اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

معاً...لصناعة الإنسان المنتج

برنامج الإكتفاء الذاتي في "الإمداد"

حوار: ولاء إبراهيم حمود


من صدقة السّر التي تطفئ غضب الرب، والتي أطلقها إمام الأمة الإسلامية المعاصرة، الإمام الخميني قدس سره، إلى انتظام عقد المؤسسات الاجتماعية، لتخفيف ثقل وطأة الحرمان عن كواهل الفقراء، إلى انتشار لآلئ العلم ومنارات معرفة الإنتماء الإسلامي الأصيل، في مؤسسات تربوية، تبدد ظلام الجهل، وظلمات عقود الاضطهاد الفكري وتضييع الهوية، إلى تأسيس مراكز رعائية لذوي الحاجات الخاصة، تدمجهم مع إخوانهم، في مجتمعاتهم، إلى إطلاق مشروع الإكتفاء الذاتي، صوناً لكرامة المحتاج، التي لا توازيها عند الله قيمة، تكليف شرعي آخر، تلتزم به "لجنة الإمداد" الخيرية الإسلامية، يضاف إلى سجلها الحافل بكل ما هو إنساني نحو أهلنا في العاصمة وضواحيها والمناطق النائية... أنه التزام كبير، تطرح أسئلته نفسها بنفسها... وتأتينا الإجابات واضحة، من المسؤول المباشر عن تنفيذه، الشيخ "حسين علي قلوط": لقد وضعتُ على طاولة مكتبه مثالاً فرنسياً تقول ترجمته: "من أطعمني سمكة، أطعمني مرة واحدة، ومن علّمني صيد السمك، فقد أطعمني السّمك في كامل العمر". حدثني الشيخ عن أحاديث رسول الله التي تحث على العمل، ومعه انطلق مشروع الحوار في ظل اشرف الأحاديث... عن أهم صناعة في الحياة الدنيا، للحياة الآخرة، صناعة الإنسان العامل المنتج، لا الإنسان المتسكع على أبواب البيوت أو بوابات المؤسسات... ولو كانت "خيرية".

- كيف تقدّم للقراء مشروع "الإكتفاء الذاتي" الذي أطلقته "الإمداد" أخيراً؟
فكرة هذا المشروع إسلامية أصيلة، تعني إعطاء شخص محتاج المال أو الأدوات التي يتمكن من خلالها العيش بكفاف، من خلال عمله في صناعةٍ أو تجارةٍ ما يكفّ بها وجهه عن الناس، حيث وردت النصوص من السيرة الشريفة في الحثّ على العمل والتجارة. ومنها قوله صلى الله عليه وآله: "إني لأرى الرجل، فيعجبني، فأقول: هل له حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني". وثمة شواهد أخرى من سيرة الإئمة عليهم السلام تحثّ على حفظ ماء وجه السائل وعدم إراقته على أعتاب ذلّ السؤال... فالإمام علي عليه السلام كان يحمل المعونات للفقراء في السرّ ليلاً كما وجدت آثار حمل الجراب وأكياس المساعدات على ظهر الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام أثناء تغسيله...

- إذاً، كيف جسّدت لجنة الإمداد اليوم هذه الأحاديث العظيمة والسيَر الشريفة في مشروع اكتفاء ذاتي، ينتج فيه المحتاج مؤونته في مجتمع أضاع إكتفاءه الذاتي في أسواق البطالة وتدني مستوى الدخل الفردي بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة؟؟؟ كانت أولى الخطوات، إعطاء المحتاج قرضاً أو مساعدته في إيجاد عمل له، وإن تعذرت هذه الأخيرة سيساعده القرض على إنشاء مشروعه الخاص، وسيحفزه القرض على النجاح، لإعادة المبلغ أولاً وللاستمرار ثانياً.

- كيف تضمنون استعادة القرض في ظل ضغط حاجة المحتاج الملحة أو خوف فشل مشروعه وزيادة عجزه عجزاً آخر مضافاً إلى أعبائه؟؟
لقد وضعت لجنة الإمداد قوانين وأسساً متينة لهذا المشروع تكفل نجاحه بنسبة معقولة: كان أهمها دراسة إمكانيات كل عائلة تؤهلها للعمل، فكان العمل يتم بسرعة مع العائلة التي تملك جهوزية أكثر من سواها، فتباشر عملاً يتكفل الإمداد بتأمين مكانه ومستلزماته أما العائلة التي تفتقد إلى المقومات الأساسية فكانت تخضع لإعادة تأهيل عبر إلحاق أقدر أفرادها بدورات لمحو الأمية ودورات مهنية وقد حصرت هذه القروض بعوائل الإمداد لدقة المعرفة السابقة بها. وقد تم تسهيل تقسيط هذه القروض لمدة ثلاث سنوات تكون العائلة خلالها قد أمّنت اكتفائها وسددت ما عليها.

- هل سبقكم أحد إلى هذا المشروع؟
في الواقع، لقد سبقنا الإمام الخميني قدس سره جميعاً، حيث كان ماله الخاص الذي قدّمه لبعض ثقاته، قائلاً لهم: "انطلقوا وأسسوا بهذا المال نواة مؤسسة تكون سنداً للمساكين والمحتاجين" تلك كانت البداية المباركة للإمداد كله. لقد كانت أموال الإمام سنبلةً أنبتت حقول سنابل ملأى بالخير والبر...

- هل كانت الدروب سالكة آمنة أمام مشروع ضخم كهذا؟ أم أن معوقات ثقافية ومادية كثيرة اعترضته؟؟ ماذا عن صعوبات البدايات؟؟
ربما كانت المعوقات الثقافية أهم ما صادف بدايات هذا المشروع حيث بدا خوف المغامرة في تجربة جديدة لدى العوائل، خشية الفشل المؤدي إلى خسارة المال، والنظرة المسبقة إلى سهولة تلقي المساعدات المجانية مقابل الشقاء في عمل قليل الإنتاج نسبياً، عدم ثقة العوائل بقدرات بعض أفرادها وإمكانياتهم لقد أزيلت معظم هذه العوائق بمجهود فريق من المتطوعين والعاملين، الذين قاموا بمهمة إقناع العوائل، وإعادة صياغة نظرة جديدة للعمل، وبلورة فكرة الإكتفاء ذاتياً.

- هل ينال المعوق (إعاقة غير كاملة) فرصة في مشروع الإكتفاء الذاتي؟
أجل، خاصة إذا لم يكن لهذا المعوق مردودٌ آخر سوى ما تنتجه يداه... فالإمداد يتكفل بعلاجه حتى إذا حسم الطب أمره، وبات معوقاً على كرسي أو ضريراً... فيعاد تأهيله نفسياً لتجاوز محنته الطارئة ويقبل على ما يتلاءم وقدراته المستجدة من عملٍ منتج. وفي مشروع الإكتفاء الذاتي فاقد الطرف ما زال يمتلك الإرادة، كما يمتلك فاقد البصر بصيرته.

- كيف تعاطت طروحات "الإكتفاء الذاتي" مع قوانين العمل العمرية التي لا تسمح به قبل الثامنة عشرة ولا بعد الستين، أمام عائلة قد تضطرها إلى خرق ممنوعات عمالة الأطفال أو تأخير سن التقاعد ظروف أكثر من قاهرة؟
يأخذني السؤال هنا إلى موضوع التسرّب المدرسي حيث قد يغادر المدرسة باكراً تلميذ دون الثامنة عشرة لقصورٍ منه أو تقصير وفي كلا الحالين أنشأت الإمداد لهم معهداً متخصصاً في التعليم المهني السريع في بيروت، لتعليمهم بعض المهن خلال سنة دراسية واحدة (مثل: ميكانيك وكهرباء السيارات، وتجارة الألمنيوم). أما للمتقاعدين وخاصة في القرى والأرياف، فقد تم إعداد وتنفيذ بعض الدورات الإرشادية في تربية الحيوانات، والزراعة والتموين الغذائي.

- ماذا عن العوائق المادية (مصادر التموين، سيولة نقدية، موارد إكتفاء للإكتفاء) ؟
تعتمد مصادر هذا المشروع على الأموال الشرعية، ومساعدة المحسنين، بالإضافة لمساعدة المعاهد والمؤسسات التربوية المعنية، التي تساعدنا على استقبال وتدريب العوائل بأسعار رمزية، كما يمكن اعتبار القروض كما هي ودون أي فائدة أو ضريبة على الإطلاق مصدراً لمشاريع أخرى...

- ماذا لو كان المعيل الوحيد إمرأة؟ هل تكتفي ذاتياً، من ضاقت بها سبل الحياة، خارج إطار عملها التقليدي كعاملة تنظيف في مؤسسة، مع حفظ الإحترام لكل كادحة مجاهدة؟؟
كانت المرأة وما زالت من أولويات مشروع "الإكتفاء الذاتي" حيث أعدت لها الدورات الإرشادية، لتعليم مهن خاصة بها، كالخياطة والتجميل والأشغال اليدوية، وصناعة الأطعمة وحفظها للكبيرات نسبياً، حتى بعض أعمال التطريز والحياكة في منازلهنّ وإيجاد فرص تسويق منتجاتهنّ، أما الشابات اللواتي لم يتابعن تحصيلهن العلمي لظروف خاصة، فقد ألحقن بالمعاهد المهنية، كالتمريض والديكور والطباعة على الكمبيوتر.

- هل للخارطة الجغرافية لهذا المشروع حدود في لبنان، باعتبار خصوصيات "إنمائية" لبعض المناطق، أم أن حدود الوطن هي ذاتها حدود المشروع؟
تنتشر هذه المشاريع على جميع الأراضي اللبنانية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وتتنوع وفق تنوع خصوصيات كل منطقة كما في مفروض السؤال. فمشاريع الريف البقاعي في معظمها تنمية حيوانية خفيفة، تربية ماعز وأغنام، أما جنوباً، فتربية دواجن وأبقار، ...أما في بيروت فمعظمها تجارية خفيفة ومستقبلا ًحرفية ومهنية... هذا كله باعتبار ما أنجز.

- وبعد بلوغ أحد أهم هذه المشاريع أشدّه ووصوله إلى سن الرشد في الإكتفاء الذاتي، هل تستمر الرعاية والمتابعة والوصاية؟
نعلم سلفاً أن هناك مشاكل طارئة تعترض أي مشروع وقد تؤدي بها إلى الفشل إذا ما تركت، لذلك نتابعها ونحاول أن ندرأ عنها النهاية السريعة وربما نغير مسارها باتجاه النجاح، أما المرض والحوادث الطارئة والموت ففي بعض الأحيان هي أمور تحصل وهي قدر لا نملك حياله شيئاً وهي تحصل بنسبة 10% من المشاريع المنشأة بشكل عام تتم متابعة كل المشاريع، بعد تأمين المستلزمات كافة، وإطلاق مسيرة العائلة باتجاه مشروعها، تستمر المواكبة والمراقبة بشكل شهري، وتتجلى هذه المتابعة بالدعم المادي والمعنوي والإرشادي. بل ويقتضي الأمر إعداد تقرير شهري لكل مشروع للإطلاع عن كثب على مسيرته وعلى ما قد يصادفه من مشاكل للمبادرة إلى علاجها قبل استكمالها ووصول المشروع إلى نقطة الصفر.

- هل يمكن تعميم هذا المشروع، بإخراجه من إطار العائلة الواحدة، ليشمل حيا ًأو منطقة. كإنشاء مصنع أو سوق تجاري أو مؤسسة إنتاجية في منطقة ما؟؟ وهل تلوح في الأفق تباشير مشروع جديد؟
ثمة مشروع سيتم إطلاقه لاحقاً، يهدف إلى إنجاح مشروع الإكتفاء الذاتي بعنوان "كفالة مشروع" وهو سيعتمد حتماً على المساعدة المادية والاجتماعية من المحسنين الموسرين ومن أصحاب المشاريع السابقة الناجحة دعماً للاحقة الناشئة، هي فكرة تقضي بإشراك المجتمع كله في إنجاح هذه المشاريع عبر تقديم المساعدات المادية والعينية وقد تكون إعلامية، إعلانية... أما في خصوص تصديره خارج إطار العائلة إلى الحي أو المنطقة، فقد تمت دراسة إمكانية إقامة مشاريع كبيرة، يشترك في إدارتها عدة عوائل، تبين أنها معرضّة لمخاطر كثيرة، وتحتاج إلى إدارة أقوى وتأهيل من نوع آخر للعوائل غير متوفر حالياً، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

