مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لو أنّهم آمنوا واتّقَوا

الشيخ د. فادي ناصر


لطالما أكّدت الروايات الشريفة على الإيمان بالله كصفة أساسيّة من صفات الشيعة. ولهذه الصّفة درجات، كما لها حقائقُ وبركات على النفس. يتكفّل المقال التالي بتبيين هذه البركات والحقائق.


* الإيمان ميل طبيعيّ في النفس

الإيمان من شؤون البشر وميولهم التي خُلقت معهم، فأن نقول "إنسان" فهذا يعني أنّنا أمام كائن يمتلك ميلاً طبيعياً نحو الإيمان بشيء ما، فلا يخلو إنسان من هذا الميل أو الشعور. والإيمان هو نوع من الإذعان أو التّسليم لحقيقة أو لشيء نعتقد أنّه حقيقة، والنّفس التي تؤمن بهذه الحقيقة أو الشيء تعيش حالة من الخضوع أو التّسليم له. والإيمان في الإسلام يقابل الكفر وهو الذي يكون على أساسه حساب البشر يوم القيامة.

الإيمان بالله يحصل في النفس من خلال التصديق المنطقيّ والاستدلاليّ، إلى جانب الإدراك والإحساس الفطريّ القلبيّ الذي يحصل بإرشاد الأنبياء الإلهيين. وشرط تحقّقه هو عدم وجود الموانع ولو بنحو نسبيّ. وإذا عمل الإنسان بلوازم الإيمان التي هي تنفيذ القوانين الإلهيّة، وبذل تمام قدرته بإخلاص في تنفيذ هذه القوانين في حياته الفرديّة والاجتماعيّة، فسيحصل على مرتبة أعلى في الإيمان إلى أن يصل إلى اليقين الذي يُعدّ أعلى مراتب الإيمان. روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "إنّ الإيمان يبدو لُمظةً في القلب، كلّما ازداد الإيمان ازدادت اللُمظةُ"(1).

* للإيمان درجات ومراتب
وعليه، يمكن أن نحصي للإيمان ثلاث مراتب هي: المرتبة الأولى: التصديق المنطقيّ، المرتبة الثانية: التقوى، المرتبة الثالثة: اليقين. ففي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتّقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التّقوى بدرجة وما قُسِمَ في النّاس شي‏ء أقلّ من اليقين"(2).

* الإيمان طريق الإنسان إلى الجنة
يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ (التوبة: 20-21). وبمراجعة هاتين الآيتين اللّتين تحدّثتا عن شروط الفوز بالجنّة والنّجاة من العذاب، نجد أنّ الإيمان بالله عزّ وجلّ هو العامل الأساسيّ، بل الوحيد، وكلّ العوامل الأخرى تنبع منه، ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ (الأنعام: 158).

وكذلك إذا راجعنا جميع الآيات التي تحدّثت عن سبب الدّخول إلى جهنّم والتعرّض إلى العذاب الإلهيّ والحرمان من الجنة، نجد أنّ السّبب الأساس هو الكفر بالله سبحانه، ﴿قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ (آل عمران: 12).

وسرّ ذلك أنّ الإيمان والكفر هما الموجّه لمسيرة الإنسان؛ فما يؤمن به الإنسان ويعتقد به هو الذي سيكون هدفه النهائيّ، وأولئك الذين آمنوا بالله حقاً، وتوجّهوا إليه وطلبوه، وسلكوا الطريق المؤدّي إليه، كانت عاقبتهم الوصول إليه ودخول جنّته. ولا إمكانية للوصول إلى هذه المنزلة الرّفيعة إلّا بعد الإيمان به تعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة: 46)، ﴿وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ﴾ (هود: 29).

والقرآن الكريم يحدّثنا ويؤكّد لنا أنّ سعادة الأفراد والمجتمعات تكمن في إيمانها، وأنّ شقاءهم حاصل كفرهم، فالخير يبدأ من الإيمان وينمو معه، والشرّ مستبطن في الكفر ويستشري به. أمّا أولئك الذين آمنوا بغير الله الواحد الذي بيده كلّ خير، فسيتحرّكون نحو كمالات وهميّة، وأشياء يظنّون الخير فيها والسعادة المنشودة منها، ولكنّهم في النهاية سيدركون أنّ ما آمنوا به لم يكن الإله الحقيقيّ، بل كان وهماً وسراباً، ﴿وَالَّذينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَريعُ الْحِساب‏﴾ (النور: 39).

