المواقف فقط بل أتبَعها بالفعل، فعندما وصلته رسالة
من أحد علماء الجنوب بعد اجتياح إسرائيل للجنوب في عملية الليطاني، حمل السيّد
الصدر تلك الرسالة إلى مجلس درسه في مسجد الشيخ الطوسي، حيث كان يُلقي أبحاثه، وقبل
أن يَشرع في درسه قرأ تلك الرسالة على مسامع تلامذته، وكان فيها وصف حال أهالي قرى
جبل عامل بشكلٍ عامّ وحال النساء والأطفال والشيوخ بشكل خاصّ، ولجوء عددٍ كبيرٍ من
الناس إلى صور ونزولهم في المساجد والمدارس والحسينيّات وافتقارهم إلى الغذاء
والدواء ومقوّمات الحياة. وكان السيّد الصدر وهو يتلو الرسالة يُجهش بالبكاء، وكان
طلاّبه يبكون لبكائه وهم يتصوّرون عظمة المأساة أمام أعينهم. وأمَّا دعم المقاومة
فقد ذكره الشهيد الصدر بوضوح في رسالةٍ له حيث يقول: (إنّ الضربة التي تسدّدها
إسرائيل في جنوب لبنان موجّهة إلى صدورنا جميعاً، فلا بدّ من استنفار كلّ الطاقات
لردع الاعتداء الغاشم وحماية إنسان الجنوب الأبيّ ودعم المقاومة الشريفة. كما أنّنا
بيّنّا للمؤمنين عموماً ما يترقّب منهم تجاه مخلّفات الاعتداء والتشريد من مدّ يد
العون إلى إخوانهم، وإيصال المساعدات إليهم من مختلف البلاد، ولو باحتسابه من
الحقوق الشرعيّة المنطقيّة، كسهم الإمام عليه السلام)(2).
* الصمود واجب والمصافحة خيانة
لم يرتض الشهيد الصدر أيّ موقف يَدين فيه أحدٌ لإسرائيل أو يصافحها ويوقِّع معها
معاهدات السلام، بل رأى أنَّ الصمود واجب واليأس حرام، ولذا كتب في برقيَّةٍ له
لأنور السادات عندما أراد توقيع اتفاقيَّة كامب ديفيد يقول: (إنّنا في الساعات
الأخيرة التي تسبق الموعد الذي قرّرتم فيه أن تلوّثوا أيديكم بالتوقيع على وثيقة
الذلّ والهوان والاستسلام للعدوّ الغاصب، نريد أن نعبّر بكلّ صراحة عن فداحة
الجريمة التي اختاركم الكافر المستعمر لممارستها، ونحذّركم عقاب الله تعالى وغضبه
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾(النازعات:6-8)،
ومنها قلبُ حاكمٍ خان أمّته وقضيّته. وإنّا نؤكّد لكم أنّ المسلمين والعرب جميعاً
لن يتنازلوا عن قضيّتهم مهما تآمر عليها المتآمرون، وأنّ هذه الأمّة العظيمة التي
ظلّت مائة سنة لا تعرف الاستسلام واليأس حتّى استرجعت قبلتها الأولى ومسرى نبيّها
العظيم من أيدي الصليبيّين، ستظلُّ اليوم صامدة على قضيّتها حتّى يكتب الله لها
النصر).
* وأعدوا... روحيَّة الشهادة
كما نجد الشهيد الصدر يَستحضر وبوضوح مفهوم الشهادة وتربية النفس على روحيَّة
الاستشهاد في سبيل الحقّ يقول: ونحن كلّنا يجب أن نعدّ أنفسنا روحيا وفكريّاً لكي
نكون على مستوى عطاء النفوس والأرواح للإسلام. ليس فقط على مستوى الوقوف والشهادة
للإسلام، يجب أن نروِّض أنفسنا، نوحي لأنفسنا دائماً أنّنا يجب أن نكون في اللحظة
التي يُنادينا فيها الإسلام للموت، يجب أن نكون مستعدّين للموت، قد لا نواجه هذه
اللحظة أبداً، لكن بالإمكان أن نواجهها في لحظةٍ من اللحظات... ونحن مطالبون اليوم
في فلسطين وكثيرٍ من أقطار الأمَّة الإسلاميَّة التي يتعرّض فيها الإسلام والمسلمون
إلى كوارث ومآس وويلات... بما طولب به الإمام الحسين عليه السلام وذلك لأنَّنا نسير
في خطِّ الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته.
1- من رسالة له للسيد جعفر شرف الدين.
2- المصدر نفسه.