- أخيراً كيف يلخص لنا الشيخ انجازات هذا المشروع ونتائجه وانعكاساته على مجتمع يواجه استحقاقات كثيرة، ويقاوم على جبهات متعددة، اقتصادياً .. اجتماعياً... ثقافياً ... فضلاً عن إثبات هوية وتأكيد وجوده؟؟
لقد أنجز حتى اليوم حوالي 950 مشروعاً ما زال منها 250 قيد الإنجاز والمتابعة، بقيمة تكلفة وصلت إلى 251.794.00 دولاراً.

حيث إن هذا المشروع لا يندرج تحت عنوان التكافل الاجتماعي فقط، لأنه إعادة إسلامية لصناعة الإنسان عاملاً، منتجاً، تبرز أهم انعكاساته الاجتماعية في:
1-عدم توارث الإهمال وفكرة الاتكال على المساعدات بين الأجيال، لقد غيّر المشروع من ثقافة أبناء بعض العوائل، الذين باشروا أعمالهم بحماس.
2- رفع معنويات العائلة في مجتمعها وتحقيق انتمائها المشرّف إليه.
3- الحد من الفساد الأخلاقي، الناتج الأول للفقر، المنع أو التقليل من السرقة، الانحراف، الاتجار بالمحرمات (مخدرات، بيع أطفال، ..)
4- الحد من هجرة أهل الريف إلى المدن، أو إقامة التوازن بين عجلة الإنتاج الريفي والمديني.
5- تخفيف مظاهر الفقر والعوز، بتحويل العائلة من عبء مستهلك، إلى طاقة منتجة.
6- الحد والتخفيف من البطالة، برفع مستوى النجاح في مجالات أخرى من الحياة. لدى عوائلنا، ربما عاد بعض أولاد المتسربين من مدارسهم، مستأنفين تحصيلهم العلمي، في بذل جهد إضافي بعد إكتفائهم الذاتي مادياً ونفسياً. مع الكلمة الأخيرة للمشرف على تنفيذ هذا المشروع، أترك الحوار مفتوحاً لتداعيات الذاكرة الغنية بشواهد مشرّفة تلوح في أفق الوجدان الإسلامي المعاصر، لعظماء كبار سعوا إلى تحقيق وجودهم بكرامةٍ وعزةٍ أرادها الله لهم منذ أن خلقهم الله نطفاً في أرحام أمهاتهم.

لقد عمل رسول الله صلى الله عليه وآله في التجارة في صباه وشبابه في أشرف مواجهةٍ إنسانية مع الفقر اللئيم،... لقد عمل علي عليه السلام بيديه فخصف نعله، وخاط مدرعته وترك للأجيال كلمته (لو كان الفقر رجلاً لقتلته)! لقد عمل رسول الله وأعمدة آل بيته على محاربة الفقر، عملاً وإنتاجاً وصدقةً عندما قدروا مع حفظ كرامة من قصدهم أو لم يقصدهم في طلب عطاء الله منهم حتى ترك الحسن بن علي عليه السلام لنا ما يصح تطابقه مع مشروع الإكتفاء الذاتي المعاصر في أحد أهدافه الكبيرة التي أجريت لأجل التأكيد عليها هذه المقابلة:

نحن أناسٌ نوالنا خضل يرتع فيه الرجاء والأمل،  نجود قبل السؤال أنفسنا خوفاً على ماء وجه من يسلوليس أشرف وأعز من سائل عملاً ولا أشرف وأكرم ممن أعطى هذا السائل فرصة العمل الشريف في ظل رضا الله وبركة الله على مبادئ آل بيت رسول الله ميراثاً خالداً لأجيالنا جيلاً بعد جيل فتتحقق بذلك كلمة مؤسس الإمداد الأول الإمام الخميني قدس سره "إن عمل الإمداد هو إعطاء الأمل وعطاء العمل، والإعانة على الحياة الشريفة"

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع