أحمد دروبي
*واقع الجدار العازل ومخاطره:
يمتد الجدار العازل من أقصى شمال شرق الضفة الغربية إلى أقصى جنوبها الشرقي، في مسار مغاير لمسار حدود "الخط الأخضر"، حيث يمر بالمحافظات الفلسطينية التالية: جنين، طولكرم، قلقيلية، سلفيت، رام اللَّه، القدس، وبيت لحم. وهو يضم حتى الآن أكثر من 45% من أراضي الضفة الغربية، حيث بلغت مساحة الأراضي المصادرة والمجرّفة من أجل بنائه لغاية مطلع العام 2005م حوالي 783،164 دونماً (164 كم2)، معظمها يعتبر من أخصب الأراضي الزراعية، هذا إضافةً إلى ما عُزل وراءه من مساحاتٍ شاسعة. ومن المتوقع أن يضم ذلك الجدار عند انتهائه حوالي 70% من أراضي الضفة الغربية، حيث سيبلغ طول الجدار العازل لدى اكتماله حوالي 730كم، الأمر الذي سيخلق واقعاً جديداً، يتمثل في إعادة رسم الحدود على الأرض، من خلال استيلاء ذلك الجدار على مصادر المياه الرئيسية والأراضي الزراعية الأكثر خصوبة، ومن خلال وضعه للفلسطينيين في معازل عنصرية (غيتوات) مع ما يعني ذلك من حرمانهم لأبسط حقوقهم في العمل والتعليم واستثمار أراضيهم، حيث سيتسبب الجدار بعزل المواطنين الفلسطينيين في 71 قرية وبلدة في الضفة الغربية عن أراضيهم الزراعية، وسيؤدي إلى اقتلاع أكثر من 83 ألف شجرة وتدمير 37 كيلومتراً من شبكات الري و15 كيلومتراً من الطرق الزراعية وعزل 350،238 دونماً (238كم2) من الأراضي الزراعية.
*عدم قانونية الجدار العازل:
إن بناء الجدار العازل يؤدي إلى المساس بقواعد ومبادئ القانون الدولي، وذلك عبر:
1 أثر بناء هذا الجدار على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، حيث إن بناء الجدار العازل يُعد خرقاً فاضحاً لمضمون قرار مجلس الأمن الدولي رقم 237 تاريخ 14 6 1967، المتعلق بدعوة إسرائيل إلى احترام حقوق الإنسان في المناطق التي تأثرت بصراع الشرق الأوسط عام 1967، حيث نصَّت المادة الأولى من هذا القرار على "دعوة حكومة إسرائيل إلى تأمين سلامة وخير وأمن سكان المناطق التي جرت فيها عمليات عسكرية، وتسهيل عودة أولئك الذين فروا من هذه المناطق منذ نشوب القتال". في حين أن ترسيمة الجدار كما حددتها الحكومة الإسرائيلية تضم المنطقة المغلقة، أي القسم من الضفة الغربية الواقع بين الخط الأخضر والجدار، أي ما يقارب 80% من المستوطنات المشيدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بما فيها القدس الشرقية) الأمر الذي يُشكل أيضاً مخالفةً واضحةً لكل من:
*الفقرة السادسة من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص على أنه "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".
*وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 446 تاريخ 22 3 1979 الذي طالب إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة باحترام اتفاقية جنيف الرابعة، وبإزالة الأعمال التي قد نفذتها، وبأن تمتنع عن القيام بكل ما من شأنه تغيير الوضع القانوني أو الخصائص الجغرافية للأراضي العربية المحتلة، أو ترحيل السكان الفلسطينيين من هذه الأراضي العربية. حيث إن ذلك الجدار ليس ذا طبيعة مؤقتة كما تزعم إسرائيل، بل أن بناءه من شأنه أن يخلق على الأرض أمراً واقعاً قد يتحول بسرعة إلى أمر دائم، وفي مثل هذه الحال وبصرف النظر عن الوصف الرسمي الذي تُعطيه إسرائيل للجدار فإن بناء هذا الجدار يُعادل الاستيلاء الفعلي. إذ أن الترسيم المختار للجدار يكرس على الأرض التدابير غير الشرعية التي اتخذتها إسرائيل والتي شجبها مجلس الأمن فيما يتعلق بالقدس وبالمستوطنات. وكذلك يؤدي بناء الجدار إلى إحداث تعديلات جديدة في التركيبة الديموغرافية للأرض الفلسطينية المحتلة وذلك بمقدار ما يُسببه هذا البناء من اقتلاع للسكان الفلسطينيين من بعض المناطق. هذا البناء مضافاً إلى التدابير الإسرائيلية التعسفية المتخذة سابقاً يُشكل عائقاً خطيراً في وجه مُمارسة الشعب الفلسطيني لِحقه في تقرير المصير، ويخرق من جراء هذا الواقع الالتزام المفروض على إسرائيل في احترام هذا الحق.
2 مُخالفة بناء الجدار لأحكام اتفاقيات متعلقة بحقوق الإنسان. حيث إن بناء الجدار العازل قد أدى إلى تدمير ومصادرة أملاك الفلسطينيين بصورة مخالفة لأحكام المواد 23 و43 و46 و52 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، وللمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة. فبالنظر إلى اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي نظَّمت في القسم الثاني منها العمليات العدائية، وفي القسم الثالث السلطات العسكرية في أرض العدو، نجد أن المادة 23 منها قد نصت على المحظورات التي يُمنع على قوات الاحتلال القيام بها. كما تُوجب المادة 43 على قوات الاحتلال "أن تسعى قدر الإمكان إلى توفير الأمن والنظام وضمانه، واحترام القوانين السارية في البلاد". كذلك تنص المادة 46 من تلك الاتفاقية على "وجوب احترام شرف الأسرة وحقوقها، وحياة الأشخاص والملكية الخاصة، وكذلك المعتقدات والشعائر"، وعلى أنه "لا يجوز مصادرة الملكية الخاصة". في حين تنص المادة 52 على أنه: "لا ينبغي إخضاع البلديات أو السكان إلى طلبات الدفع العينية أو تقديم الخدمات إلا في حالة تلبية حاجيات قوات الاحتلال، وينبغي أن تتناسب مع موارد البلاد وأن لا تكون على نحوٍ يدفع السكان إلى المشاركة في عمليات عسكرية ضد بلدهم"، كما نصت تلك المادة على أنه "ينبغي الحرص قدر الإمكان على أن تدفع الضرائب العينية نقداً...". وأما المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة فقد حظّرت على دولة الاحتلال "أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير". إن بناء الجدار العازل يُخالف النصوص القانونية المذكورة أعلاه، كون هذا البناء وما ينشأ عنه من منطقة مغلقة بين الخط الأخضر والجدار، ومحاصرة أراضٍ فلسطينية بأراضٍ إستيطانية مُحتلة، قد أحدثت تضييقات جسيمة في وجه حرية التجول لسكان الأرض الفلسطينية المحتلة، ونتجت عن ذلك أيضاً انعكاسات سلبية جدية على الإنتاج الزراعي الفلسطيني، وأوجد بالنسبة إلى السكان الفلسطينيين مصاعب متنامية من أجل الوصول إلى الخدمات الصحية وإلى المنشآت المدرسية وإلى التزود بالماء.
إضافةً إلى أن بناء الجدار يحرم أيضاً عدداً لا بأس به من الفلسطينيين من حقهم في الاختيار الحر للإقامة. فضلاً عن ذلك فإن بناء هذا الجدار قد اضطر عدداً كبيراً من الفلسطينيين إلى ترك بعض المناطق، والعملية مستمرة مع استمرار بناء أقسام جديدة منه، أي أن هذا البناء المقرون بإقامة مستوطنات جديدة، يؤدي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في الأرض الفلسطينية المحتلة. وهكذا فإن بناء الجدار العازل يُعيق حرية التجول بالنسبة إلى سكان الأرض الفلسطينية المحتلة، تلك الحرية التي ضمنتها الفقرة 1 من المادة 12 من الشرعة الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أن "لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامته". كما أن بناء الجدار يُعيق ممارسة المواطنين الفلسطينيين لحريات العمل والصحة والتعلم والمستوى المعيشي الكافي كما نصت عليها الشرعة الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكما نصت عليها اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الطفل وأخيراً يعتبر بناء الجدار والنظام المقرون به بما يُسببانه من تغييرات ديموغرافية سبق ذكرها، مخالفَين للفقرة السادسة من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أنه "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها...". وبالتالي فإن بناء مثل هذا الجدار يُشكل تبعاً لذلك خرقاً فاضحاً من قبل إسرائيل لموجباتٍ متنوعة متوجبة عليها بموجب القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، نظراً لِما يحمله ذلك الجدار من مساسٍ خطيرٍ بعددٍ كبيرٍ من حقوق الفلسطينيين القاطنين في الأرض المحتلة من قبل إسرائيل، وذلك دونما إمكان تبرير هذه الخروقات الناتجة عن وجود هذا الجدار بأي ضرورات عسكرية كتلك التي نصَّت عليها المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة، وهذا بالضبط ما أشارت إليه الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية رقم 2 2004 تاريخ 9 7 2004 في خصوص قضية الجدار العازل.