أسرة التحرير
"أقول للجميع: نحن عاشقو الشهادة"، "اللهمّ اجعل عاقبة أمري الشهادة في سبيلك". هذا هو دعاؤه على الدوام. لقد عاش عيشة الشهداء وسلك طريقهم، فورد موردهم، ونِعْمَ الورد المورود.
حياة تضجّ بالجهاد والتضحيات والبطولات في مختلف الساحات؛ من جبهات الحقّ ضدّ الباطل في الحرب المفروضة على الجمهوريّة الإسلاميّة، إلى لبنان وفلسطين ضدّ العدوّ الصهيونيّ، إلى سوريا والعراق ضدّ الإرهاب التكفيريّ ومشروعه في المنطقة؛ انتصارات سجّلها التاريخ بتوقيع الحاج قاسم سليمانيّ (رضوان الله عليه) مدافعاً عن المقدّسات، ومجاهداً في سبيل الله، وشهيداً على طريق القدس.
ملأ الدنيا حبّاً ورعباً. قيل عنه أسطورة، وقيل عنه أخطر رجل، وقيل وقيل، ولكنّه كان الأب والقائد الذي جسّد القرآن في قوله تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح: 29)؛ فالرجل الصلب صاحب البأس والقوّة، الذي كان يقف كالأسد في مواجهة الأعداء، كان ينحني أمام المجاهدين في الجبهات، ويقبّل يد شابٍّ صغيرٍ منهم يدافع عن المقدّسات، ويبكي كالطفل الصغير لفَقد أحدهم وهو يغبطه على شهادته.
هو المخلص الذي لم يكن يرى لعمله أيّ قيمة، وأنّ كلّ ما نحقّقه إنّما هو من الله. سأله أحدهم عن شعوره أو موقفه بعد أحد الانتصارات على التكفيريّين في سوريا، فقال: "نحن لا شيء، الله هو الذي نصرنا".
هو القائد النموذج الذي كان في الخطوط الأماميّة في الميدان. ينقل إمام جمعة طهران عنه قوله: "إنّ القادة على قسمَين: قائد يجلس ويعطي الأوامر ويقول: تقدّموا، وقائد ينزل إلى الميدان ويبدأ بالعمل ويسبقهم، ثمّ يقول: تعالَوا إليّ". وقد كان الحاج قاسم نموذجاً للقائد من النوع الثاني.
هو الموالي الذي كان يقيم عزاء السيّدة الزهراء عليها السلام في بيته، ويجلس في عزائها، وعزاء ولدها الإمام الحسين عليه السلام باكياً ولاطماً ومستلهماً كلّ معاني الجهاد والتضحية والإباء، ليستغيث بها في سوح الجهاد: "يا زهراء"، ولطالما ناداها: "يا أمّنا الحنونة أغيثينا".
هو المتواضع الذي يجالس الناس ويحبّهم، حتّى خاطبه بعضهم بخطاب الأبوّة: "يا أبانا"، والذي كان يقول: "أنا أفتخر أن أكون جنديّاً عند أخي الحاج أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبيّ في العراق".
هو الأب، والمربّي، والقائد، والمعلّم، الذي ترك خلفه عشرات، بل مئات القادة الذين تعلّموا منه وتخرّجوا من مدرسته، في كلّ أرجاء المنطقة، الذين سيكملون طريقه ويتابعون مسيرته التي لن تقف حتّى الصلاة في القدس.
أمّا أبو مهدي المهندس، القائد الذي أَحبَّهَ وذابَ فيه، حيث لم يكن يحبّ أحداً بقدر ما أَحبَّه، وبادله التواضع الذي تعلّماه من المدرسة نفسها، فقد قال: "علاقتي به علاقة الجنديّ بقائده"، ويفتخر معتبراً ذلك نعمة إلهيّة، فكانت ثمرة هذه المحبّة المتبادلة أن ارتقيا بروحَيهما معاً كما عاشا أيّام الجهاد والمقاومة معاً.
كنت تقول: "عندما تنتهي الحرب، فإنّ المجاهد الصادق يضرب كفّيه من الحسرة ويقول: خسرنا وربح الشهداء"، وتبكي...
لقد رحلتَ ومعك الحبيب القائد الحاج أبو مهدي، ورحل معكما بعض الأحبّة. واليوم يقول لك من بقي خلفك: لقد خسرنا وربحتم، فهنيئاً لكم هذه المنزلة العظيمة والرتبة العالية، ولسان حالهم جميعاً ما قاله سماحة الأمين العام السيّد حسن نصر الله (حفظه الله): "نحن نغبطكم على هذه الشهادة العظيمة وعلى هذه العاقبة الحسنة في مدرسة الحسين وزينب عليهما السلام...".
أمّا نحن الذين بقينا بعدكم، فسنكمل الطريق، وسنحمل الراية ولن ندعها تسقط، وسنحقّق الانتصارات ببركة دمائكم الزكيّة.