* الإيمان والعمل الصالح
لا شكّ في أنّ الإيمان وحده لا يكفي للوصول إلى السعادة في الجنة، فالإيمان إذا لم يصل إلى درجةٍ يحرّك معها الإنسانَ نحو فيض الخير والكمال، فإنّه لن يكون مؤثّراً، بل الإيمان الذي يولّد السّعي هو الذي سيكون مؤثّراً. وأعظم أثرٍ للإيمان الواقعيّ هو أنّه يجعل قلب صاحبه متوجّهاً ومقبلاً على الله سبحانه وتعالى، بينما يكون الكفر إعراضاً وإغلاقاً لهذا القلب أمام كلّ خير وسعادة ينشرها الرحمن في عباده ومخلوقاته. إذاً، ما ينبغي أن يتعلّق به الإيمان ليكون إيماناً إسلاميّاً، هو الإله الذي بيده كلّ خير وكمال وسعادة يصبو إليها الإنسان. وهذا هو التّوحيد.

وأمّا الوسيلة الفضلى لنيل هذه الدرجة من الإيمان وتعميقها وترسيخها في القلب فهي العمل الصّالح، ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ (طه: 57). وأهمّ هذه الأعمال المقرّبة إلى الله والهادية إليه الهجرة والجهاد في سبيل الله ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (الأنفال: 74).

فالإيمان بشيء إنما يتبلور في القلب عندما نقرّر ونتعهّد الالتزام به، بعد إدراكنا لحقيقته. ويكفي لبيان حقيقة الإيمان ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"(3). وعن الإمام عليّ عليه السلام قوله: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عليّ، اكتب، فقلت: ما أكتب، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، الإيمان ما وَقَرَ في القلوب، وصدّقته الأعمال"(4).

* الإيمان والرقيّ المعنويّ
للإيمان آثار نورانية عديدة سنذكر نبذة يسيرة منها والتي لها ارتباط مباشر بإيمان الإنسان الواعي بالله تعالى؛ فالمؤمنون ليسوا على حدٍّ سواء في إيمانهم بالله؛ وعليه، فإنّ آثار الإيمان أيضاً ليست على حدّ واحد، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (الأنفال: 2). فالإيمان بالله مقدّمة لنورانية القلب وجلائه من كل رين أو احتجاب، وهو مطلب عزيز عند أولياء الله.

وفي آية أخرى يقول عزّ اسمه: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ (الفتح: 4). فالسكينة كما يظهر من الآية الكريمة لا تنزل إلّا على القلوب المفعمة بالإيمان.

وقوله تعالى في آية أخرى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 22). فهاتان الآيتان تدلّان بشكل واضح على العلاقة الوثيقة بين الإيمان ورسوخه وشدّته في النفس وبين قدرة هذه النفس على تحمّل أذى الأعداء والثبات في ميادين المواجهة بكلّ صلابة وبأس.

وفي قوله تعالى في سورة الأعراف المباركة: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف: 96) دلالة واضحة وصريحة على الرابطة التكوينيّة القوية التي تجمع الإيمان بنزول النعم والبركات والفيوضات الإلهيّة على النوع الإنسانيّ، وأنّ الخسران المبين يطال كلّ من يتّخذ لنفسه منهجاً مغايراً لمنهج الإيمان بالله الواحد الأحد. ونختم بالآية الكريمة التي تبيّن قانوناً وأصلاً جامعاً لكل الخيرات والبركات الإلهية: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ‏ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 103). فالإيمان المفضي إلى التقوى هو أعظم باب للفوز بالمثوبة الصادرة من الله تعالى، ﴿وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى‏ أَفَلا تَعْقِلُون‏﴾ (القصص: 60).


1.بحار الأنوار، المجلسي، ج66، ص196. اللمظة: مثل النكتة أو نحوها من البياض.
2.الكافي، الكليني، ج2، ص51.
3.معجم المحاسن والمساوئ، أبو طالب التبريزي، ص70.
4.مستدرك الوسائل، الطبرسي، ج5، ص111.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع